أزمة أخلاقنا كيف يتم تصحيحها :بقلم / أبوالحارث المهاجر

 

في الساحة السياسية الإرترية بشقيها الإسلامي والوطني تعصف الخلافات بينهما أحياناً تكون حادة جداً وأحياناً أخرى هادئة وفي كل الأحوال طرفي الخلاف يُظهر سلبيات الآخر بكل ما أوتي من قوة فيتهم الآخر بأنه من الجنجويد والبشمرجة والباسيج والبلطجية والمرتزقة والشبيحة والعميل للنظام ومن المندسين ومن الرجعيين وغيرها وبل قد يتجاوز الإساءة إلى شخصه وعشيرته وقبيلته، يقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر، كل ذلك فقط من أجل تحقيق مكسب سياسي أو إحراق الطرف الأخر أمام الشعب ونظرائه من التنظيمات دون وضع أي إعتبارات أخلاقية تحكم الأطراف في حالة التوافق والإختلاف . ويقال في السياسة لا يوجد شيئ حتمي ربما تنظيم بعينه يكون خصمك اليوم ويكون شريكك غداً من أجل ذلك ينبغي أن نبني علاقاتنا مع بضعنا البعض على قاعدة التعاون على البر والتقوى. وإذا تساءلنا لماذا نعيش  أزمة أخلاق في الساحة السياسية الإرترية وغيرها من الساحات ؟ أزمة أخلاق سببها غياب العدل بين العاملين في الحقل الدعوي والسياسي وبين الأطراف الأخرى في مقابل الإتجاه الثاني .

والعدل هو القسط والإنصاف والإستقامة وعدم الجور ، والقصد في الأمور وما قام في النفوس أنه مستقيم وهو العدل أيضاً نقيض الهوى ، قال تعالى : (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(135) النساء.

وقال شيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى :( وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الإشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم ، ولهذا قيل:إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال:الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام ، وقد قال النبي صلى الله علية وسلم:( ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم)، فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة).

وهناك بعض الأمور يجب أن نستحضرها في أخلاقياتنا الدعوية والسياسية حتى نحقق النجاح المنشود في الساحة السياسية الإرترية .

كان العلماء والقادة المؤسسون يتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى ، ويسدون الثغرات التي من الممكن أن يتسلل الشيطان منها فيفسد ذات البين بين الإخوة ويزرع الأحقاد والأضغان في النفوس ، ويتمثلون في قول الإمام الشافعي للذي اختلف معه في مسألة: "يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة".

ولو نظرنا إلى الأجواء التي ولدت في ظلها أهم الجماعات الإسلامية لوجدناه تجسد معاني ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى.

يتحدث الشيخ حسن البنا رحمه الله تعالى في (مذكرات الدعوة والداعية) عن موجة الإلحاد والإباحية في المجتمعات الإسلامية حينها فيقول:"كما كان ينفس عن نفسي كذلك التردد على المكتبة السلفية ، ... حيث نلقى الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحفي الإسلامي القدير {السيد محب الدين الخطيب} (من رموز السلفية)، ولنلتقي بجمهرة من أعلام الفضلاء المعروفين بغيرتهم الإسلامية وحميتهم الدينية ، أمثال فضيلة الأستاذ الكبير السيد محمد الخضر حسين ، والأستاذ محمد أحمد الغمراوي ، وأحمد باشا تيمور رحمه الله ، وعبدالعزيز باشا محمد رحمه الله ، ونسمع منهم بعض ما ينفس عن النفس ، كما نتردد على دار العلوم ، ونحضر في بعض مجالس الأستاذ رشيد رضا رحمه الله ، ونلقى فيها الكثير من الأعلام الفضلاء كذلك ".

وعندما اتخذت الجماعة القرار القاضي بإصدار جريدة الأخوان المسلمين يقول الشيخ حسن البنا رحمه الله:" لم نجد إلا جنيهين دفعهما الشيخ رضوان محمد رضوان ، وهما رأس مال هذه المجلة ، وقد كان ، وحملت الجنيهين وذهبت بكل بساطة وإيمان إلى المكتبة السلفية ... وهناك تفاهمت مع السيد محب الدين الخطيب جزاه الله خيراً على كل شيء أن يكون مديراً للمجلة ، ولكن تطبع بالسلفية ، وأن يكون الجنيهان دفعة أولى ، وما بقي بعد ذلك فعلى الله ، وابتسم الرجل المؤمن المجاهد المحبوب ، ووافق على ذلك هو الآخر بكل بساطة وإيمان ، فصدر التصريح وبدأ الطبع ، فظهرت جريدة الأخوان المسلمين الأسبوعية العدد الأول بتاريخ الخميس 28 صفر 1352 هــ وذلك يوافق أواخر شهر مايو 1933م".

ربما تستغرب أخي القاريء على العطف الأبوي الذي تجلى بسرعة استجابة محب الدين الخطيب لكل ما طلبه منه الشاب حسن البنا حينها مع ما في ذلك من مغامرات مادية ومعنوية ، إذ كيف يتكفل هذا الرجل صاحب الخبرة الطويلة بنفقات مجلة لا يملك أصحابها إلا جنيهين ؟ ثم يغامر بسمعته فيقبل إدارة مجلة يملكها شباب ليس لهم سمعة في عالم الفكر والأدب والدعوة ، وقد يعرضونه لمواقف قانونية هو في غنى عنها. لكن مع هذا لم يحاول محب الدين الخطيب تثبيط همة الشيخ حسن البنا العالية ولم يقل له  لماذا إصدار جريدة أخرى؟ هذه مجلة الفتح التي كان يشرف على إصدارها قد عرفها الناس والشيخ حسن البنا أحد كتابها وصفحاتها مفتوحة للجميع ، لم يستقل ضعفه المالي ولم يقمعه ولم يمارس ضده نفوذه ليخرجه من الساحة الدعوية بإعتبار الساحة لا تتسع لأكثر من جماعة ولم يجند ويؤلب الناس ضده. لم يفعل هذا ولا غيره لأنه كان يعلم حاجة الدعوة إلى همة الشباب الوثابة كما أنه كان مقتنعاً إلى أن ساحة العمل الدعوي لا ينبغي أن تكون وقفاً ولا حكراً على شيوخ معيينين ولا جماعة واحدة .

وعندما توقفت مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا بعد وفاته تم إعادة إصدارها من جديد بالتعاون مع ورثته ، وكان الشيخ حسن البنا رئيس التحرير الجديد للمجلة.

وفي عام 1372هــ أصدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى كتابه ( دراسات إسلامية) ، واختار الأستاذ محب الدين الخطيب ليقدم الكتاب إلى القراء وكان مما قاله الخطيب في هذه المقدمة: "..كان من حق هذا السًفر النفيس ، أن يتولى تصديره رجل أصلب مني عوداً وأشد قوة ، وأحدث سناً وأجرأ على مواجهة الناس بالحق ، إنه كتاب السنة في أدب القوة ، ولا أعرف كتاباً في هذه السنة يتحدث عن الحق بلسان الحق كما تحدث أخي الألمعي البليغ الأستاذ سيد قطب في هذا الكتاب .. لذلك كان من الظلم له أن يكتب مقدمته إنسان معتدل متئد وهو في العقد السابع من حياته . لقد واجه سيد قطب بكلمة الحق طوائف كثيرة في كتابه هذا ، وكلمة الحق مرة ، والذين صفع وجوههم بها يتصرفون لأكثر ما في الأرض من قوى الباطل ، وهم كثيرون ملء الدنيا ، ولا يقف في وجوه هؤلاء إلا المؤمن القوي ، فهنيئاً للأستاذ سيد قطب ما متعه الله به من قوة الإيمان".

أرأيتم أيها الأخوة الأفاضل كيف كان محب الدين الخطيب مدير تحرير أول جريدة تصدر للإخوان المسلمين ثم يكون من الذين يتم اختيارهم لتقديم  كتاب سيد قطب لم تأخذه الغيرة والحسد وإنما قدمه بأحسن ما يكون ، ثم الشيخ حسن البنا كان رئيس تحرير مجلة المنار بعد وفاة صاحبها رشيد رضا كما أن الشيخ حسن البنا كان من كتاب المجلات السلفية ومن شاء مزيداً من المعلومات فليراجع أعداد مجلة الفتح وغيرها.

وهكذا كان الأئمة الأربعة يتتلمذ صغيرهم على كبيرهم وكما كانوا يعدلون في تقويم بعضهم لبعض.

كلنا يعلم أن عدل الإسلام قد اتسع للحيوانات فضلاً عن البشر وأن الله جل وعلا قد أدخل امرأة النار في هرة ، وشمل عدل الإسلام أيضاً الذين كفروا من أهل الكتاب وتوعد رسول الله صلى الله علية وسلم من يظلمهم :( ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة).

بعد هذه اللمحة في أهمية العدل أما آن للدعاة والسياسيين الإرتريين أن يعدلوا مع أنفسهم وإخوانهم ومجتمعهم؟؟ وهذا هو بيت القصيد كما يقال في كل ما ذكرناه عن العدل والإنصاف فكم يشعر أحدنا بالمرارة عندما يرى بعضاً من إخوانه يتحرج من إيذاء الحيوان وظلمه ولا يتحرج من إيذاء وظلم إخوان له ؟؟

وهنا أريد أن أهمس في أذن القاريء بأن القيادات الدعوية والسياسية التي نمتلكهم هم بشر قد يصيبون ويخطئون ومن ذا الذي يخلو من الذنوب والأخطاء ؟ ولابد أن تجد نفسك مضطراً لتفنيد هذه الأخطاء وبيان مخالفتها للأحكام الشرعية فلا بأس شريطة أن تكون وفق المنهج الشرعي . ولكن ليس من العدل والإنصاف ولا من هدي الرسول صلى الله علية وسلم نشر زلاتهم على الملأ ، ولا تتهم اخوانك في نواياهم وأحسن الظن بهم ولا تنس فضلهم في العمل الإسلامي والوطني وإياك ظلمهم.هذا إذا ذكرت أسوأ ما فيه ولم تذكر أحسن ما فيه فكيف إذا أشعت عنه مقالة السوء دون تمحيص ولا توثيق وغفلت عن حديث رسول الله صلى الله علية وسلم (حسب امرئ من الكذب أن يحدث بكل ما سمع).

أخي الفاضل تذكر أن اخوانك الذين تختلف معهم في جميع التنظيمات الإسلامية هم في مجموعهم صفوة المجتمع الإرتري وهم الأمل المرتجى بعد الله سبحانه وتعالى حتى وإن أخفقوا في بعد الأمور. فمنهم من قضى سنيً عمره يدعو ويعلم ويربي وقد نفع الله به خلقاً كثيراً وتأثروا به واستنوا بسنته وهو وإياهم كانوا سبباً في هداية كثير من الضالين وتوبة العصاة والمفسدين. ومنهم من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا واستعذب الموت في سبيل الله والجود بالنفس أقصى غاية الجود. ومنهم من قال بشموخ واستعلاء : ( قال ربي السجن أحب إليً مما يدعونني إليه)  وعندما ابتلاه الله صمد صمود الأبطال وما وهن ولا استكان وعندما فرج الله كربه خرج من سجنه وهو أشد اقتناعاً بدعوته.

وعندما خالف الدعاة والسياسيون هذه الآداب الشرعية وكثرت الردود والاتهامات بينهم وعرف عامة الناس عيوبهم ونقائصهم المزعومة هانوا في أعينهم وتجرأ الأعداء عليهم .

وهنا أطالب جميع قيادات التنظيمات الإسلامية الإرترية الشيخ حسن سلمان رئيس المؤتمر الإسلامي والشيخ محمد احمد صالح الأمين العام لحركة الإصلاح والشيخ خليل عامر الأمين العام للحزب الإسلامي أن يسموا بقضايا الوطن وأن يكونوا فوق  خلافاتهم الشخصية والتنظيمية كى  لا تتسبب في تعطيل أهم القضايا الملحة والتي لا تتحمل التأجيل والتسويف وخاصةً ونحن مقبلون على المؤتمر الوطني الجامع الذي سوف يتمخض منه كيان جامع لكل ألوان الطيف الإرتري فهل يا ترى كإسلاميين سوف ندخل المؤتمر بكل خلافاتنا وسوف تتجسد أكثر في داخل المؤتمر حينما تنقسم الآراء هذا يتجه شرقاً وهذا غرباً ويتهم بعضنا بعضا ؟ أرجو من الجميع وضع الترتيبات اللازمة قبل الدخول إلى المؤتمر الوطني وطرح رؤية إسلامية موحدة في القضايا الوطنية بدل طرح كل تنظيم رؤيته على حده.وهذا بالتأكيد سوف يكسب ثقة الجماهير للقوى الإسلامية ويعزز مصداقيتها وبالتالي سوف يوضع لها الحساب لدى الرأي العام الإرتري والمؤتمرين.

وختاماً أقول كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :

لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

 

 

 
25/07/2011
Print this page.
http://www.al-massar.com