تقرير مراسلون بلا حدود:التصنيف العالمي 2014

تقرير مراسلون بلا حدود:التصنيف العالمي 2014

 

التغيرات الكبرى في نسخة 2014 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة 

تُبرز نسخة عام 2014 من "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" ما تحمله الصراعات في طياتها من آثار سلبية على حرية الإعلام والفاعلين في هذا القطاع. كما تراجعت بعض البلدان في سلم الترتيب بسبب تأويل سلطاتها بشكل مفرط وفضفاض لمفهوم حماية الأمن القومي على حساب الحق في الإخبار وتلقي المعلومات، نظراً لما ينطوي عليه هذا الاتجاه من خطر متزايد بشكل عام، وتهديد لحرية الإعلام حتى في قلب "دول الحق والقانون".

 

 

حافظت فنلندا على موقعها في الصدارة، حيث تعتلي قمة الترتيب للعام الرابع على التوالي. وتأتي بعدها كل من هولندا والنرويج، على غرار طبعة العام الماضي. أما في الطرف المقابل، فيتذيل التصنيف

"الثلاثي الجهنمي" المعهود، والذي يتألف من تركمانستان وكوريا الشمالية وإريتريا، حيث حرية الصحافة منعدمة بكل بساطة. ورغم بعض الاضطرابات النادرة التي كان من شأنها أن تلقي بظلالها على هذه البلدان خلال عام 2013، إلا أنها لا تزال تمثل وصمة عار على الصعيد الإعلامي باعتبارها جحيماً حقيقياً بالنسبة للصحفيين.

ويشمل التصنيف العالمي 180 بلداً هذا العام مقابل 179 في الطبعة السابقة، حيث انضمت بليز إلى القائمة لتحتل مباشرة مرتبة تُحسد عليها (29)، حيث سُجلت حالات عنف نادرة ضد الصحفيين في هذا البلد، إضافة إلى بعض الشوائب المتمثلة في محاكمات بتهمة "التشهير" مصحوبة بغرامات مالية مغرضة، إلى جانب بعض الاستثناءات المتعلقة بالأمن القومي والتي تعيق التطبيق السليم لقانون الوصول إلى المعلومات العامة، ناهيك عن تدخل الحكومة في إدارة الترددات بشكل جائر في بعض الأحيان.

النزاعات المسلحة، عامل حاسم في التراجع

يسلط ترتيب 2014 الضوء على الترابط السلبي بين حرية الإعلام والصراعات - جارية كانت أو غير معلنة. ففي سياق يطغى عليه عدم الاستقرار، تصبح وسائل الإعلام مستهدفة على نحو استراتيجي من قبل الجماعات أو الأفراد الذين يحاولون فرض رقابة على كل من يسعى إلى نشر المعلومات، وذلك في انتهاك فاضح للضمانات التي تقدمها المواثيق الدولية، ولاسيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لعام 1977.

تجسد سوريا (177، 0) هذا السيناريو إلى أقصى حد منذ مارسآذار 2011، حيث باتت تُعتبر البلد الأخطر على الصحفيين والأكثر تهديداً لحرية الإعلام، علماً أنها أضحت تقف على عتبة "الثلاثي الجهنمي". كما أن تداعيات الأزمة السورية تحمل في طياتها أيضاً تأثيرات مهولة على جميع أنحاء المنطقة، حيث تساهم في تعميق الشقاق بين وسائل الإعلام في لبنان (106، -4) حيث الاستقطاب عى أشده منذ مدة ليس بالقصيرة، كما تشجع السلطات الأردنية على تشديد الخناق، بينما تؤدي في الوقت ذاته إلى تسريع دوامة العنف التي تعصف بالعراق (153، -2) حيث تتفاقم التوترات الطائفية بين الشيعة والسنة. أما في إيران (173، +2)، الفاعل الرئيسي في المنطقة، فإن وعود الرئيس الجديد روحاني بتحقيق تقدم على مستوى حرية الإعلام مازالت في مهب الريح حتى الآن، حيث إن تغطية المأساة السورية، سواء من قبل وسائل الإعلام الرسمية أو عبر المدونات، تخضع لرقابة مشددة من السلطة الحاكمة، التي تعاقب كل من يتجرأ على انتقاد سياستها الخارجية.

كما أن تراجع مالي (122، -22) وجمهورية أفريقيا الوسطى (109، -34) يعكس بدوره ذلك الترابط السلبي المشار إليها أعلاه. فالحروب المفتوحة على مختلف الجبهات والاشتباكات التي تزعزع استقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية (151، -8)، وكذلك مناورات العصابات والجماعات الإرهابية في كل من الصومال (176، 0) ونيجيريا (112، 4) لا تساهم في تحسين تصنيف هذه البلدان بأي شكل من الأشكال.

وفي مصر (159، 0)، تزامن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في صيف 2012 مع تصاعد موجة الاعتداءات على الصحفيين وإخضاع وسائل الإعلام لسلطة الجماعة بشكل منهجي، إلى أن توقف ذلك بعد عام. لكن "اضطهاد الإخوان" منذ عودة الجيش إلى السلطة بات يشغل بال الصحفيين المصريين ونظرائهم الأتراك والفلسطينيين والسوريين على حد سواء. وبدورها، تشهد دول الخليج - وخاصة الإمارات العربية المتحدة (118، -3) - موجة من الاعتقالات والمحاكمات في حق الفاعلين الإعلاميين بتهمة الانتماء إلى الإخوان.

وأمام تصاعد دوامة العنف، تحرك المجتمع الدولي أخيراً، وإن كان من باب الحبر على الورق حتى الآن. ففي يوم 26 نوفمبرتشرين الثاني 2013 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوافق الآراء أول قرار بشأن سلامة الصحفيين وحول إحداث اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الذي سيُحتفل به يوم 2 نوفمبرتشرين الثاني من كل عام.  ويشكل هذا القرار بلا شك خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، حيث يأتي استكمالاً للقرار 1738 الذي يدين الاعتداءات على الصحفيين في حالات النزاع المسلح، المعتمَد من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبركانون الثاني 2006 بناء على اقتراح من منظمة مراسلون بلا حدود، دون إغفال خطة العمل للأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين والإفلات من العقاب، التي اعتُمدت في أبريلنيسان 2012. وفي هذا الصدد، تدعو مراسلون بلا حدود الأمم المتحدة إلى تشكيل فريق خبراء يتولى مهمة تقييم مدى وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها، ولاسيما تلك المتعلقة بحماية الصحفيين والتحقيق في جميع أعمال العنف وتقديم الجناة إلى العدالة.

تقويض الإعلام تحت ذريعة حماية الأمن الوطني وضرورة المراقبة

لا يمكن اعتبار دول "سيادة القانون" مثالاً يقتدى به في هذا الباب... بل على العكس من ذلك تماماً. ففي كثير من الأحيان تُضحي السلطات بحرية الإعلام لتبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام كل تأويل فضفاض لمفهوم الأمن القومي، مما يمهد الطريق نحو تراجع مثير للقلق فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية، حيث تواجه الصحافة الاستقصائية صعوبات جمة في بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة (46)، التي فقدت 13 مرتبة في التصنيف العالمي، مسجلة بذلك أحد أكبر التراجعات وأكثرها إثارة للانتباه في سياق يتميز بملاحقة شرسة لمصادر المعلومات ومتابعة أشرس لكاشفي الفساد. فإدانة الجندي برادلي مانينغ أو مطاردة موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن تشكلان تحذيراً شديد اللهجة لكل من ينوي تسريب ونشر معلومات حساسة حتى وإن كانت تستأثر باهتمام واسع في أوساط الرأي العام.

فقد أفاقت مهنة الصحافة على وقع زلزال مدوٍّ بسبب فضيحة تجسس وزارة العدل الأمريكية على وكالة أسوشيتد برس من خلال رصد سجلات اتصالاتها الهاتفية دون سابق إنذار لتحديد مصدر تسريب المعلومات من داخل وكالة المخابرات المركزية، مما أكد الحاجة الملحة لـ"قانون وقائي" - على الصعيد الوطني - لضمان حماية المصادر التي يلجأ إليها الصحفيون لاستقاء المعلومات. بيد أن تفعيل العملية التشريعية في هذا الاتجاه لا يبدو كافياً لتبديد شواغل جيمس رايزن، صحفي نيويورك تايمز، الذي أُجبر على المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادته في محاكمة موظف سابق بوكالة المخابرات المركزية متهم في قضية أخرى تتعلق بتسريب معلومات سرية. كما لا يمكن إغفال قضية الصحفي المستقل الشاب باريت براون الذي يواجه عقوبة السجن 105 عاماً لنشره على الإنترنت بعض بيانات شركة ستراتفور الأمنية الخاصة، التي تعمل بموجب عقد رسمي مع الحكومة.

وبدورها، رفعت المملكة المتحدة (33، -3) شعار مكافحة الإرهاب لممارسة ضغوط سافرة على صحيفة الغارديان، ناهيك عن الاعتقال الذي دام تسع ساعات في حق دفيد ميراندا، زميل الصحفي غلين غرينوالد ومعاونه. ويبدو أن سلطات البلدين تُظهران حماساً مفرطاً في ملاحقة كاشفي الفساد بينما لا تبدي نفس القدر من الصرامة في تنظيم ممارسات المراقبة التعسفية المتناقضة مع مبدأ الخصوصية الذي يحتل مكانة غالية في ثقافتهما الديمقراطية.

كما يأتي قانون "أسرار الدولة"، الذي اعتمده البرلمان الياباني في أواخر عام 2013، ليضيف مزيداً من الضبابية والتعتيم على تعاطي الحكومة اليابانية مع المواضيع التي تهم الشأن العام مثل القضية النووية والعلاقات مع الولايات المتحدة، وغيرها من القضايا التي تدخل في نطاق "المحرمات الكبرى". ذلك أن نواب الشعب الياباني تناسوا بعض المفاهيم الجوهرية من قبيل "الصحافة الاستقصائية" و"المصلحة العامة" و "سرية المصادر" ليضربوا بها عرض الحائط، حريصين أشد الحرص على منع نشر أية معلومات محرجة تفادياً لتشويه سمعة البلاد (59، -5) في الخارج.

كما لا تتردد بعض الحكومات في اللجوء إلى ورقة "مكافحة الإرهاب" لاتهام الصحفيين بـ"تهديد الأمن القومي". ففي تركيا (154 +1) يقبع عشرات الفاعلين الإعلاميين في السجون تحت هذه الذريعة، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بتغطية القضية الكردية، بينما أظهرت قضية علي أنوزلا أن السلطات المغربية باتت تخلط بين "الصحافة" و"الإرهاب"، مما حكم على هذا البلد بالبقاء في المرتبة 136. أما في إسرائيل (96، +17)، فإن حرية الإعلام ليست سوى مفهوماً فضفاضاً يمكن تعليقه في أية لحظة وحين بحجة حماية أمن الدولة. وفي كشمير الهندية، تتوقف خدمة الإنترنت النقال وباقي وسائل الاتصال بمجرد اندلاع بعض الاضطرابات، في حين يسيطر الجيش على شمال سري لانكا (165، -2) بالكامل، حيث لا يسمح بأي تعارض مع الخطاب الرسمي فيما يتعلق بعملية "تهدئة" معاقل الانفصاليين التاميل السابقة. وعلى صعيد آخر، فإن بلدان شبه الجزيرة العربية ومعها الأنظمة الاستبدادية في آسيا الوسطى، تشدد الرقابة ولا تغفل عن وسائل الإعلام، تحسباً لأي "محاولة لزعزعة استقرار السلطة الحاكمة"، مخافة اندلاع انتفاضات شعبية جراء تداعيات "الربيع العربي".

خصخصة العنف

في عدد من البلدان، تكون الجماعات الأهلية غير الحكومية هي مصدر التهديد الرئيسي لأمن الصحفيين. فالميليشيات التي تعمل على استتباب الفوضى في ليبيا الجديدة (137، -5) أو الجماعات اليمنية المسلحة ذات الصلة بتنظيم القاعدة هي المرآة التي تعكس خصخصة العنف على هذا النحو. أما القاسم المشترك بين حركة الشباب في الصومال (176، 0) وحركة M23 في جمهورية الكونغو الديمقراطية (151، -8) فيتمثل في اعتبار ​​الصحفيين أعداء بشكل مطلق. كما أن الجماعات الجهادية، مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، تهاجم بعنف الفاعلين في الحقل الإعلامي رغبة منها في السيطرة بأي ثمن على المناطق التي "تحررها".

وعلى صعيد آخر، لا تزال الجريمة المنظمة آلة طاحنة مرعبة بشكل عام، حيث تطال هندوراس (129، -1) وغواتيمالا (125، -29) والبرازيل (111، -2) وباراغواي (105، -13)، ولكنها تمتد أيضاً إلى باكستان والصين وقيرغيزستان والبلقان. فأمام هذه القوة الهمجية، يكون من الصعب أو بالأحرى من المستحيل تجنب الوقوع في الرقابة الذاتية، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل الفساد والاتجار بالمخدرات وتسلل المافيا إلى بلاط الدولة. ذلك أن تساهل بعض السلطات أو تواطؤها أو تسامحها مع بعض الممارسات – بل وفي بعض الأحيان مشاركتها بشكل مباشر أو غير مباشر في الجرائم المقترفة ضد وسائل الإعلام – يقوي حظوظ تلك العصابات الإجرامية في الإفلات من العقاب ويذكي دوامة العنف التي تستهدف الفاعلين في الحقل الإعلامي.

ويؤكد المؤشر السنوي لحرية الصحافة، الذي أُطلق عام 2013، تراجعاً مهولاً في حق الإبلاغ والحصول على الأخبار، على المستوى العالمي، حيث ارتفع المؤشر من 3395 إلى 3456 نقطة (+61)، أي بزيادة قدرها 1.8% مما يعكس تدهوراً طفيفاً على صعيد حرية الإعلام بين نسختي 2013 و2014 من التصنيف العالمي.

صحيح أن عام 2013 شهد تراجعاً في أعداد الصحفيين القتلى مقارنة بالعام السابق، الذي كان بمثابة مجزرة لأهل القطاع الإعلامي، بيد أنه شهد ارتفاعاً في الاعتداءات والتهديدات. ولا تُفسَّر هذه الزيادة فقط من خلال تطور أشكال الابتزاز، ولكن أيضاً على ضوء مجموعة من المؤشرات المستخدمة في إعداد هذا التصنيف:

- التعددية، أي مدى تمثيل مختلف وجهات النظر في وسائل الإعلام؛

- استقلالية وسائل الإعلام هذه عن مختلف السلطات السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية؛

- نوعية الإطار القانوني الذي يحكم الأنشطة الإعلامية؛

- شفافية المؤسسات التي تحكم هذه الأنشطة؛

- البنى التحتية التي تستند إليها؛

- المناخ العام الذي تمارَس فيه حرية الإعلام.

يُعتبر هذا المؤشر أداة تحليلية للأداء العام في كل بلد من البلدان التي يشملها الاستقصاء، الذي كانت نتيجته واضحة بشكل لا غبار عليه: ففي المنحنى البياني الخاص بالمناطق، يُظهر المؤشر أن الوضع متدهور في كل القارات باستثناء آسيا حيث يميل إلى الاستقرار. وعلى غرار العام الماضي، حقق الاتحاد الأوروبي ومنطقة البلقان أعلى درجة (17.6)، متبوعين بالأمريكتين (30.3) وأفريقيا (35.6) ثم آسيا والمحيط الهادئ (42.2) وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى (45.5)، في حين تتذيل منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط هذا الترتيب بمؤشر يبلغ 48.7.

المؤشر السنوي لحرية الصحافة: 3456 في عام 2014 (3395 في عام 2013)

• الاتحاد الأوروبي ودول البلقان: 17.6 (17.5)

• منطقة الأمريكتن: 30.3 (30.0)

• أفريقيا: 35.6 (34.3)

• آسيا - المحيط الهادئ: 42.2 (42.2)

• أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى: 45.5 (45.3)

• شمال أفريقيا / الشرق الأوسط: 48.7 (48.5)

أبرز التراجعات

بينما فقدت الولايات المتحدة (46، -13) ثلاث عشرة مرتبة على سلم التصنيف على العالمي، شهدت جارتها غواتيمالا (125، -29) تراجعاً مهولاً بسبب تدهور الوضع الأمني بالنسبة للصحفيين، حيث اغتيل أربعة منهم بينما تضاعفت أعداد الهجمات المرتكبة في حق الفاعلين الإعلاميين مقارنة بالعام السابق، وهو نفس السيناريو الذي تعيشه باراغواي (105 -13،)، حيث مازال الصحفيون يجدون أنفسهم عرضة للرقابة الذاتية بعد تنامي الضغوط المفروضة عليهم علماً أن إعلامياً واحداً لقي مصرعه خلال عام 2013. يُذكر أن هذا البلد كان قد شهد تراجعاً حاداً في سلم الترتيب عقب انقلاب يونيوحزيران 2012، الذي وقع بعد ثلاث سنوات من ذلك والذي كان قد زاد الوضع تفاقماً في هندوراس (129، -1)، التي كانت غارقة في فوضى ما بعد الانتخابات.

على الصعيد الأفريقي، سجلت مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى أكبر تراجع بسبب حالات الصراع المذكورة أعلاه. وفي بوروندي، سنَّ مجلس الشيوخ قانوناً مقيداً لحريات الصحفيين بينما بدأت الحملة الانتخابية الرئاسية تلوح في الأفق. ومن جهتها، شهدت كينيا (90، -18)، موجة انتقادات عارمة ضد السلطات التي تعاملت بقمع شديد مع التغطية الإعلامية لهجوم ويست جيت، علاوة على الخطوات الخطيرة التي اتخذها البرلمان في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها اعتماد قانون - في أواخر 2013 - يتيح تشكيل محكمة خاصة للبت في القضايا المتعلقة بالقطاع السمعي البصري.

وفي غينيا (102، -15)، حيث المظاهرات على أشدها في المرحلة الانتخابية، يجد الصحفيون أنفسهم عالقين بين مطرقة القمع الحكومي وسندان الغضب الشعبي، مما يجعل ظروف عملهم صعبة وخطيرة للغاية، حيث هوجم عدد منهم أو جُرح خلال المظاهرات.

كما أدى تشديد تدابير الرقابة والحجب ضد المواقع الإخبارية في زامبيا (93، -20) إلى تقهقر هذا البلد بعدما كان قد أحرز تقدماً ملموساً خلال السنوات السابقة.

وفي البلدان التي تعيش تحت وطأة حكام يستفردون بالسلطة منذ مدة طويلة، حيث يطغى عليهم الخوف من اندلاع موجة تطالب بتغيير النظام، لوحظ تزايد في السياسات التقليدية القائمة على التشديد ضد الصحفيين من خلال محاكمات تعسفية في تشاد (139، -17) أو إيقاف عدد من المؤسسات الإعلامية في الكاميرون (131، -10).

هذا ويعكس تراجع الكويت (91) 13 مركزاً حالة التشنج التي تشهدها البلاد والتي تتجلى جزئياً في اعتماد قانون الإعلام الذي يسمح للسلطات بفرض غرامات مالية تصل إلى 300 ألف دينار (حوالي مليون دولار أمريكي) على الصحفيين بتهمة "انتقاد الأمير أو ولي العهد" أو "نشر أقوال منسوبة لهما"، كما ينص القانون الجديد على عقوبة السجن 10 سنوات لتهمة "المساس بالذات الإلهية أو القرآن الكريم أو الرسل أو الأنبياء أو الصحابة أو زوجات النبي أو آل البيت".

وفي المقابل، تشهد مؤخرة الترتيب حالة ركود مأساوية، حيث تواصل فيتنام (173، -1) وأوزبكستان (166، -1) والسعودية (164، 0)، ودول أخرى، إحكام سوطها على وسائل الإعلام عاماً بعد عام كما تجد السبل الكفيلة بتكييف أساليب الرقابة الجذرية في العصر الرقمي، علماً أنها تُنزل أقسى العقوبات على كل من تحلى بالشجاعة لمقاومة تلك الممارسات. وفي كازاخستان (161، 0) وأذربيجان (160، -3)، تعيش التعددية الإعلامية حالة احتضار في ظل الموجة القمعية التي تقودها السلطات الحاكمة المتشبثة بالحكم.

تحسنات ملحوظة في تصنيف 2014

لوحظ تراجع في حالات العنف والرقابة المباشرة والاعتداءات في كل من بنما (87، +25) وجمهورية الدومينيكان (68، +13) وبوليفيا (94، +16) والإكوادور (94، +25)، ولو أن مستويات الاستقطاب في هذا الأخير لا تزال مرتفعة للغاية وعلى نحو غالباً ما يُضعف النقاش العام.

هذا وقد شهد عام 2013 بعض التطورات التشريعية الجديرة بالثناء، كما هو الحال في جنوب أفريقيا (42، +11) حيث رفض الرئيس التوقيع على قانون اعتُبر مقيداً لحرية الإعلام.

وفي جورجيا (84، +17)، تمت الانتخابات الرئاسية لعام 2013 في أجواء أقل توتراً من تلك التي ألقت بظلالها قبل عام على الانتخابات البرلمانية التي تميزت بالعديد من الهجمات وحملات الكراهية ضد الصحفيين. وأمام هذا المناخ الذي شجع التعايش السياسي والتناوب على السلطة، بات البلد يتدارك بعضاً مما فقده من مراتب في السنوات الأخيرة، مستفيداً من زخم الإصلاح تحت حكومة ساكاشفيلي. ومع ذلك، فإن الاستقطاب القوي للمشهد الإعلامي لا يزال يمثل تحدياً كبيراً لمستقبل البلاد.

من جهتها، صعدت إسرائيل 17 درجة على سلم الترتيب بعدما تراجعت 20 مركزاً في تصنيف عام 2013، الذي كان قد أخذ في الاعتبار الآثار المترتبة على عملية "عامود السحاب" في نوفمبرتشرين الثاني 2012، والتي أسفرت عن مقتل صحفيَين اثنَين، ناهيك عن الهجمات المتعددة ضد وسائل الإعلام الفلسطينية. ولذلك فإن هذا التحسن يظل نسبياً، لاسيما وأن حرية الإعلام تبقى مقيَّدة بالحجة الأمنية. فإذا كانت الصحافة الإسرائيلية تنعم بهامش مهم من حرية التعبير، فإن وسائل الإعلام الموجودة فوق "الأراضي الإسرائيلية" (وفقا للتصور الإسرائيلي) عليها أن تتقبل الرقابة العسكرية المسبقة أو "أوامر التكتُّم"، علماً أن التحقيقات التي تمس القضايا الحساسة، من قبيل الأمن القومي، ليست موضع ترحيب على الإطلاق. كما أن الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاكاته في حق الإعلاميين الفلسطينيين والأجانب على نطاق واسع للغاية، وخصوصاً خلال المظاهرات الأسبوعية أمام الجدار الفاصل. ففي نوفمبرتشرين الثاني 2013، استُهدف العديد من المصورين-الصحفيين عمداً لدى مغادرتهم موقع الوقفة الاحتجاجية. وفي 4 ديسمبركانون الثاني، أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قراراً يؤيد مصادرة معدات تلفزيون الوطن خلال عملية مداهمة قام بها الجيش في فبرايرشباط 2012.

أما تيمور الشرقية (77) فقد ارتقت 14 مقعداً في أعقاب مؤتمر تاريخي عقده الصحفيون في ديلي بين 25 و27 أكتوبرتشرين الأول، والذي اعتُمدت خلاله أول مدونة لقواعد السلوك مع تشكيل مجلس إعلامي يتألف من سبعة أعضاء. ومع ذلك فإنه من الضروري عدم إغفال العين، حيث يوجد مشروع قانون الصحافة بين أيدي نواب البرلمان حالياً، علماً أن هذا النص يمثل التحدي القادم لحرية وسائل الإعلام في البلاد.

نماذج إقليمية على حافة الانحراف؟

إن تطور بعض البلدان في الترتيب، على إثر مقاربتها لحرية الإعلام، يحمل في طياته تأثيرات تمس شعوبها بالدرجة الأولى، وإن كانت تشمل أيضاً شعوب البلدان المجاورة بسبب نفوذها الإقليمي وتأثيرها على بقية الدول التي تعتبرها - صواباً أو خطأً - نماذج يُقتدى بها أو أمثلة جديرة بالمتابعة.

بيد أن التحسن الملحوظ في جنوب أفريقيا (42، +11) يتعارض مع سجل بعض البلدان الأخرى التي تُعد ضمن النماذج الإقليمية، والتي راوحت مكانها أو تراجعت في هذا التصنيف.

وسواء تعلق الأمر بتسارع آثار الأزمة الاقتصادية أو بتفشي الحمى الشعبوية، فإن تقهقر بعض دول الاتحاد الأوروبي في السلم العالمي لا يزال مستمراً، كما هو حال اليونان (99، -14) والمجر (64، -7) على وجه التحديد. ففي اليونان، يتعرض الصحفيون للاعتداءات بانتظام على أيدي أعضاء "الفجر الذهبي"، الحزب اليميني المتطرف المنتسب لحركة النازية الجديدة، الذي دخل البرلمان في يونيوحزيران 2012. كما تتحمل الدولة نصيباً كبيراً من المسؤولية، وهي التي أقدمت على إغلاق الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون تحت ضغط الترويكا (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، إذ يبدو أن حكومة ساماراس تمارس سياسة الاقتصاد في الديمقراطية. وفي المجر، تُعطي حكومة فيكتور أوربان الانطباع بفقدان القيم الديمقراطية التي بُني عليها الاتحاد الأوروبي، متمادية في سلسلة برامجها السالبة للحرية. وكنتيجة مباشرة لتلاشي النموذج الأوروبي، أضحى الاتحاد الأوروبي يجد صعوبة متزايدة في دفع البلدان المرشحة إلى الارتقاء للأعلى، حيث إن مفاوضات الانضمام لا تُترجم دائماً إلى جهود مشجعة في مجال الحريات المدنية. وتُعتبر مقدونيا خير مثال على ذلك، حيث باتت تحتل المركز 123، وهو أسوأ ترتيب لها على مر التاريخ.

كما أن القوى الكبرى في العالم الجديد لا تمثل القدوة الحسنة التي يجب الاحتذاء بها في هذا الباب. فعلى سبيل المثال، مازالت الولايات المتحدة (46، -13) تائهة منذ 11 سبتمبرأيلول 2001 بين متطلبات الأمن القومي واحترام مبادئ التعديل الأول في دستورها الوطني، بينما تُعد البرازيل (111، -2) من أخطر البلدان بالنسبة للصحفيين على صعيد القارة الأمريكية، حيث تعمل جماعات المافيا والجريمة المنظمة على ضمان استمرار حالة انعدام الأمن، مما يجعل البلد يعيش في حالة إعاقة إعلامية تحت ظل نموذج يعرقل التعددية.

وإذا كانت روسيا (148 +1) لا تقبع في مرتبة أسفل على التصنيف العالمي، فإن الفضل في ذلك يرجع لقدرة مجتمعها المدني على المقاومة والمثابرة. ذلك أن السلطات تكثف تدابيرها القمعية بشكل يومي منذ عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين عام 2012، بل وإنها تحرص على تصدير هذا النموذج إلى جميع المناطق التي كانت خاضعةً لسيطرة الاتحاد السوفياتي سابقاً، بدءاً من أذربيجان (160، -3) في آسيا الوسطى ووصولاً إلى أوكرانيا (127، 0)، حيث يُعتمد النموذج الروسي بلا هوادة لسن قوانين سالبة للحريات ووضع نظم لمراقبة الاتصالات. كما تستخدم موسكو مختلف هيئات الأمم المتحدة والتحالفات الإقليمية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، من أجل تقويض المعايير الدولية المتعلقة بحرية الإعلام.

أما تركيا، فإنها تراوح مكانها في المرتبة 154، بعيدة كل البعد عن طموحاتها الإقليمية، حيث لم تُحقق أي تحسن علماً أنها لا تزال تشكل واحداً من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين. فقد شكلت "انتفاضة غازي" فرصة للوقوف على الممارسات القمعية التي تلجأ إليها قوات الأمن في هذا البلد والزيادة الملحوظة في مستويات الرقابة الذاتية ومخاطر الخطاب الشعبوي الذي يستند إليه رئيس الوزراء. وعلاوة على ذلك، فإن الانتخابات المقبلة وخفايا عملية السلام مع حركة التمرد الكردية تُنذر باقتراب مرحلة حاسمة بالنسبة لمستقبل الحريات المدنية خلال عام 2014.

من جهتها، تشهد الصين (175، -1) حركة تدوين مذهلة ومفعمة بالحيوية، حيث تتوحد قواها على نحو متزايد. ومع ذلك فإن سلطات هذا البلد لا تزال تمارس الرقابة وتزج بالمعارضين في السجون، مما حكم على هذه الدولة بالتراجع مرتبة واحدة مرة أخرى. كما تستخدم هذه القوة العالمية الجديدة نفوذها الاقتصادي لتعزيز سيطرتها على وسائل الإعلام في هونغ كونغ وماكاو وتايوان سعياً إلى تجريدها من استقلاليتها.

أما في الهند (140، +1) فقد عاش الإعلاميون على وقع موجة عنف غير مسبوقة أودت بحياة ثمانية صحفيين خلال عام 2013، حيث غالباً ما يُستهدف الصحفيون من قبل جهات متنوعة، حكومية كانت أم غير حكومية، في جميع أنحاء البلاد وإن كانت كشمير وتشهاتيسجاره تُعتبران معقل العنف والرقابة بامتياز، حيث تتجه أصابع الاتهام بالأساس إلى عناصر المافيا وبعض المتظاهرين وأنصار الأحزاب السياسية وأفراد الشرطة وقوات الأمن المحلية، الذين يتحملون مسؤولية التهديدات وأشكال العنف الجسدي المرتكبة في حق الصحفيين، الذين غالباً ما تتخلى عنهم العدالة ليجدوا أنفسهم مجبرين في نهاية المطاف على ممارسة الرقابة الذاتية.

وفي المقابل، أدت سياسة الانفتاح الاستثنائية في بورما إلى ارتقاء البلاد بشكل صاروخي في ترتيب 2013، باعتبارها نموذجاً للتحول الديمقراطي في المنطقة. ومع ذلك، فإن عملية الإصلاح تشهد بعض التعثر، مما يعني أن "النموذج البورمي" لا يزال أمامه طريق طويل لإثبات نجاحه.

 
13-02-2014
Print this page.
http://www.al-massar.com