ثورات الشباب عوامل التغيير ومفاهيم التجديد - بقلم/ ابوصهيب صالح عثمان

يقول أحد المفكرين عن مفهوم التغيير( عندما أرى أن ما أريده غير موجود وما أجده لا أريده فان أمامي طريقان لتحقيق الانسجام مع الواقع فإما أن أتحرك من موقع تغيير نفسي ومحتواي الداخلي لكي أحقق ما أطمح إليه ولا أراه في العالم الخارجي وإما أن أتحرك من موقع إزاحة ما أجده في العالم الخارجي مما لا أرغب فيه)

  ويبدو أن ثورات الشباب التغييرية عمدت إلي تغيير وإزاحة ماهو جاثم علي صدر شعوبها  تلك الأنظمة التي هي سبب الانهيار والانحدار الداخلي علي جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية ولا ياتي التغيير الداخلي والنهوض بهذه الدول في ظل أنظمة فاسدة استمرئت الفساد واحتوت المفسدين وفي ظل حكام مستبدين احتقروا الشعوب وتجاهلوا أن الله ينتقم من الظالمين وإن أمهلهم،  وينصر المستضعفين بعد يأسهم، تعامو عن سنن الله الكونية وتغير الكون من حولهم. إذ دوام الحال من المحال. أسكرتهم السلطة وركنوا إلي سيادة أسيادهم ونسو سيادة العلي القدير وحمايته للمستضعفين.. قتلو وشردوا ونهبوا وأغرقو في الملذات ..غير مبالين بالبطالة والفقر والجوع.. ظنوا أن القبضة الامنية والترويع صمام الخلود لأنظمتهم الفاسدة فأكثروا من تشكيلات الأجهزة الأمنية المتخصصة في قمع الشعوب وإذلالها .. ونسوا أن صمت الشعوب ليس جبناً وخوراً ولكنه صمود صامت ينفجر براكين وزلازل عندما تحين ساعة الصفر وينفد الصبر، كانوا في أمن من مكر الله ونوائب الدهر حتي باغتتهم ثورات الشباب التغييرية التي انطلقت شرارتها من أرض تونس الخضراء أرض ابي القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر     ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ..  ثورة الياسمين التي فجرها رحيل الشاب محمد بو عزيزي منهياً حياته أمام الملأ واهباً الحرية للشعب التونسي وبغض النظر عن شرعيتها فقد كانت حادثة مدوية أشعلت ثورة عارمة أجبرت الدكتاتور( زين العابدين بن على) علي الفرار لايلوي علي شئ  وقد تخلي عن زمرته الفاسدة وأقربائه المقربين وتخلي عنه حلفاؤه وأسياده واحتضنته أرض الحرم والمآذن نعم تلك المآذن التي كره رؤيتها وأبغض سماع آذانها.

ولما كانت الشعوب العربية متساوية في الظلم والاضطهاد من قبل أنظمتها وحكامها المستبدين كانت ثورة تونس ملهمة للشباب المصري والشباب الليبي فكانت ثورة الحرية وميدان التحرير وثورة الثوار في ليبيا ومن عجائب الأقدار أن يكون تهاوي العروش الدكتاتورية متقاربا  وتصرفاتهم متطابقة وأن تعود ذاكرتهم قبيل الرحيل فيستحضروا ضرورة الإصلاح والتغيير  لقد كانت ثورة الشباب المصري فريدة ومتفردة في الدقة والتنظيم صامدة أمام محاولات الترويع والبلطجة تجلت روعة التنظيم في انتقالهم السلس من مرحلة إلي أخري بدقة متناهية مذهلين العالم ببسالتهم ودقة تنظيمهم  حتي ارتبكت الحسابات الدولية وفقدت أمريكا توازنها ولم تستطع أن تتخذ موقفاً واضحا إزاء تطورات الأحداث المتسارعة اتضح ذلك في تضارب تصريحات مسؤوليها ومواقفهم حتي ضاق الخناق علي الدكتاتور وانهار بعد أن أعيته الحيل القمعية فتنحي ورحل غير مأسوف عليه   أما دكتاتور ليبيا هتلر زمانه وبينهما شبه كبير فهتلر في اللحظات الاخيرة وقبيل نهاية حياته أعطي الأوامر بنسف الجسور والبنى التحتية والأماكن الحيوية قائلا: أمة تغزي في عقر دارها لاتستحق الحياة.. والقذافي يعلن امام الملأ إبادة شعبه ويحكم بالإعدام علي بنغازي والمناطق الخارجة عن السيطرة لأن شعباً لا يريد القذافي لا ينبغي أن يعيش، ويصف الشباب الثائر بالجرذان التي يجب أن تطهر منهم الارض في خطاب هستيري  كالمجنون أو ربما كالمخبول المحتضر، الدكتاتوريون أشبه ببعضهم الا أن بعض الشر أهون من بعض  كما يقال. فقد  خرج بن علي إلي الشعب في خطابه الأخير وقال لهم فهمتكم ورحل ,, وغازل مبارك شعبه بخطابات التنازل وخطوات الإصلاح بينما كان يستخدم البلطجة والقمع في اتجاه آخر أما القذافي فقد استحكم عليه الوهم وجنون العظمة حتي في ساعات الاحتضار فليس غريبا أن يعلن إبادة شعبه علناً وتتحول الثورة السلمية إلي ثورة مسلحة تقاوم بالحديد والنار أولئك المرتزقة  الذين جلبهم القذافي لإبادة شعبه  وإخماد الاحتجاجات ولكن ليست الثكلي كالمستأجرة  ومن يريد الكرامة ليس كمن يريد أن يعيش عيش الإرتزاق والهوان. 

ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيرة ومتعددة أدت إلي إشعال هذه الثورات التغييرية بعضها قد يخفي ولا يبدو للعلن إلا بعد هدوء الأحوال وإستقرار الحال لكن هناك عوامل ظاهرة للعيان وتعد قاسما مشتركا بين الشعوب في البلدان الثلاثة وغيرها من البلدان العربية هذه العوامل نفسها يتباين حجمها ونوعها ومدي تأثيرها من بلد إلي آخر ومن يمعن النظر في الثورات الثلاث يلاحظ هذه الفوارق ومدي تأثيرها علي سرعة التغيير أوبطئه ولعل أبرز هذه العوامل هي:

1ـــ  بلوغ الظلم مداه :  عندما يبلغ الظلم مداه ويصل الانسان إلي حالة يفضل فيها الموت علي الحياة يولد هذا الإحساس لديه ردة فعل عنيفة لا يعلم مداها إلا الله  وكما يقال الشعوب لا تسعي للتغيير لمجرد أنها مظلومة إذ أنها تسعي للتغيير عندما يصل الظلم مداه وتحس  بأنها مظلومة وهذا الشعور والاحساس بالظلم يعني الإيمان بالقدرة علي التغيير وعدم إلقاء الخطأ علي النفس بل علي الآخرين

2ـــ  يقظة الشعوب ووعيها:    كل هذه الشعوب التئ انتفضت وثارت علي وجه حكامها هي شعوب تتمتع بقدر من المعرفة والوعي السياسي والجرأة وهذه الأجيال أجيال عصر التكنولوجيا والطفرة العلمية في شتي المجالات بما فيها السياسة والحكم  فهي لم تعد تلك الأجيال التي تمجد وتقدس الرموز الحاكمة لمجرد أنهم صناع المجد وتراث الماضي فهو جيل يبحث عن الحرية والعيش الكريم والنهضة والتقدم في ظل أنظمة ديمقراطية ومؤسسات شرعية منتخبة  وتداول سلمي للسلطة عبر الانتخابات

3ــ   استشراء الفساد وتحكم أفراد علي السلطة والثروة:   اختزلت هذه الأنظمة السلطة علي أيدي أفراد فاسدين وصارت ثروات الشعوب ملكا لهم ولأبناءهم وأقاربهم وحاشيتهم من المفسدين وأصبح رجال السلطة رجال أعمال أثرياء وشعب محروم من أبسط مقومات الحياة الكريمة وشباب متعلم وعاطل عن العمل .

4ــ  الشعور بتواطؤ المجتمع الدولي وأمريكا مع الأنظمة علي معانات الشعوب:   بدا ذلك جليا في تذمر المحتجين من أمريكا في الهتافات والشعارات المرفوعة  وإسناد التغيير الي الشعب دون إشارة الى أي أحد من العالم أوطلب مساعدة من أمريكا هو أمر له دلالاته ومراميه  ( الشعب يريد اسقاط النظام )  ذلك الشعار الذي أحرج أمريكا سيدة العالم وراعية الأنظمة القمعية لخدمة مصالحها دون أي اعتبار لهذه الشعوب المضطهدة إذ كانت  لاتحرك ساكنا إلا عندما تريد أن تضغط على نظام ما  كي يقدم مزيدا من الخدمة والطاعة والولاء  وكانت هذه الثورة بمثابة رد بليغ علي المجتمع الدولي وأمريكا بأن التغيير في الشرق الاوسط لن يأتي عبر خطة الشرق الأوسط الكبيرولن ياتي عبر العسكر أو الساسة أو المخابرات. التغيير هذه المرة بأيدي الأجيال التي تريد دولة من صناعة يدها  دولة تتمتع بقدر من الإستقلالية الوطنية بعيدا عن الهيمنة الدولية والأجندة الخارجية .

5ــ   انكسار حاجز الخوف والإيمان بالقدرة علي التغيير:   ثورة تونس ألهمت الشعوب الاخري بأن هزيمة الدكتاتورية أمر ممكن وأن القمع  والترويع لا يكسر إرادة الشعوب الثائرة وأن الأنظمة الدكتاتورية تضفي علي نفسها هالة من أوصاف الرعب وهي أضعف من ذلك ولا تصمد عند المواجهة الحقيقية وظهرت هذه الحقائق واضحة في ثورتي تونس ومصر وهاهم الثوار في ليبيا يؤكدون الحقائق نفسها كل يوم .

6 ــ  وجودبيئة ومناخ ملائم للتغيير :  ويعد هذا عاملا مهما في إحداث التغيير فبدون المناخ الملائم لا يمكن إيجاد أرضية ثابتة لبناء الثقة في النفوس بإمكانية التغيير فتوفر وسائط الاتصالات المختلفة وتبادل المعلومات وتهيئة النفوس كان عاملا مهما في إشعال الثورات خاصة المواقع الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر وغيرها من المواقع  وبما ان عدد مستخدمي النت ومن لهم صفحات تواصل كبير في هذه الدول مقارنة ببلدان اخري  فقد كانت عملية التواصل والحشد سريعة  ومن ثم الترتيب والتنظيم لما بعد التواصل التقني حال انقطاعه كما حصل .

هذه بعض أبرز العوامل المتداولة بخصوص هذه الثورات وهناك عوامل أخري ساعدت علي إنجاح هذه الثورات أهمها عامل التماسك الداخلي للشعوب والإستجابة السريعة للثورة لأنها شعوب واحدة غير متعددة ومستوي الوطنية عندالشباب و الشعب عال يتجاوز مفاهيم العشائرية والحزبية  ووجودالتعدد الطائفي والإثني والديني علي أقليته لم يكن له تاثير سالب بل كان ايجابيا ودحضت الأحداث كل ما كان يثيره نظام مبارك من الاحتقان الطائفي والفتنة الطائفية كلها  اتضحت أنها من صنع النظام حيث كان المسلمون بجانب الأقباط المسيحيين وعلماء الأزهر بجانب القساوسة كلهم في ميدان واحد .

البعض يرى أن ما يحدث تغيير أيدلوجى وأنه حكم بالفشل على الأيدلوجيات المستوردة التى كانت شعار الانظمة  البائدة. إذ التشدق بالحرية وممارسة القمع، ورفع شعار الديمقراطية فى ظل أبدية السلطة والتوريث وتزوير الانتخابات ، هذا التناقض بين الأفكار والممارسة والرعاية الغربية للانظمة التى تمارس هذا التناقض نتج عنه اقتناع بان الديمقراطية الغربية مبنية على المصلحة المفرطة ، وليست هى قيم انسانية وهناك من يعتبر ثورات الشباب دليل على فشل محاولات  تغريب الشباب وصهره فى بوتقة الحضارة الغربية ويستدلون على صحة تفسيرهم  بأن الثورات انطلقت من أكثر النظم إلتزاما بالتغريب (تونس من عهد بورقيبة) وهناك من يفسر ثورة الشباب بأنها ثورة ضد واقع أوجدته تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية  والتى ترجع إلى صميم النظام الاقتصادى الرأسمالى المستند الى الليبرالية كمنهج  والقائلة بأن مصلحة المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاولة كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة  لذا كانت الدول التى اتخذت موقف القبول المطلق من الخصخصة (الآلية الاساسية للرأسمالية ) ومنها (مصر وتونس)  هى أكثر الدول تاثرا بالازمة الإقثصادية  لأن هذا الموقف يعنى التبعية للاقتصاد الرأسمالى الغربى وبالتالى التأثر بكل أزماته الدورية  . والذى يبدو أن هذه العوامل بمجملها تراكمت وتفاعلت وأنتجت هذه الثورات  ولا يستطيع أحد أن يحصرها على عامل معين كما أنه لايستطيع ان يقول أحد انه يقف خلف هذه الثورات  بل كانت ثورات شبابية بحتة  لاتستند على أى أيدلوجية ولا منطلقات حزبية  إنها انطلقت من زاوية تغيير الواقع الحالى وإزالة الدكتاتوريات القائمة  وإقامة نظم ديمقراطية وإن كانت قواعد الاحزاب وقياداتها منخرطة فى الثورة الشبابية .

بعض المفاهيم التى أرستها وجددتها الثورات الشبابية:

1ــ  أنهت مفهوم السلطة الابدية  ومفهوم التوريث وأرست مفهوم التداول السلمى للسلطة  ومدنية الدولة والمواطنة .

2ــ  أكدت على أن صوت الجماهير أعلى من صوت حكامها وأن التغيير يمكن أن يأتى من خلال الانتفاضة الشعبية  مهما كان حجم الدكتاتوريات  وقوة بطشها وكثرة أجهزتها القمعية .

3ــ  منحت الثورات الشبابية المزيد من الثراء لمعنى المقاومة التى تعددت وتنوعت وأحدثت تحولا جديدا لمفهوم الثورة السلمية الذى تبناه المهاتما غاندى كما تبنته حركة الحقوق المدنية التى قادها مارتن لوثر كنج  4 ــ  مفهوم الاعتماد على منجزات ثورة المعلومات والاتصالات وإستخدام الإمكانات المتاحة  فى عملية التغيير وأن التغيير يمكن أن يتم من الداخل  وبالإمكانات المتاحة إذا توفرت الإرادة والعوامل والبيئة الملائمة .

5 ــ أكدت على مفهوم أن مصر هى قلب الامة العربية وإن أى تغيير شامل فى الوطن العربى لابد وأن يمر من خلال مصر دون أن يعنى أنه يجب أن يبدأ من مصر  لذا كانت البداية من تونس ومنها انتقلت الى مصر ومن مصر إلى ليبيا ومن الممكن إنتقالها الى كل الدول العربية التى تتوافرفيها العوامل والأدلة على صحة هذا المفهوم كثيرة. منها أن الفكر العربى القومى بدأ فى الشام لكنه لم ينتشر  فى الدول العربية إلاعندما تبناه عبد الناصر، وكان أول إنقلاب عسكرى فى سوريا 1949م   ولم يتبع كمنهج للتغيير إلاعندما تبناه الضباط الأحرار فى مصر، وعندما تبنى السادات سياسة الإنفتاح الإقتصادى والخصخصة تبنت أغلب الدول العربية هذه السياسات، وعندما وقع السادات اتفاقية سلام مع إسراءيل وقعت كثير من الدول العربية اتفاقيات مماثلة .

6 ــ  أكدت مفهوم أن الجيوش العربية جيوش وطنية و أزالت اللبس والمخاوف الذى كان يعترى الشعوب حول دور هذه الجيوش تجاه الشعوب وحمايتها وحراسة الدولة داخليا وخارجيا .

7 ــ   أكدت على أن الشباب عماد التغيير  وأنه لاثورة بدون غضب والغضب الموجه هو زخم الثورات والجراة والإستعداد للتضحية هو سر إنتصار الثورات الشعبية .

الوضع الإرترى ورياح التغيير الحالية:

لم يعرف الشعب الإرترى الإستقرار ولم يذق للحرية طعم إلا أياما قلائل حين انتصر على الإستعمار الإثيوبى فهو شعب من رحم المعانات وشاءت الأقدار أن تستمر معاناته فانتقل من مآسى الإستعمار إلى حكم أسوأ دكتاتورية شهدها التاريخ الإنسانى المعاصر فتوالت النكبات والجراحات على الشعب الصامد  الذى يفتقد لأبسط مقومات الحياة الإنسانية  ويعاني القتل والسجن والتشريد لأتفه الأسباب ويحدث هذا على مرأى ومسمع من العالم بأسره..  العالم الذى اكتفى بالتنديد بإنتهاكات حقوق الإنسان فى إرتريا  وإدراج النظام ضمن أسوأ الدكتاتوريات دون فعل شيئ لإنهاء معانات هذا الشعب الذى يعيش فى سجن كبير.

وبسبب هذه المآسى المستمرة يعيش جزء كبير من الشعب الارترى خارج وطنه فى دول المهجر وازدادت موجات الهروب الشبابية فى السنوات الاخيرة بصورة مكثفة مما يدلل على أن إمكانية العيش فى ارتريا أصبح ميئوساً منها فى ظل وجود هذا النظام  وأضحى الهروب من إرتريا بمثابة حياة جديدة للشاب الارترى .

فإرتريا بوضعها الحالى تفتقد لأهم عوامل التغيير الداخلى. شعب متفرق بين شتات المهجر فى الخارج وآخرون بالداخل لاتوجد مساحة للتواصل فيما بينهم وبين من هم خارج الوطن من أبناء الوطن  بالإضافة إلى فئة الشباب الذين يعيشون حياة الثكنات العسكرية  فى خدمة غير محدودة الأجل . فالشعب الإرترى لم تتح له فرصة يستعيد فيها أنفاسه ويمارس حياته المدنية العادية  وحقوقه المشروعة فى الحياة الكريمة  وظل يتطلع إلى أبناءه خارج الوطن ليرى فى نهاية هذا النفق المظلم بصيص أمل من بين هذه الأشتات المعارضة التى تلتئم وتفترق فى سماء صيف إرتريا  المتعطش للغيث والغوث  وتتصارع على قسمة الغلال والثمار حتى قبل أن تجتمع سحائبها وترعد وتبرق وتتناثر قطرات من سحائبها  على الأرض المجدبة ويستبشر الشعب بقدوم خريف الحرية ومطر الحياة ليبذرالشعب بذور التفاؤل متيقنين بخروجها نبتاً طيباً وثمراً نافعاً  ومع ذلك لايجد الشعب الإرترى الغريق فى بحرالمحن والمآسى  بدءاً من التعلق بقشة المعارضة أملاً فى النجاة التى يبحث عنها وليت المعارضة الإرترية تعيش معانات الشعب الإرترى كما يعيشها هو حتى نستطيع أن نتجاوز كثيراً من المفاهيم التى مازالت هى عقبات فى طريق وحدة المعارضة الإرترية  الشعب الإرترى ينتظر الخلاص من قيود الدكتاتورية . وتغيير النظام يتطلب إحداث التغيير فى الأطر والهياكل والوسائل  فعلى كيانات المعارضة تجديد هياكلها وإشراك القوى الشبابية فى مؤسسات صنع القرار داخل التنظيمات  وإشراكها فى الآلية التى يفرزها مؤتمر الحوار الوطنى القادم  حتى يشعر الشباب الإرترى بأنه مشارك فعلاً فى صنع حاضر إرتريا ومستقبلها  سيما وأننا نعلم أن أغلب الشباب الإرترى اليوم يعيش خارج الأطر التنظيمية السياسية والمدنية  وما هو موجود داخل فصائل المعارضة الإرترية لايجد مساحة ينفذ من خلالها ويشارك مباشرة فى صنع القرار وكثير من الكوادر التنظيمية انصرفت انصرافاً كيفياً عن تنظيماتها عندما وجدت الفرق شاسعاً بين ماهو مطروح فى السياسات وما هو ممارس من سلوكيات  تهدم البناء المؤسسي ولاتنموا فى ظله مؤسسات حقيقية تتحكم فى التنظيمات وكثيراً ما تجنح القيادات التنظيمية الى أسلوب إدارة الطوارئ ولاتطوع وضعها ليتماشى مع البناء المؤسسي بل تعمد فى كثير من الأحيان إلى الاهتمام بالطبقة القيادية حتى لو كان ذلك على حساب المؤسسية  مما يشعر الكادر الشبابى بمحدودية دوره داخل التنظيم ويبدأ فى البحث عن ساحات أرحب تحتوى تدفق حماسه ونشاطه  وينثر فيها إبداعاته التى لم تجد مكانة ولا إحتراما فى ظل كيانات تجعل من المكانة التاريخية للشخص معيارا  للمشاركة القيادية  ولاتهتم بالكفاءات والقدرات فى إطار العمل القيادى ولا شيئ أدل على ذلك من عزوف الشباب الارترى المقتدر عن الإنضواء تحت رايات  هذه التنظيمات فالكثيرون فضلوا مقاعد المتفرجين وآخرون أحبطتهم  التجارب فابتعدوا عن العمل السياسى المعارض باعتباره نسخا مكررة من الماضى ودوران فى حلقة مفرغة  وهناك من يحاولون صناعة واقع جديد بعيدا عن هذه التيارات وتلك . فكثيرون من شباب المهجر وقليل من الداخل يحاولون تهيئة الأجواء عبر الحوار والتواصل ويتفاعلون مع ثورات الشباب التغييرية التى اقتلعت الأنظمة الدكتاتورية فى تونس ومصر وليبيا التى لاتزال مشتعلة ثورتها  .. التفاعل الموجود  فى المواقع الاجتماعية كالفيس بوك  والبالتوك  والمنتديات  يدلل على أن الشباب الارترى يبحث عن التغيير وأكثر الصفحات نشاطا وتواصلا صفحة ( الشعب يريد اسقاط نظام الدكتاتور اسياس افورقى ) فى الفيس بوك  وأكثر ما أعجبنى قلة التجاذبات والتلاسنات بين المشاركين وتقبل الرأى الآخر وهذا عنوان صحة وتعاف من المفاهيم  التى سادت لفترة من الزمن وتسببت فى  الواقع الحالى .

إن على القيادات أن تعى دور الشباب وتفسح لهم المجال فى القيادة وإحداث التغيير وإلا عليهم أيضا أن يعلموا أن لاقداسة لأحد مهما كان تاريخه ونضاله  فى مفاهيم الأجيال الجديدة ولن يقعد هذا الجيل يتفرج على شعبه فى محنته هكذا دائما، وأنهم سيتجاوزون هذه الكيانات العتيقة  وستظهر تجمعات شبابية تمارس نشاطها بمفاهيم جديدة  وبوسائل متجددة  وأن التاريخ والرموز وأمجاد الماضى هى محل احترام وفخر للأجيال الجديدة لكنها ليست على حساب الحقوق المشروعة للأ جيال . 

 ويبقى الامل بعد الله فى الشباب الذى خاض معركة التحرير وانتصر وسينتصر على معركة التغيير اذا تهيأت  له الظروف وتم إستيعاب طاقاته وقدراته فى إحداث التغيير ليصنع حاضره ومستقبله ومستقبل شعبه ووطنه بيده لابيد غيره  اننى آمل أن تعى القيادات دورها التاريخى وتعمل فى إحداث التغيير داخل تنظيماتها وأن تعطى فرصا أوسع للشباب وأن تعمل المفوضية الوطنية الارترية على التواصل مع كل الشباب الارترى كى يكون لهم دور فعال فى مؤتمر الحوار الوطنى القادم وعلى الشباب الإرترى أن لاينسى شعبه ويتفاعل مع قضية شعبه ووطنه ويقتدي بثورات الشباب العربى فى التغيير   وأن يستعد للتضحية والفداء من أجل إسقاط النظام الدكتاتورى اما التفرج فليس من سمات شباب ارتريا والتاريخ سوف لن يرحم  من ينصرف عن الاهتمام والاحساس بمعانات شعبه   وعلى الشباب أيضا أن يحفظوا للقيادات التاريخية مكانتها  فى النضال والمقاومة فقد أفنى هؤلاء زهرة شبابهم من أجل قضية الشعب الارترى   ونأمل أن تكون الثورات الشبابية فى العالم العربى قد جددت فى النفوس قيم التغيير  والاستعداد للتضحية و رسخت مفهوم أن  الوطن فوق كل الحسابات والمفاهيم الضيقة .

 
12/03/2011
Print this page.
http://www.al-massar.com