الوحدة المنشودة للحركة الإسلامية الإرترية - أبوالحارث المهاجر

في مقال سابق تحت عنوان ( أزمة أخلاقنا كيف يتم تصحيحها؟) كنت قد تناولت فيه بعض جوانب العدل وغيرها من الأمور التي نتطلع جميعاً أن يتحلى بها القادة والسياسيون وكذلك القواعد الجماهيرية ، لأن بالعدل يُحقق المراد.

وعندما نظرت إلى ملاحظات وتعليقات القراء الكرام في موقع فرجت المحترم وهي تنقسم على ثلاثة أقسام : قسم تفضل بالإشادة والثناء ، وقسم آخر يتساءل ويتخوف من المستقبل ، وآخر ينتقد . وفي تقديري جميع التعليقات كانت إيجابية ، فالذي يشيد يدفعك إلى المزيد من العمل الدؤوب ، والذي يتساءل يحملك مسؤولية تبديد هذا الخوف وبلورة الفكرة بصورة أفضل ، والآخر الذي ينتقد المقال أو ما ورد فيه يعينك على تصحيح الأخطاء أو تصحيح مفهومه بصورة أخرى وبشرح وافي تقنعه بالفكرة ، وعلى العموم فهو جهد بشري قد يعتريه النقص . ومن هذا المنطلق تكونت عندي فكرة المقال (الوحدة المنشودة للحركة الإسلامية الإرترية ) الذي نحن بصدده  وسوف أحاول بقدر ما أمكن أن أضع الحروف على النقاط  لملامح الوحدة التي نطمح أن تُحقق في مجتمعنا وربما تفتح المجال والآفاق للمختصيين لدراسة معمقعة بصورة علمية لمفهوم الوحدة وكيفياتها وآلياتها.

وفي سياق المقال السابق ذكرت أن التنظيمات الإسلامية الإرترية في مجموعها صفوة المجتمع الإرتري والبعض لم يرض بهذا الوصف وأنا أتحدث عن الحركة الإسلامية بما تمتلكه من قوى بشرية هائلة وسط المجتمع الإرتري ، وربما في هذا لا يختلف معي الكثير ، إذ الحركة الإسلامية الإرترية تزخر بكفاءات بشرية وشيوخ أفاضل لا تخطئها العين . ولكن مثل هذا الرفض في تقديري يعود إلى أمر آخر متجذر في محيطنا الأقليمي والعربي والذي يؤثر علينا سلباً أو إيجاباً وهو يتمثل في مشكلة مؤسسة الرجل الواحد الذي يقبض الأمور بيد من حديد ، وهذه المؤسسة ربما ترتدي أحياناً لباس الديمقراطية كما يزعمون وبإسمها يحكم الرجل الواحد ماشاء الله له أن يحكم . وربما ذلك أيضاً ينسحب على الحركة الإسلامية بالجوغرافية والبيئة ، وكما يقال الإنسان إبن بيئته ولا شك إن وجد مثل هذا يجب إصلاحه . ثم ما طالبت به من إحترام وتقدير للقيادات وعدم الإساءة وستر عيبوهم ما أمكن فهو سوف ينسحب على الجميع عندما يكون أحد الأفراد في موقع المسؤلية سوف يجد الأرض ممهدة لإحترامه لكي ينهض بالتنظيم او بالدولة إذ بدون إحترام أو إنسجام لا تستطيع الأسرة الصغيرة أن تدير أمورها فضلاً عن التنظيم أو الدولة ؟؟؟

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله وهو يتحدث في التغيير الجذري والشامل الذي أحدثه الإسلام في حياة وعادات وطبائع المجتمع العربي في الجزيرة العربية :( لقد كان الرجل حين يدخل الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية ، كان يشعر في اللحظة التي يجيء فيها إلى الإسلام أنه يبدأ عهداً جديداً ، منفصلاً كل الإنفصال عن حياته التي عاشها في الجاهلية . وكان يقف من كل ما عهده في الجاهلية موقف المستريب الشاك الحذر المتخوف الذي يحس أن كل هذا رجس لا يصلح للإسلام ! وبهذا الإحساس كان يتلقى هدى الإسلام الجديد فإذا غلبته نفسه مرة وإذا اجتذبته عاداته مرة وإذا ضعف عن تكاليف الإسلام مرة ... شعر في الحال بالإثم والخطيئة وأدرك في قرارة نفسه أنه في حاجة إلى التطهر مما وقع فيه ، وعاد يحاول من جديد أن يكون على وفق الهدي القرآني). وكذلك يجب أن تكون الحركة الإسلامية الإرترية.

ولا بد من التأكيد بأن أي مجتمع فيه الصالح والطالح وهذا ينطبق علينا أيضاً ، فلسنا مجتمعاً ملائكياً ، وكغيره من المجتمعات وارد حدوث الخلافات بين جماعاته كما قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 119 .سورة هود ) . ولكن هذه السلبيات التي تقع أو  تحدث بين القادة لا ينبغي أن تشيع في أوساط العوام حتى لا تتسع دائرة الخلاف والشقاق ، لأن ما يفهمه القادة والعلماء في فقه الخلاف قد لا يتسع فهمه لدى العوام وبالتالي تأخذ منحى العداوة والشقاق بين المجتمع . ووجود شخص صالح لا يعني أنه منزه لا يوجد فيه نقص ، ولكن يجب النظر في الكأس إلى الجزء الممتليء وليس الجزء الفارغ ، بمعنى آخر يجب أن تكون نظرتنا لمجتمعنا وقادة الحركة الإسلامية نظرة إيجابية بحيث لا تكون نظرة تشاؤمية مهما حدث من الأحداث. أقول هذا الكلام لأن بعض الأفراد في مجتمعنا يبحثون عن عثرات ومواطن الإختلاف ويشتغلون بتتبع أخطاء الآخرين وعيوبهم دون النظر إلى مواطن الإتفاق. وهنا يبتدرني سؤال هل يلزم أي شخص إذا تحدث أو ذكر حسنة من حسنات بعض الدعاة أو تنيظيم أو حزب أن يذكر عيوبه ومآخذه ثم مآخذ الآخرين عليه ويورد فيه أقوال الفقهاء ونبض الشارع ؟؟ إليكم أيها الكرام الأفاضل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أقوال العلماء حيال هذه القضية وكيفية التعامل معها.

1)  يقول تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} سورة الأحقاف 16.

2)    في صحيح مسلم عن موسى بن علي عن أبيه قال : قال المستورد القرشي عند عمرو ابن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس ). فقال له عمرو: أبصر ما تقول . قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: لئن ذاك إن فيهم لخصالاً أربعاً:إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ،وخامسة حسنة جميلة:وأمنعهم من ظلم الملوك).

3)    ذكر الحافظ بن كثير في البداية والنهاية قال محمد بن إسحاق : ( فلما رأى رسول الله صلى الله علية وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله عزوجل ، ومن عمه ابي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء ،قال لهم: ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه).

إذا تأملنا أيها الأخوة الأفاضل هذه الخصال النادرة التي اجتمعت في أمة غير مسلمة ، وعمرو بن العاص رضي الله عنه من أعرف الصحابة رضوان الله عليهم بأحوال الروم ، ففي جاهليته كان يتعامل معهم بالتجارة وحاربهم بعد إسلامه في فلسطين ، ولم يذكر هذه الخصال عنهم إلا بعد أن تثبت من نقل المستورد القرشي، ولم يجد نفسه ملزماً بذكر عيوبهم ونقائصهم وهو يتحدث عن صفاتهم المحمودة. وإذا تمعنا في ما قاله رسول الله صلى الله علية وسلم عن النجاشي :( فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد)، ولم يكن النجاشي قد أسلم بعد ،ووصف أرضه بأنها أرض صدق ، لم يضف إلى ما قاله عن النجاشي (ولكن) لم يذكر بعدها مساوئه وأخطاءه ، ولو كان مثل هذا الأمر لازماً وواجباً لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان ذكر الخصال الحميدة في الكفار لا يلزم أن يصحبه دائماً ذكر الخصال الذميمة فيهم ، فما بالكم بتنظيمات إسلامية تدعو إلى الله وتبذل أنفس ما تمتلكه من إمكانات مادية ومعنوية وبشرية من أجل هداية المجتمع وإرشاده ، ولكن في سيرها قد يعتريها بعض الشوائب دون أن ينقص من مكانتها.

وبطبيعة الحال خلق الإنسان مجبولاً على العيش مع الجماعة بعيداً عن الفردية والإنعزال لما تقتضيه الطبيعة البشرية من العيش الجماعي المترابط الذي يكمل فيه أحدهما الآخر وبمرور الزمن وتكاثر الإنسان وتنوع المصالح أصبحت الحاجة ملحة إلى مفهوم جديد وهو الوحدة كي لا يكون المنعزل فريسة لغيره من الأمم والشعوب المتحدة التي تبني نفسها وتاريخها وتراثها على حساب غيرها من الأمم ، والأمة الإسلامية من بين هذه الأمم التي شعرت بهذه الحاجة الملحة رغم انه من صميم دستورها هو الوحدة لذلك ظهرت دعوات الوحدة الإسلامية واقامة التكتلات في العالم العربي والإسلامي وليست هذه الدعوات وليدة الساعة بل هي قديمة قدم التمزق والتشتت والتناحر والفرقة التي عشناها ولا زلنا نعاني منها ، وما الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي إلا نماذج على إرادة الوحدة ومحاولة العمل من اجلها.

 والتكتلات الإقليمية والعسكرية والإقتصادية مثل  حلف النيتو ومجموعة الدول الأوروبية والمجموعة الإقتصادية لدول شرق اسيا وإتحاد دول جنوب امريكا والإتحاد الأفريقي كلها محاولة البحث عن مشتركات لتقوية ذاتها في مواجهة المشاكل الإقتصادية والسياسية والعسكرية . فإذا كان هذا حال الدول والقارات تبحث عن مشتركات لكي تتقوى في مواجهة التحديات الماثلة أمامها ، ألم يكن من باب الأولى البحث عن الوحدة الإسلامية في إرتريا لتقوية مجتمعنا ؟؟

إن قضية الوحدة الإسلامية هي من القضايا الكبرى التي شغلت الضمير والفكر الإسلامي في القرون السالفة وطيلة القرن العشرين والى الآن وقد عالجتها اطروحات وكتب ومقالات كثيرة وكانت هذه الفكرة من أولويات الحركات والجماعات في كل أنحاء العالم الإسلامي غير أن المنطلقات التي انطلقت منها النظريات والدعوات الوحدوية، والتبريرات التي أرادت إقناع الشعب بالانخراط في العمل الوحدوي لم تكن لتنتج الوحدة الإسلامية لأنها غالباً ما كانت تنطلق من العواطف وتهييج المشاعر. وإن اغلب الذين طرحوا قضية الوحدة كانوا يبحثون عن مبرراتها ومسوغاتها ولم يكونوا يبحثون عن هدفها وغايتها ورسالتها تجاه المسلمين والعالم ، كانوا يشعرون أن الوحدة ضرورية ولذلك يجب أن تحشد جميع الأدلة المؤيدة والداعية لها وقد فعلوا ذلك فأتوا بالأدلة وقدموها وضخموها ولكن جهودهم لم تؤد إلى الوحدة ولم تشكل قوة فكرية وروحية ملهمة للشعوب لكي تقدم الغالي والنفيس في سبيل الوحدة ، إن إثارة العواطف لا تثمر عملاً منظماً مبرمجاً بل تعكس ردّات فعل هائجة غير متعقلة ولا محسوبة ، والوحدة التي تقوم على أساس مواجهة العدو المشترك لا تسمى وحدة بل تحالفاً بين أناس تجمعهم قواسم مشتركة تتمثل في وجود هذا الخطر والعدو حتى إذا ما زال الخطر أو العدو لم يكن للوحدة مبررها فتعود الصراعات إلى سالف عهدها ويعود التشتت والتفرقة مرّة أخرى ، والتحالف يختلف عن الوحدة حيث يمكن أن يكون بين فريقين تجمعهما قواسم مشتركة سواء كانت هذه القواسم مواجهة عدو مشترك أو الوقوف في وجه خطر محدق أو تحقيق مصلحة لأطراف هذا التحالف .

 أما الوحدة الإسلامية التي ننشدها جميعاً فينبغي أن تُبنى على مشروع نهضوي رسالي يقوم على تحليل الواقع الإرتري بكل تعقيداته  ومعرفة طبيعة الصراعات والنزاعات فيه وتحديد النقطة التي وصلت لها القوى الوطنية الأخرى تمهيداً لإيجاد البديل الأصلح والأنفع والأرحم للشعب الإرتري جميعاً. 

ربما يتسأل البعض هل بعد هذه الخلافات بين الإسلاميين في إرتريا أن يجتمعوا ثانيةً ؟ أقول الخلافات الإسلامية لم تكن الأولى فقد حصل خلاف بين الصحابة حتى وصل إلى الإقتتال بينهم في حادثة معركة الجمل المعروفة  ، وهم هم بتقواهم وورعهم ولكن تكمن الأهمية هل أصبحوا أسرى لنتائج تلك الحرب ؟ لا بل أتت بعدها مرحلة لم الشمل ووحدة الصف المسلم حتى سميت بعام الجماعة. ونحن في النهاية بشر وقد يقع منا  كإسلاميين ما يقع بين البشر.  والإسلاميون في إرتريا لديهم محاولات  لرأب الصدع فيما بينهم منذ 1997 إلى 2006 بدأت الحوارات بين حركة الإصلاح والحزب الإسلامي ووضع لها سقف للوحدة الإندماجية بعد إجتياز المراحل التنسيقية ، وبعد إستكمال جميع المراحل وعند وصول الى المرحلة النهائية توقف الحوار الذي يُفضي الى الوحدة الإندماجية لظروف خاصة وبقي التعاون المشترك بينهم . وهناك تجربة أخرى في الوحدة وهي تجربة المؤتمر الإسلامي والمجلس الإسلامي الإرتري بعد أربعة سنوات من الحوارات توصلوا إلى الوحدة الإندماجية ، إذاً هناك تجارب إيجابية في الساحة الإسلامية الإرترية كلها تبحث عن وحدة الصف . وفي تقديري فإن الوحدة الإسلامية في إرتريا ممكنة من حيث  الأوضاع المحيطة ونضج القوى الإسلامية في التعاطي مع المستجدات فقط إذا توفرت النية الخالصة والإرادة السياسية .

إن قضية الوحدة هي من القضايا المصيرية المرتبطة بالتحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية ولكي نعيش مرحلة التحدي لا بد من اتخاذ طرق وأساليب الوحدة للمواجهة كما يشخصها بعض المختصين ، ومنها :

1)    الطريقة المثالية :- وهي التي تتمثل في مواجهة الهدف بالتبسيط وذلك باعتبارها مشكلة بسيطة يمكن للزمن أن يحلها وللأجواء الشعبية الحماسية الدور الرئيسي في الضغط على الأعداء وحلها ومن ثم يكون مدلولها سلبي بحيث يشعرك السائرون في هذا الاتجاه بأن المشروع الوحدوي لا يواجه أي مشكلة بل ويسير وفق النظام ويرون دعوات الحماس والجدية من الآخرين نوعاً من العدوانية ضدهم وربما يتخذ أصحاب هذا الخط نوعاً من المواجهة في حالة الاضطرابات والقلق الذي يحدث في الطرف الآخر لأسباب أخرى وقد يحصل أصحاب هذا الخط على نوع من الانتصار لحصولهم على بعض المكتسبات على الأراضي والأهداف الإيجابية وهذا دليلهم على صحة نظرياتهم أو طريقتهم في الوحدة وفي حال الفشل يكون المبرر هو الظروف الطارئة أو تدخل أطراف أخرى لا يستطيعون مواجهتها الآن لكنهم سيواجهونها في الغد أو بعد غد ، والمستقبل هو الذي يكشف ذلك. المهم أن القافلة تسير نحو تحقيق الهدف أما كيف ليس من المهم أن نفكر في ذلك ومن خصائص هذه الطريقة هي العمل على إثارة الجماهير بالخطب السياسية الحماسية والشعارات المثيرة والمهرجانات الصاخبة وهكذا تبقى القضية هدفاً يبحث عن طريق ، ودوراً يبحث عن ساحة.

2)     الطريقة الواقعية:-  وهي التي تواجه الهدف بمنطق الواقع حيث أن لكل ظاهرة أسبابها ولكل واقع ظروفه المحددة في الزمان والمكان والأشخاص ولكل هدف وسائله ومراحله وآفاقه لذلك فإن الذين يفكرون بهذه الطريقة يعملون على دراسة المشروع من خلال ظروفه الجغرافية أولاً والشروط التي يجب أن تتوفر في الساعين فيه ومن معهم ، والمشاكل التي يواجهها المشروع على جميع المستويات البشرية والمادية ثم يضعون الخطة للسير وفقها والتقدم نحو تحقيق النتائج الإيجابية ، والتوقف عند حدوث الأخطاء لدراستها ومعالجتها في النتائج السلبية ثم المواصلة حتى الوصول إلى نهاية المطاف لذلك تتميز هذه الطريقة بالإعتماد على التحليل الدقيق للأشياء والأشخاص ، وبذلك يكون الحماس والجدية جزءاً من الخطة أو الطريقة لا حالة مزاجية أو عدوانية .

 وهاتان الخطتان أو الطريقتان هما اللتان تحكمان الواقع العملي للإنسان الهادف للوصول إلى الهدف. وأنا شخصياً أرجح الطريقة الثانية أي الواقعية القائمة على أساس إعمال العقل والفكر في كل حدث.

كيف نستطيع أن نحقق الوحدة ؟

العودة إلى التمسك بالتعاليم الدين الإسلامي هي العودة إلى الوحدة ، وقد لاحظنا مما تقدم أن الوحدة الإسلامية لا تتحقق في الواقع إلا في إطار الرسالة الإسلامية لأن هذه الرسالة هي القادرة على تربية الفرد والمجتمع الإنساني وفق قيم ومعايير تزول معها كل ألوان الصراع المصلحي المادي بين أبناء البشر ، وليس معنى هذا أن الدين يستهدف خلق نوع من المصالحة بين الظالم والمظلوم في المجتمع بل انه يتأمل الظلم والظالمين من المجتمع ويخلق بين الأفراد وحدة في القلوب والأفكار ووحدة في الهدف والمسير ووحدة في المصالح والطموحات ، وهذه المسألة لا تخفى على كل متتبع لأهداف الرسائل التي جاء بها الأنبياء التي تجسد معاني الأخوة وترابط المجتمع . والفترة القصيرة التي مرت بها التجربة الإسلامية في بداية البعثة النبوية سجّلت في تاريخ البشرية أروع انتصار في خلق المجتمع الموحد في الأفكار والعواطف والأهداف.

فالإسلام انطلق من أرض تسودها ألوان الصراع القبلي والعنصري والطبقي ، وما أن انتصرت كلمة الإسلام حتى خلق مجتمعاً رافضاً لكل تمييز عنصري (الأسود والأبيض) أو طبقي (السيد والعبد) أو قبلي (قريش وغيرها) ، وساد الإخاء بين أفراده ( المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ) ، وزال الصراع الدامي بين القبائل العربية ، وانتهى عهد الرق والاستغلال الجاهلي ، وقطعت أيادي المتسلطين في ذلك المجتمع ، وبقيت التجربة الإسلامية شامخة ثابتة ، ومع كل ما عصف بها تمارس دورها خلال العصور التالية للبعثة في صهر القوميات المختلفة في بوتقة الإسلام وتربية العواطف الإنسانية والسمو بها عن الهبوط إلى مستوى الصراع المصلحي الدنيوي.

وفي تقديري أن الطريق الأمثل للوصول إلى الوحدة الإسلامية وإعادة الحقوق المسلوبة للمسلمين في إرتريا جميعاً هو رفع مستوى المسلمين العلمي والفكري واطلاعهم على آراء الإسلام ومعارفه التي يحتويها القرآن والسنة النبوية والروايات وسيرة الأئمة رضي الله عنهم وهي الترجمة العملية لتعاليم الإسلام ، فذلك كفيل بمعالجة المشاكل الداخلية والحد من الخلافات البينية . وحرمان العدو من إمكانية الاستفادة من عوامل الخلاف السالفة الذكر . وإن زيادة الوعي الديني والثقافي والعلمي لدى المسلمين هو خير وسيلة لتجنب بروز الخلافات التي تثيرها العوامل المذكورة ، ولقوة تأثير ذلك يحث الإسلام دائماً في كثير من الآيات القرآنية على التفكر والتدبر بدقة والتعرف على النفوس وما يحيط بها . إذاً لا بد أن نضع أيدينا على بعض من اجل إزالة الغبار عن وجه الحركة الإسلامية الإرترية ومجاهداتها الحقيقية الناصعة ليطلع عليه المجتمع  .

وبالله التوفيق

sdakkin@yahoo.com

 

 
24-09-2011
Print this page.
http://www.al-massar.com