بسم الله الرحمن الرحيم
لتصل القضية إلي نهاياتها
تطاولت محنة الشعب الارتري ، وطفحت معاناته حتى بلغت مبلغا لا يقايس ، محنة ذات وجهين واضطهادين : ظلم وقهر واضطهاد يمارسه بحقه نظام اسياس القمعي ، ووجه آخر للاضطهاد الذي تقوم به عصاباة الاتجار بالبشر الممتدة إقليميا ودوليا والتي تبتز الشعب في دمه وماله وعرضه ، وتقتات على معاناته في هروبه ولجوئه ويغذيها النظام الذي تجرد من انسانيته وانتمائه لهذا الشعب .
في سياق هذه الأحداث الكبيرة والمؤلمة مما يمربه الشعب الإرتري من ظلم واضطهاد واعتداء بالغ من نظام القمع والإرهاب في ارتريا الذي لم يدخر وسيلة من حبس وقتل وتشريد ، مع صمت دولي موحش تجاه جرائم هذا النظام ومحنة هذا الشعب الصابر الذي يروح ضحية المصالح والتوافقات الدولية والإقليمية ، ومنذ فترة التحرير وتضحياتها العظيمة لم يجد فرصة ليكفكف جراحه ويلملم آلامه . ولكن يبدو أن أنات وآهات هذا الشعب الصابر بلغت بعض آذان المجتمع الدولي وانتبه لمشاهد الموت على البحر والصحاري والهجرة المزعجة لأوروبا العابرة للقارة ، فنقلت المحنة من داخل القطر إلى البحر ، ومن القرن الإفريقي إلي أوروبا ؛ فحتم الموقف أن تتحرك لجنة تقصي الحقائق لتقف على أطراف القضية وتتعرف على الضحايا ، فجمعت غيضا من فيض من مشاهد وشهادات الجرائم ، فكان تقريرها في أولياته يكشف عن الجريمة والانتهاك البشع وفضح آثار النظام .
كان دور لجنة تقصي الحقائق في كشف وتوثيق الجريمة والانتهاكات هاما باعتبارها لجنة دولية ولأول مرة يتم فيها النظر والتحقيق في الانتهاكات ، رغم أن المنظمة الدولية لم يغب عن علمها الجرائم والانتهاكات التي وقعت ، ولا النظام الذي يبطش بشعبه ؛ ولكنها لما طفحت إلى السطح وأزعجت كان لا بد من الوقوف عندها ، وهناك جهات يقلقها ملف المظالم والانتهاكات وتدفعها إنسانيتها للعمل على كشفها ، وأخرى لها مصالح في ردمها وقفلها وعدم إثارتها ، وهي جهات لها تأثيرها الكبير على المشهد السياسي والقانوني والإنساني ، ولعل مبادرته الآن بالزيارات التي تقوم بها النرويج وبريطانيا لإرتريا ، وتعتبر هذه المهلة الممنوحة للجنة تقصي الحقائق فلتة وخاصة التمديد الزمني الممنوح لها
حقيقة الجرائم والانتهاكات التي تم كشفها ، أدت إلى حراك وحشد شعبي وشبابي وتضامنت معه القوي السياسية ، ودوت الحناجر لإعلان بشاعة المظلومية ولفتت الرأي العام العالمي ؛ فكان تضامنا وتضافرا وهبة جماهيرية وشبابية حاشدة ، ووقفت القوى السياسية والمدنية وكان نوعيا وغير مسبوق . رغم أن الإعلام لم يعطها حقها عرضا وتحليلا ، ولكن ليس هذا كل الحجم ولا كل الحشد ولا كل الدور ، وإنما هناك الكثير الذي يجب عمله مما يدعو إلى المضاعفة في الحشد والوقفة الحازمة وعدم التوقف ؛ لأن العالم لا يسمع إلا للصوت القوي والعالي ، والقضية لم تنته بعد ومازال الجلاد يعمل .
وما يسترعي انتباه ويلفت نظر الجماهير والشباب والقوى السياسية والمدنية بأن الشهادات والإفادات لم تكتمل بعد وقليلة جدا بالنسبة لحجم الجرائم والانتهاكات ، وكثيرون ممن وقعت عليهم الانتهاكات والمظالم لم يصلوا إلى اللجنة ، وكثيرون موتى وضياع فاقدون من يروي قصصهم ويشهد على محنتهم ، وآخرون شهود على فظائع ومواقف ممن كانوا على مواقع مسؤولة قريبة أو بعيدة ، قائمة كبيرة ممن خرجوا بما أملاه عليهم ضميرهم الوطني وواجبهم الانساني في أن يبتعدوا عن أوزار وأحمال هذا النظام فإن الواجب لم ينته فإن لهم دور هام في كشف الانتهاكات والضحايا ، وكل هؤلاء يملي عليهم الواجب والمسؤولية والمحنة الكبيرة الواقعة على الشعب الارتري أن يقوموا بدورهم لكشف الحقائق ودفع المظلومية ، وإيقاف الجلاد من طغيانه وتقليل قائمة الضحايا الذين ينتظرون دورهم ، فإذا وصلت شهادات وإفادات بحجم الانتهاكات والمظالم إلى لجنة التقصي لتكون موثقة ومدعومة بحشود شعبية كبيرة فإن القضية تأخذ حجمها في الملفات الدولية ، أو على الأقل يتعذر طي ملفها والسكوت عليها ، ويجب أن تكون القضية حية لتصل إلى نهاياتها ، وأن يكون الشعب بكافة فئاته وقواه مجتمعا ويقظا متحركا يحشد طاقاته ، مستفيدا من الخبرات السياسية والقانونية الدولية التي ترشده في أزقة ودهاليز المنظمات الدولية ، وتساعده في تثبيت مشروعية قضيته وفي تحريك ملفاته وتدفع تحركات النظام المضادة التي تسعى عبر أحلافه .