مدخل: دأب النظام الإرتري الحالي برئاسة أسياس أفورقي إلى توتير علاقات إرتريا بمحيطها العربي والإسلامي ، وقطع الوشائج التاريخية والأزلية بين شعوب المنطقة ، كما عمل على تخريب علاقات حسن الجوار والصلات التجارية والثقافية والسياسية بين دول الإقليم ، وأدناه محاولة لتتبع مسار تأثيرات تلك السياسة العقيمة للنظام وانعكاساتها السالبة على واقع الدولة الفتية ، وبالضرورة رد على بعض الأصوات النشاز و المزاعم المثارة من أتباع النظام وأبواقه بين الفينة والأخرى بأن إرتريا دولة إفريقية ولا علاقة لها بالعروبة، و العمل على تكريس هذا المفهوم لسلخ إرتريا من محيطها الطبيعي وجذورها التاريخية المرتبطة بالعالمين العربي والإسلامي لكل هذا وذاك نود أن نوضح الآتي. أولاً : علاقات إرتريا بالعالم العربي : إن علاقات إرتريا بالعالم العربي تمتد جذورها في أعماق التاريخ ، حيث سبقت ظهور الديانتين المسيحية والإسلام ، وتحديداً عندما هاجرت بعض قبائل الجزيرة العربية إلى إرتريا وإثيوبيا عبر البحر الأحمر، وأقامت دولتها في أكسوم في إثيوبيا وقامت بنشر لغتها لغة الجئز " لغة حبشات" الحضرمية اليمنية والتي تفرعت منها لهجتي التقري والتقرينية الإرتريتين ، وهما لهجتان عربيتان ، حيث يوجد ما يماثلهما تقريباً في جنوب الجزيرة العربية إلى يومنا هذا ، وفي ذات الوقت لا يوجد ما يماثلهما من لهجات في الأقطار الإفريقية المجاورة . وكانت علاقات دولة أكسوم السياسية والاقتصادية والثقافية مرتبطة بالجزيرة العربية ولم تكن قائمة مع البلدان الإفريقية في تلك الفترة . ومن هنا فإن أكثرية الشعب الإثيوبي وكذلك الغالبية العظمى من الشعب الإرتري " مسلمين ومسيحين " تنتمي إلى الأمة العربية ، وإن العروبة هي انتماء وثقافة وليست لوناً أو موطن في قارة . نعم هناك أصوات إرترية قليلة وناشزة من أنصار النظام الإرتري الحالي تدعي المعرفة بالتاريخ زوراً ، حين تقول بأن الشعب الإرتري ينحدر من أصل إفريقي وليس عربي !! مع أنه لا يوجد أصل إفريقي أو قومية إفريقية أصلاً ، وثقافة " لغة" لأن إفريقيا موطن وكذلك آسيا وأوروبا إلخ . تقطن في قارة إفريقيا قوميات مختلفة اختلافاً بيناً فهناك القومية العربية في شمال وشرق إفريقيا وقومية الهوسا وما يماثلها في غرب إفريقيا ، وقومية البانتو والزولو في وسط وجنوب إفريقيا ، فإلى أي قومية ينتمي الشعب الإرتري يا ترى ؟ لا شك أن الشعب الإرتري - وكذلك الإثيوبي – ينتميان إلى الأمة العربية وليس إلى القوميات الأخرى التي تقطن في قارة إفريقيا ، صحيح أننا إفريقيون وإرتريا بلد إفريقي أي تقع في قارة إفريقيا ، كما تقطن القوميات الصينية والمنغولية والهندية والفارسية والعربية الخ . في قارة آسيا ، ولذا يدعون آسيويون ، كما يدعى الألمان والروس والفرنسيون واليونانيون والإسبان الخ. أوروبيون لأنهم يقطنون في أوروبا وليسوا قومية واحدة ، بل من قوميات كثيرة منها السكسونية واللاتينية والسلافية . ثانياً : علاقات إرتريا بالعالم الإسلامي: دخل الدين الإسلامي إلى إرتريا مباشرة بعد الهجرة الأولى- لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة التي كان يتولى ولايتها الملك الصالح النجاشي ، أي قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إلى المدينة المنورة عبر البحر الأحمر، ووصلوا إلى الحبشة واستقبلهم ملكها النجاشي الذي أكرم مثواهم وتفهم دعوتهم ضد حجج كفار قريش، وجدير بالذكر إن أول مسجد في الإسلام بناه الصحابة إبان هجرتهم الأولى على الساحل الإرتري، وبعد ذلك انتشر الدين الإسلامي الحنيف إلى كثير من ربوع إرتريا والحبشة حتى أصبح المسلمون أكثرية السكان في كلا البلدين إلى يومنا هذا . ثالثاً : قبل وبعد الحكم التركي ثم الأوروبي لإرتريا : كانت إرتريا منقسمة إلى إقليمين مختلفين تماماً جغرافيا وسياسياً واقتصادياً وثقافياً . حيث كان الإقليم الأول ولا زال يتكون من شرق وغرب إرتريا ، وتدين غالبيته العظمى بالإسلام ، ويتكلم معظمهم لهجة التجري ، وهي لهجة منحدرة من لغة الجئز السبئية الحميرية وهي أقرب إلى اللغة العربية ، حيث يعد ما نسبته 75% من مفرداتها عربية على الأقل وبذلك تكون أقرب اللهجات إلى العربية من أي لغة أخرى في العالم بما في ذلك اللغة السواحيلية في شرق إفريقيا ، وينتمون إلى الأمة العربية . ويرتبطون بالجزيرة العربية والسودان ومصر سياسياً واقتصادياً وثقافيا، وكان الإرتريون في الإقليم الأول يتأثرون بكل ما يحدث حولهم في البلاد العربية والإسلامية، ولم يكن لهم ارتباط ذو أهمية مع إثيوبيا بل كانت بينهم احتكاكات ومناوشات حربية في مناطق القاش وبركة . أما الإقليم الثاني فقد كان ولا يزال يتكون من المرتفعات الجنوبية " الكبسا" وتدين الغالبية العظمى من سكانه بالدين المسيحي وخصوصاً المذهب الأرثوذكسي ، باستثناء قبائل الساهو والجبرتة المسلمة ، وذات الثقافة العربية ، وإن هذا الإقليم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإثيوبيا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، ويتكلمون لغة التجرينية وهي لهجة منحدرة من لغة الجئز السبئية الحميرية ، كما ذكرت آنفاً وتعج بكلمات عربية ، وأما لغة الجئز فقد أصبحت لغة الكنائس الإرترية والإثيوبية وتحديداً " الكنيسة الأرثوذكسية " منذ حكم قومية الأمهرا لإثيوبيا بقيادة الإمبراطور " منيليك " والذي نقل العاصمة الإثيوبية من مدينة أكسوم إلى العاصمة الحالية " أديس أبابا " . وإن الارتباط الوحيد بين الإقليمين الإرتريين المذكورين كان الجوار والعرق العربي كونهم من أصل عربي ، ولا ينتميان إلى أي من القوميات الإفريقية " الهوسا والبانتو والزولو مثلاً " فتجد الإختلاف واضحاً في العادات والتقاليد والمأكل والملبس واللغة . وكان ينعت سكان الإقليم الأول لمواطنيهم سكان الإقليم الثاني " بالحبش" وبدورهم كان سكان الإقليم الثاني ينعتون مواطنيهم من سكان الإقليم الأول ب" البدو" وكل ذلك كان نابعاً من الجهل يبعضهم البعض !! أما في فترة الاستعمار الإيطالي الذي استمر "56" عاماً والاحتلال البريطاني الذي امتد إلى "10" سنوات ، وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية ، استمر عدم التواصل بين الإقليمين على نطاق واسع . وفي فترة تقرير المصير للقطر الإرتري طالب الإقليم الأول المسلم وذو الثقافة العربية بالاستقلال التام لإرتريا بقيادة حزب الرابطة الإسلامية التي كان يرأسها الشهيد عبدالقادر كبيري ثم خلفه الشيخ إبراهيم سلطان ، في حين طالبت الغالبية العظمى من سكان الإقليم الثاني المسيحي بالانضمام التام إلى إثيوبيا التي وصفوها " بالأم" بزعامة حزب آندنت " الوحدة" ما عدا مسلمي الكبسا " الجبرتا والساهو" الذين طالبوا بالاستقلال مثل إخوانهم في الإقليم الأول ، بل قادوا حزب الرابطة الإسلامية " الشهيد عبدالقادر كبيري ، والمرحوم القاضي على عمر وغيرهم" . كانت علاقات حزب الاستقلال الإرتري " الرابطة الإسلامية " مستمرة ومنفتحة على البلدان العربية ومنها مصر والسودان في تلك الفترة ، في المناحي السياسية والثقافية ، وكان قادة الحزب يقومون بشرح قضيتهم المعروضة في الأمم المتحدة حتى إنه ظهر حزب سمي " التقسيم" بزعامة الشيخ / علي رادآي يطالب بانضمام غرب إرتريا إلى السودان ، بدلاً من الانضمام إلى إثيوبيا ، وقد وافقت غالبية الأحزاب السودانية على ذلك ما عدا حزب الأمة السودانية بزعامة السيد عبدالرحمن المهدي ، والأميرالاي عبدالله خليل ، بدعوى أن سكان غرب إرتريا يتبعون الطائفة الختمية المنافسة لهم ، في شرق السودان ؟! يبتبع