دروس شهر رمضان (الدرس الثامن والعشرون )

الدرس الثامن والعشرون

اختم شهرك بالتوبة !

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد : 

أيها المسلم : اختم شهر رمضان بالتوبة إلى الله عز وجل ، فقد أمَرَنا الله بها فقال تعالى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ النور : 31 ]. وأمرنا بها النبي  فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ) رواه مسلم .

والتوبة واجبةٌ على الفور ، ولا يجوز تأخيرها ، فسارع إليها - أيها العبد - قبل أن ينزل بك الموت ، وقبل الغرغرة ، واعلم أن رسول الله  الذي غُفِر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر يقول : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم . فأنا وأنت حَرِيٌّ بنا أن نكون مسارعين إلى التوبة ، تاركين التسويف ، بل ليتب كلُّ واحدٍ منا في كل يومٍ مائة مرة ، كما كان  ، فقد قال  : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه أحمد (صحيح).

والتوبة عبادةٌ لله ولها شروط : الشرط الأول : أن تكون خالصةً لله : طلباً لثوابه ، وخوفاً من عقابه ، وقد قال تعالى : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [ البينة : 5 ] .الشرط الثاني : أن يكون نادماً على ما حصل منه من الذنوب : ويودُّ أنه لم يقع منه ، وقد قال  : ( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم (صحيح(.الشرط الثالث : الإقلاع عن الذنب فوراً : وإن كانت التوبة في من معصيةٍ تتعلق بحقوق العباد وجب ردّها إليهم ، أو استحلالهم .الشرط الرابع : العزم على عدم العودة إلى الذنب : فإن كان متردداً في فعل المعصية ويدَّعي أنه تائب فلا تصح توبته .الشرط الخامس : ألا تكون التوبة بعد انتهاء وقت قبلوها العام والخاص : فالعام هو كما قال  : ( ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ) رواه مسلم. وقال  : ( مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رواه مسلم. وأما الخاص فهو إذا غرغر عند حضور أجله ، كما قال تعالى : ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ ﴾ [ النساء : 18 ]. وقال  : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة (صحيح) .

فإذا توفرت الشروط السابقة في التوبة ، فهي التوبة النصوح التي أمر الله بها ، فقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [ التحريم : 8 ]. وإذا صحت توبة العبد فإنها تثمر للعبد : أ‌- أنّ الله يمحو بها ذنوبه ، كما قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر:53]. وقال  : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) رواه ابن ماجة (حسن) .ب‌- أن الله يفرح بالعبد التائب أشد الفرح ، كما قال  : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا ) رواه مسلم.ت‌- أن الله يبدل سيئاته حسنات ، كما قال تعالى : ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [ الفرقان : 70 ].

أيها المسلم : تب إلى الله في المجلس الواحد واستغفره مائة مرة ، وقد قال ابن عمر م: ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ ع فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) رواه أبو داود (صحيح(.

نقلاً من كتاب دروس شهر رمضان

للشيخ محمد بن شامي مطاعن شيبة

 
22-06-2017
Print this page.
http://www.al-massar.com