عام جديد وأمل جديد

بسم الله الرحمن الرحيم
عام جديد وأمل جديد
يتعاقب الليل والنهار وتمضي الأيام والشهور وينقضي عام ويطل عام جديد فقبل أيام انقضى عام هجري وها هو عام ميلاد توارى بأفراحه وأتراحه  وأطل عام جديد تهيأت له البشرية بطقوس وعادات مختلفة  ، اختلاف الشعوب والثقافات ، في عالم شارف على الذوبان الثقافي والحضارى في بحر العولمة الهائج  .
ولعل طغيان المظاهر الإحتفائية ببداية كل عام جديد قد ينسى الكثيرون الجانب الأهم من  هذا التعاقب الكوني ودلالاته وهو الحكمة التي أراد الله  أن يلفت البشرية  إليها  من انقضاء السنين (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ) إذن هي  الدعوة للعمل والتغيير نحو الأفضل من خلال محاسبة النفس والوقوف على أوجه قصورها ومواطن الخلل في مسيرتها  الدنيوية والأخروية ، ولقيمة الزمن جاء القرآن في أكثر من موضع  يشير إليه بصيغ متعددة ( والفجر  ، والضحي ، والعصر ، وليال عشر )  .
وتبرز اهمية الوقت عند الأفراد والمجتمعات والشعوب المتعثرة في حياتها فهي محتاجة لعامل الوقت أكثر من الشعوب التي تحتاجه لزيادة نمائها ورخائها ، وكلما أطل عام جديد تتطلع شعوب حيرى إلى بصيص أمل وبادرة فأل تنهي دورة معاناتها التي تتجدد كل عام  وتدفع ثمن ذلك  الدوران في فلك المآسي والآلام  تخلفا وضياعا  في ذيل الشعوب الأخرى، ويبزغ فجر عام جديد  ، والشعوب العربية تدفع ضريبة التغيير بعد أن دفعت ثمن الرزوح تحت وطأة الدكتاتوريات سنوات طويلة  ،وعزاؤنا الأمل والعزيمة التي تملأ جوانح شعوبنا المنكوبة ، وأن من سار على طريق التغيير رغم أثمانه الباهظة يوما ما سيصل إلى الإ نعتاق من ربقة  الإستبداد المستحكم  إلى بر الحياة الكريمة  في وطن آمن تسوده العدالة وتظلله الرفاهية والرخاء  ،  فلله در أبناء تلك الشعوب الممسكة  على جمر التغيير وإن طال الطريق وتعاظمت التكاليف ، فالطريق الوحيد للحياة الكريمة هو أن تصنع التغيير بسواعدك وتدفع ثمن ذلك  تضحية وبذلا للأنفس والمال.
يظن المتسوفون المتكئون علي أريكة الفأل دوما دون حراك منظور أن التغيير وصفة سحرية أو جرعة دواء موصوفة المقدار  يتناولونها حينما وكيفما أرادوا ذلك ، وتمرعليهم السنوات عاما بعد عام دون أن تتغير حياتهم للأفضل ،إذ التغيير حالة وجدانية ومكابدة حياتية ،لها ضريبتها وهوحالة مستمرة لاتنتهي بزمان ومكان ، وتبرز قيمته عندما يظل مستمرا ومنتظما ومتطورا،  وقد طالبنا المولى بإحداث التغيير في أنفسنا حتى نستطيع مواكبة السنن الكونية المتغيرة  (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) وفي الحديث ( الكيس من دان نفسه وعمل لمابعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على  الله الأماني )  فالتسويف والتمني هما آفتان في طريق التغيير على مستويات الأفراد والمجتمعات ، وربما   بعضا من ذلك  يرجع الى الجانب الفطري للنفس التي يشق عليها مفارقة المألوف  (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) والخروج من دائرة الروتين أمر تهابه النفس حتى وان كان سلبيا  يؤدي الى حالة الإضمحلال التدريجي فالموت البطيئ عند البعض أفضل من مكابدة منعرجات التغيير الشاقة .
يقول الدكتور (سلمان العودة ) في إحدى مقولاته ( من لا يدفع ثمن التغيير فسوف يدفع ثمن عدم التغيير ) فكم من السنوات دفعنا ثمن التغيير وكم من السنوات دفعنا ثمن عدم التغيير ، أذا كانت الشعوب العربية  قد ثارت ولا تزال تدفع ثمن ذلك  فهناك شعب من هذا المحيط لم يعرف مذاقا للحياة الكريمة في وطنه ،ظل يدفع ثمنا بعد ثمن ، منذ أن ذاقت الشعوب الأخرى طعم الحرية بخروج الاستعمار من ارضها ،هو شعب عاش ضحية المساومات الدولية والإقليمية وحرم من أبسط حقوقه في الحياة – الحرية والإستقلال ـــ إنه شعبنا الإرتري شعب خاض النضال والكفاح وانتزع استقلاله بالدماء والدماء، وكأن قدر هذا الشعب أزلا أن يعيش محروما ، لم يذق للحرية طعما بعد أن سلبته شرذمة  دكتاتورية حريته وكرامته الإنسانية فقضى أعواما عجافا ، في ظل حكم تلك الطغمة  الحاكمة في اسمرا ، وبدأ جولة أخرى من التضحيات والمجاهدات  في سبيل الإنعتاق من أغلال الدكتاتورية ، فامتلات السجون من الأحرار والشرفاء،   وضاعت الأسر وتشرد أفرادها ، وعاشوا ما بين الضياع والضياع ولا خيار غير ذلك ، اما ضياع في غياهب السجون الى الأبد واما ضياع الصحاري وتجارة البشر ، وأقسى من ذلك أن تنكرت جميع شعوب الأرض لقضية هذا الشعب وتواطأت الدول الكبرى في إبقاء قضية هذا الشعب المكلوم  رهن استرتيجياتها  الخارجية للإقليم ، فلا نصير ولا شقيق يستمع لأنين هذا الشعب الذي تعالت صرخاته حتى كادت تتلاشى ملامحه ونبرات صوته  ، لولا عزيمة  ظل يتجاسر بها على تلك المحن ، بيد أنه شعب البراكين يطول صبره وينفجر حمما ،شعب مازال يتقد لهيب جمره تحت أنقاض الركام المهال على كيانه طمسا وتعتيما من عالم الأقوياء ، وخسة الوضعاء من أبناءه الذين يرتكبون الجرائم في شعبهم ، ويظل شعبنا صامدا مبتسما متفائلا  بعامه الجديد  ( وأحزم الناس عاقل لمس الجرح وابتسم ) فياترى هل يدفع هذاالشعب ثمن التغيير مرتين أم أنه يدفع ثمن عدم التغيير هذه المرة  ألوانا  أخرى من التضحيات بسبب إنصراف أبناءه وقياداته  اهتماما يقشور القضية وشكلياتها.
إن شعبا هذا حاله جدير بأبناءه أن يهبوا صفا واحد لإزاحة الكابوس الجاثم على صدر شعبهم ، وأن يرصوا الصفوف إستجابة لنداءات المغلوبين على أمرهم  من شعبهم ، وإن أول خطوة في هذا الطريق هي السمو بالأفهام والمفاهيم الى مصاف  معاناة الشعب ، والتسامي عن كل ما من شأنه أن ينحدر بالوجدان الجمعي  والعمل الجماعي إلى التقهقر ومراوحة المكان  عام بعدعام  ،  لئلا يكون حصاد المجهودات وجودا على البداية حيث الإنطلاق الأول  ، مر عام وشعبنا يزداد معاناة  على معاناته  وقضيتنا مازالت رهن ماضيها يولد كيان ويتلاشى كيان وأعين الشعب دامعة تترقب كل بارقة أمل حتى لوكانت رعدة صيف عساها أن تمطر ،  فعلى كيانات المعارضة  أن تمنح الشعب الإرتري بارقة أمل جديد في طريق التغيير وأن تستثمر ماتبقى من مساحات الأمل والفأل في شعبها تجاوزا لماضيها نحو المستقبل بخطى ثابتة وصفوف مرصوصة فقد تقلصت مساحات كثيرة في ميدان المناورة ولم يبقى إلا باب الإعتماد على الذات وحده ، وهاهو الزمان ينقضي ويستدير مرة أخرى فمعركة تغييرالدكتاتورية ليست أقل من معركة التحرير التي خاضها الشعب الارتري بكل قواه المادية والبشرية ،  وإن اختلفت ميادنها ووسائلها فالمعركة  واحدة  ، ولن يقوم عمل مثمر إلا بتحرير المفاهيم التغييرية وتجريدها والإقتناع بضرورة التجاوز عن شكليات المرحلة  إلى كنه التغيير وكيفية تحقيقه  ، فلابد من بناء الثقة ورعايتها ومجانبة ممارسة الدولة قبل الدولة واعتبار كل خطوة في طريق التغيير خطوة في طريق الوصول الى الدولة ، والخروج من مفاهيم الاستحواذ الى مفهوم المشاركة  ومن مفهوم من يصل أولا الى مفهوم كيف نصل سويا الى شعبنا وننقذه ، ان تاريخنا مازال يحتفظ بسجل الابطال الذين وهبوا أرواحهم من أجل أن يسعد الشعب الارترى بالحرية والاستقلال والعدل ، وإن ماتحقق في مسيرة التغيير ليس باليسير لكنه ليس بالكثير الذي يمنحه أبناء ارتريا لشعبهم ، إن شعبنا قدبلغ به الحال قدرا لايوصف من المعاناة  ومازال  يؤمل فينا أن نعود يدا واحدة  تداوي المريض وتغيث الملهوف وتكسي العاري وتدفع النظام الغاشم  اسقاطا الى مزبلة التأريخ  ،فهل سنمنح الشعب الارتري أملا جديدا في عام جديد  ،أملنا في الله كبير أن نتجاوز مرحلة الجمود الى مرحلة أخري أسرع وأقوى ، وأملنا كبير في أبناء شعبنا في الداخل والمهجر بقيادة مرحلة جديدة  لإسقاط النظام الدكتاتوري تكون أولى بواكيرها كيان جامع فعال يعتمد على شعبه  في كل برامجه ومعاركه التغييرية ليكون العام الجديد ميلاد جديد  لقوى التغيير في مفاهيمها ووسائلها وأمل جديد في نهاية ثقافة التشرذم والانقسام والتنافس المذموم المكبل للمسيرة التغييرية .


بقلم الأستاذ / صالح عثمان أبوصهيب

 
04-01-2014
Print this page.
http://www.al-massar.com