وأنتصر الحوار - أبوصهيب صالح عثمان

يعد المؤتمر الوطني للتغيير الديمقراطي الحدث الابرز والأهم ضمن سلسلة أحداث ساحة المعارضة الارترية إذكان يتصدر إنعقاده إهتمامات القوي السياسية والمدنية المعارضة ومعظم أبناء الشعب الارتري الذي ظل يتطلع دوما إلي فجر يخلصه من النظام الدكتاتوري وويلاته ؛وقد لقي المؤتمر إهتماما وتناولا من المهتمين بالشأن الارتري كتابا وناشرين قبل وأثناء وبعد المؤتمر وقد أدلي الكل بمساهماته ومشاركاته سواء كان من المشاركين او المتابعين عن بعد ومعظم المشاركات نحت صوب تأكيد نجاح المؤتمر ومن الطبيعي أن تكون هناك وجهة نظر أخري مختلفة ومغايرة لهذا الاتجاه فالكل يقرأ الحدث من الزاوية التي ينظر من خلالها والمواقف التي يستند عليها فتعبير المرء عن آرائه ومواقفه وقناعاته وتحليلاته الشخصية حق أصيل لايحجرعليه ولايصادره أحد ؛ وينبغي أن نجعل من هذا الحدث محطة تجديدية في المفاهيم والاساليب والسلوكيات وأن نعلي من شأن الحوار البناء والفاعل ومنطق التحاور بالحسني فيوما ما سينتصر الحوار ونجني ثماره وحدة وتماسكا وتعايشا واستقرارا.

ومع إحترامي لكل ماكتب عن المؤتمر الوطني للتغيير الديمقراطي إشادة أو نقدا أوجمعا بين الامرين فان المؤتمر يعتبر محطة هامة وخطوة إيجابية في إتجاه التغيير المنشود إذ أن توحيد معظم شتات المعارضة الارترية من قوي سياسية ومدنية تحت مظلة المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي يحسب نقلة نوعية تستحق الاشادة وتستدعي الرعاية والاهتمام ليس لانها غاية مانطمح إليه أومنتهي مايتطلع إليه الشعب الارتري بل لان الحدث يمثل ‘إنتصارا لثقافة الحوار والتلاقي والتقارب نوعا ما علي ثقافة الاقصاء وتضخيم الذات والتقوقع علي الكيانات الحزبية وإدعاءات إمتلاك الحقيقية وأحقية تمثيل الشعب الارتري أوطرف من اطرافه وثقافة الاستعلاء والاستعداء والاستنفار والاستنفار المضاد وغيرها من الثقافات والمفاهيم التي أوهنت المعارضة الارترية ؛ حيث أن كل الذين يحملون هذه المفاهيم وجدوا الجميع هناك خاضع لمنطق الحوار ولا صوت يعلو علي صوت الحوارفلا ميزة لفئة أو كيان أو كتلة علي غيرها والكل هو بعض من الشعب الارتري ولايمثل هو إلامن ينضوي تحت لافتته التي يشارك بها والشعب يري هذا أو ذاك ولكنه يقول أريد آلية جامعة تستوعب هذا الشتات وتسير بخطي ثابتة نحو التغيير الديمقراطي فينتصرهذا المفهوم علي كل المفاهيم فتخرج آلية المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي.

وهذا ما يدعوني مرة بعد أخري للقول بأن ميلاد المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي وتمثيل معظم المعارضة الارتريه داخله هوانتصار لثقافة الحوار لانه نتاج وثمرة للحوار ؛ وينبغي أن ينظر إلي المؤتمر الوطني في سياق تسلسل أحداث المعارضة الارترية كيف بدأ فيها حوار القوي السياسية بداياته الاولي وكيف تطور عبر محطاته ومنعرجاته وتقلباته حتي نبعت من داخل القوي السياسية فكرة إشراك قوي المجتمع المدني وتوسيع دائرة المشاركة فكان ملتقي الحوار الوطني الذي تمخضت عنه آلية المفوضية حيث أوكل إليها مهمام الاعداد للمؤتمرفكان المؤتمر وميلاد المجلس الوطني كآلية جامعة لمعظم قوي التغيير الديمقراطي ؛فإذا نظرنا للمؤتمر ومخرجاته من هذه الزاوية بالتأكيد سنجد أنه خطوة إيجابية في الطريق الصحيح الذي يعزز قيمة الحوار والمشاركة والحرص علي توحيد الجهود؛ فبالحوارتعزز الثقة وتتقارب المسافات البعيدة وتصنع خيوط التواصل وتستكشف مساحات التلاقي ونقاط التقاطع والقواسم المشتركة للمعادلات الصعبة .

بيد أن إعتقادي بإيجابية هذه الخطوة لايعني بحال من الاحوال أن محطات المؤتمر كانت خالية من سلبيات الماضي المتكررة وتجليات الواقع الحاضرة دوما بأشكالها المألوفة فحدث بحجم المؤتمر الوطني ضم كل ألوان الطيف السياسي والمدني المعارض بأفكارهم المختلفة وصراعاتهم المزمنة من الطبيعي أن تخلله بعض الاخطاء والتصرفات التي تكدر صفو أجواءه بين الفينة والاخري لكن إرادة الموتمرين القوية في سعيهم لانجاح المؤتمر كانت أعظم من عقبات الخلافات القائمة بين المكونات المتصارعة .

وإن تجاوز قنطرة مؤتمر الحوار ليس الحل الجذري أو الوصفة السحرية التي قضت علي الاساليب والممارسات التي كانت سببا في تشرذم القوي السياسية الارترية بقدر ماهي خطوة متقدمة ينتظر أن تتبعها خطوات جادة لازالة كل العقبات والمتاريس التي تحد من فاعلية القوي الارترية المعارضة وتمنع تواصلها وذلك عبر الحوارات البينية الجادة والمستمرة وان يظل باب الحوار مفتوحا وقنوات الحوار مستديمة وهذه من أولويات واجبات المكتب التنفيذي للمجلس الوطني فقوة المجلس تكمن في تماسك مكوناته وبعدها عن الصراعات البينية حتي لايتحول المجلس إلي بؤرة صراعات بين مكوناته تنعكس سلبا علي آدائه وفاعليته وحتي لانشهد موضة المجالس المتعددة بعد أن عشنا موضة التحالفات المتعددة والحالات الجبهوية المتكتلة والتنظيمات المستنسخة التي أضعفت المظلات الجامعة وأفقدتها فاعليتها بسبب فقدان المعايير الضابطة وآلية التحكيم الغائبة في ظل الصراعات الكيدية ؛ كما أن علي المجلس ومكتبه التنفيذي الخروج إلي الاضواءمستحدثا وسائل جديدة وإبتكارات ملموسة مستفيدين من أجواء الثورات العربية وبناء علاقات فاعلة مع الدول التي شهدت ثورات وهي في طريقها نحو التغيير الديمقراطي الملموس فهي أقرب من غيرها لتفهم القضية الارترية والظروف التي استدعت ميلاد المجلس والتعامل معه بصورة شبه رسمية فالاجواء هناك مهيئة والوضع الاقليمي والدولي مهيأ الآن أكثر من قبل للتعامل مع كل بديل للنظام يحظي ولو نسبيا بقبول من الشعب الارتري وهذا كله يستوجب تمتين البناء الداخلي والعمل علي التحاور مع من هم خارج هذه المظلة الجامعة فإن كنا من قبل حريصين علي إشراك الجميع فمن باب أولي أن نكون اليوم حريصين علي إشراكهم حرصا علي توحيد الجبهة الداخلية سواء كانو أفرادا أوقوي سياسية ومدنية لها مواقفها إلا من أبي وأقفل باب الحوار بنفسه فله خياره حتي يجنح للحوار والمشاركة؛ فحرصنا هذا ينبع من إيماننا العميق بأن الحوار هو الوسيلة الناجعة لإثناء أصحاب المواقف عن مواقفهم السياسية والوصول معهم الي قواسم مشتركة وليس الاساليب الاستفزازية والوسائل التصعيدية التي تباعد المسافات ولاتقربها وتزيد الجفوة قسوة وكذا تأملنا لواقعنا القريب والوضع السياسي الارتري والابعاد التي تتحكم فيه فالكيانات السياسية الارترية هي أشبه بالبلورة لها أبعاد متعددة ومتنوعة يمكن أن تقرأها من جهة سياسية وفكرية ومن جهة أخري تأريخية ومن جهة أخري إجتماعية وكل هذه الابعاد مكون أساسي للبلورة وهذه حقيقة واقعيةبالنسبة لي وإن تغاضينا عنها فلا يمكننا تجاوز هذه المعادلات ولايفهم من هذا أني أدعوا إلي إستجداء هذا الطرف أو ذاك حتي تكتمل العناصر المكونة للتمثيل علي هذا الاساس ولكني أدعوا للحوار حتي ينقطع الامل في الحوار والمشاركة علي أسس العدل والانصاف فالمواقف السياسية مبنية علي معطيات وفرضيات وهي بدورها متجددة وغير ثابتة فمن كان يري بالامس عدم المشاركة ربما يجد نفسه اليوم مستعدا للحوار والمشاركة وإلا أصبحت المسألة مبادئ ثابتة مبنية علي معطيات وفرضيات أخري.

وأخيرا أدعو الجميع من هم داخل المجلس وخارجه إلي قراءة الواقع بعين الماضي وماحل بوطن متعدد الاديان والثقافات والاعراق عندما فرضت عليه ثقافة واحدة وهوية واحدة من الحروب والدمار والشتات فعلينا ان ننظر لمستقبل نبني حاضره الان كماشئنا وليس بإمكان أحد أن يقصي أحد مكونات هذا المجتمع أو يفرض عليه خياراته إذا أردنا أن نعيش في وطن واحد يحفظ تنوعنا وثقافاتنا وهوياتنا فلنجعل من مخرجات هذا الموتمر نقطة تحول كبري في مفاهيمنا وأساليبنا.

 

ابوصهيب صالح عثمانٍ

 

 
24-12-2011
Print this page.
http://www.al-massar.com