الحج المقاصد والعبر - بقلم / الشيخ حسن سلمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحج

المقاصد والعبر

أولاً: تعريف الحج ومشروعيته :-----

الحج لغة القصد وشرعاً هو القصد الى بيت الله الحرام بنية التعبد لله تعالى في الاشهر الحرم لاداء الركن الخامس في الإسلام وهو مكتوب بالكتاب والسنة واجماع الأمة قال تعالى} وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً{ )[1]( وقول النبي صلى الله عليه وسلم :( بني الإسلام على خمس ....... وحج البيت من استطاع اليه سبيلاً) كم اجمعت الأمة على أن الحج ركن من أركان الإسلام ومن جحده فهو كافر بالإجماع .

ثانياً: أهم الدروس والعبر في الحج:

1.    تحقيق التوحيد ونبذ الشرك، وهو من أهم الدروس العظيمة التي تتخلل الحج في كل أحكامه، وهو الأساس الأول لبناء البيت الحرام ، قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } ([2]) وقال تعالى} وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ{35} رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{36} رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ{37} ([3]) ، ومن تأمل الأحكام وجد التوحيد متجسداً في كل المواقف فمثلاً:-

§       التلبية ودلالات التوحيد .(لبيك لاشريك لك)

§       قراءة الإخلاص والكافرون في ركعتي الطواف.

§       التهليل عند صعود الصفا والمروة في السعي.

§       الأدعية في عرفات ومزدلفة وكافة المناسك .

ومن قضية التوحيد تتشكل الفكرة المركزية الجامعة لهذه الحشود لتقف في مشهد واحد وعلى صعيد واحد، وما أحوج الأمة إلى الفكرة المركزية التي تتمحور حولها حتى يعود لها مجدها وذكرها.

2.    تحقيق التسليم والإنقياد:-

قال تعالى {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ([4]) ، إن من أهم وأعظم الدروس التي يستفيدها المكلف من المناسك في الحج درس التسليم والإنقياد لكثير من الأمور التي ربما لا يعلم حكمتها أو المقصود منها، لكن يأخذها على سبيل تنفيذ الأمر الشرعي، حتى ولو خفيت الحكمة منها، وهنا نقف على مقولة عمر بن الخطاب وهويقبل الحجر الأسود ويقول: إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ماقبلتك) يقول ابن حجر رحمه الله في قول عمر (وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الإتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولولم يعلم الحكمة فيه) فتح الباري (3/463)، ويقول الإمام اسماعيل الأصفهاني رحمه الله: (ومن مذهب أهل السنة: أن كل ماسمعه المرء من الآثار مما لم يبلغه عقله فعليه التسليم والتصديق والتفويض والرضا، لا يتصرف في شيء منها برأيه وهواه )([5]) ،  ويقول ابن القيم في قاعدة التسليم (إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم، وعدم الأسئلة عن تفاصيل  الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع....)([6]) ، والقاعدة في عموم العبادات التسليم والتوقف دون الخوض في العلل والحكم، على خلاف المعاملات بالرغم من أن  كثير من العبادات معلومة الحكم والعلل، وممن ذهب إلى ذلك ابن القيم، وركنا  العبادة هما:-

  • ·غاية المحبة .
  • ·غاية الذل والخضوع والإنقياد.

ويقول تعالى: }فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }([7]) وقال تعالى في وسط أحكام الحج }فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } ([8]) .

3.    تعظيم الشعائر والحرمات :-----.

ومن دروس الحج ومقاصده الهامة تعظيم الشعائر والحرمات تنفيذاً لأمر الله تعالى ويبدأ ذلك بمجرد الدخول في الإحرام حيث يحرم الحاج على نفسه كل ما كان حلالاً عليه قبل الإحرام من طيبٍ وحلقٍ ونساءٍ وصيدٍ وغير ذلك من المحظورات.

كما أن الحاج يقبل على الحج وهو معظماً لنداء الرحمن بالإتجاه إلى بيته الحرام، والتحرك في كافة المناسك ذاكراً لله شاكراً له، قال تعالى بعد أن ذكر بعض أعمال الحج} ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ{ ([9]) وقال أيضاً }ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } ([10]) فالحرمات عند الحاج معظمة لشرف المكان والزمان والشعائر أجرها مضاعف كذلك ، ويقول ابن القيم (وروح العبادة هو الإجلال والمحبة فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت)([11]) .

4.    تحقيق محبة النبي صلى الله عليه وسلم :-----

إن تحقيق محبة الله تعالى لا تتحقق على وجهها المشروع إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول الله تعالى: }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ([12]) ، ولم يعلم المسلمون كيفية الحج على التفصيل إلا من خلال حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها(خذوا عني مناسككم)، فمن أخذ بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فقد أخذ بحظ وافر وحقق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وبذلك يحقق محبته عليه الصلاة والسلام حيث المحبة أمر قلبي والدلائل عليها الأعمال الظاهرة.

قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه                 هذا لعمري في القياس شنيع

إن كان حبك صادقاً  لأطعته                  إن المحب لمن يحب  مطيع

5.    الحج ذكرى بالمصير :-

ومن الدروس المستفادة من سفر الحج والاستعداد له ، سفر الآخرة وما يحتاجه من الزاد، وهو ما نلمسه من الوهلة الأولى التي يفارق فيها أهله ويودع اصحابه ويجرد نفسه من هموم الدنيا مقبلاً بكليته إلى الله قاصداً بيته الحرام فيخلع عن ثيابه العادية ويلبس ثياباً جديدة أشبه ما تكون بالكفن، ثم يدخل في التلبية كأنه خرج من القبر ملبياً نداء ربه في أرض المحشر، ويظهر الموقف العظيم يوم عرفة حيث يحشر الناس جميعاً في مكانٍ واحدٍ، وفي لباس واحد وفي زمان واحد، يدعون رباً واحداً وهنا مظهر عظيم يباهي الله بعباده الملائكة.

وهنا تبرز قيمة قوله عليه السلام (الحج عرفة)، وموقف عرفة والانتظار فيه يذكر بالموقف العظيم الذي تدنوا فيه الشمس من الرؤوس وينتظر فيها الخلائق الإنفضاض، ويبحثون فيه عن الشفعاء فلا يجدون إلا محمداً صلى الله عليه وسلم وكأن لحظة الإفاضة من عرفة هي لحظة الإنفضاض من الموقف العظيم فلله ما أعظم هذا الموقف عبرة وعظة، وأعظم زاد في هذه المسيرة هو زاد التقوى ، قال تعالى}وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } ([13]) .

6.    تحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الجامعة بين المؤمنين :---

إن شعيرة الحج من أعظم ما يحقق الأخوة الإيمانية حيث تتلاشى كافة الفوارق العرقية والإقليمية واللغوية  والطبقية والوظيفية ويقف الناس جميعاً العرب والعجم والأغنياء والفقراء على صعيد واحد بأحكام واحدة تسري على الجميع وهنا نستعيد ذكرى خطبة النبي صلى الله عليه وسلم التي أعلن فيها المساواة الإنسانية وإنهاء الفوراق الجاهلية ليجعل من التقوى فقط معيار المفاضلة، ويجعل من إرداف اسامة ابن زيد نموذجاً لهذه المساواة ،فلما أهدى إليه أحد الزعماء بردته الخاصة أهداها النبي صلى الله عليه وسلم على رؤوس الأشهاد لأسامة مما دل على المساواة الكاملة بين كافة البشرية وكان ذلك العام عاماً للحرية والتحرير للعبيد، حيث أعلن أكثرالعرب إعلان الحرية لعبيدهم، ما أعظمها من سجايا وبهذا يكون الحج مؤتمراً إسلامياً عالمياً يستفاد منه في وحدة الأمة ونهضتها.

7.    البراءة من المشركين :-

إن الحج فريضة توحيدية منذ أن شرع، وكلما انحرف الناس بها من التوحيد إلى الشرك جاءت الشرائع لإعادتها إلى روحها الحقيقية، بل وجاءت لمخالفة ما كان عليه أهل الشرك من مناسك تخالف التوحيد، ولذلك يقول ابن القيم: (استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين لا سيما في المناسك )([14])  ، ونلمس هذه المخالفة فيما يلي :-

  • ·الخلاف في التلبية فكانت تلبية المشركين (إلاشريكاً هو لك تملكه وما ملك) وجاءت تلبية التوحيد (لبيك لا شريك لك )
  • ·تحريم الطواف بالبيت من غير سترة، فقد كان الناس في الجاهلية يطوفون عراة إذا لم يجدوا ملابس معينة من قريش.

اليوم يبدوا كله أو بعضه                 وما بدى منه فلا أحله

  • ·الإفاضة من عرفات على خلاف قريش التي كانت تفيض من أطراف الحرم  مخالفة بذلك بقية الحجاج ومكرسة لمفهوم الفوقية القرشية على سائر الناس.
  • الإفاضة من عرفات بعد الغروب خلافاً للمشركين  الذين كانوا يفيضون قبل الغروب .
  • ·الدفع من مزدلفة بعد طلوع الشمس خلافاً للمشركين  الذين كانوا يندفعون قبل طلوع الشمس.
  • ·إبطال النبي صلى الله عليه وسلم لعوائد الجاهلية ورسومها كما في خطبة حجة الوداع (كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)([15]) ، ويقول ابن تيمية في ذلك (وهذا يدخل فيه ما كانوا عليه من العادات والعبادات )([16]) .

8.    الحج تربية للضمير وتحقيق للمراقبة :

إن المتأمل للأحكام الشرعية الإيمانية والتعبدية يلاحظ أنها ترتكز على ثلاثة أنواع من المراقبة :-

  • ·رقابة ضميرية مكانها القلب فالإنسان رقيب نفسه.
  • ·رقابة مجتمعية من حولنا .
  • ·رقابة إلهية  من فوقنا.

قال تعالى: }وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ([17]) والحج يحقق الرقابة في أعلى صورها فالإنسان رقيب نفسه قبل كل شيء، وينظر إلى الرقابة الإلهية التي يسعى جاهداً إلى أن لا يراه الله حيث نهاه ولا يفتقده حيث أمره كما أن رقابة المؤمنين بعضهم لبعض من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعمال النصح لكل مسلم متوفرة في الحج، قال تعالى: }وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ{ ([18]) والحج تربية للضمائر  فقد جاءت الشريعة بتجريم وتأثيم الإرادة القلبية السيئة في الحرم قال تعالى}وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ{ ([19])

وأعظم ما يلاحظ في هذا الأمر إختلاط الرجال والنساء في المناسك دون أن يكون هناك مواقع خاصة بالرجال وأخرى بالنساء وخاصة في الطواف بالبيت ومع ذلك تبقى الرقابة ذاتية يراعي فيها الإنسان المراقبة الفوقية .

9.    التربية الأخلاقية : -----

من أعظم الدروس المستفادة من شعيرة الحج ترسيخ التربية الأخلاقية في أبهى صورها على النحو التالي:-

  • ·العفة: وذلك بالابتعاد عن الجماع والمباشرة وكافة المقدمات المؤدية إلى الفاحشة قال تعالى:( فَلاَ رَفَثَ)([20]) 

 

 
21-10-2012
Print this page.
http://www.al-massar.com