المجلس الوطني واستعداداته لعقد المؤتمر الثاني
بقلم: محمد جمع سعيد
توالت الأحداث وتلاحقت بوتيرة متسارعة في الفترة الأخيرة لتلوح في الأفق إرهاصات إيجابية تشير إلى عزم قيادة المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي عقد المؤتمر الثاني للعبور بالمجلس إلى بر الأمان وإنقاذه من حالة الشلل التي أصابته منذ ميلاده .
برزت هذه الاستعدادات عقب اجتماع رؤساء التنظيمات السياسية في اكتوبر الماضي ، حيث تم تفويض رئاسة المجلس الوطني بالبحث عن الطرق الكفيلة لعقد المؤتمر الثاني ، وعضد ذلك التصريح الصحفي لرئيس المجلس في فبراير الماضي ، والذي أكد فيه السعي الجاد لقيادة المجلس لتجاوز كل العقبات وتذليلها ، من أجل الوصول إلى المؤتمر الوطني الثاني عبر خارطة طريق واضحة المعالم ، ودعا الجميع إلى التضافر وبذل المزيد من الجهد ، وتجويد العمل التحضيري ، وتحمل المسئوليات في دعم المؤتمر معنويا وماديا. جاء ذلك متزامنا مع ورشة فرانكفورت التي تلاها لقاء نيروبي الذي أقر تشكيل هيئة تواصل بين القوى الوطنية ، إضافة إلى تحركات اللجنة الشعبية للوفاق الوطني والتي تهدف إلى رأب الصدع ولم الشمل ، وهي لا زالت مستمرة تعقد جلسات الاستماع من حين لآخر بين الفرقاء في المجلس الوطني تمهيدا للمؤتمر الثاني العام ، وفي تواصل مستمر لهذه الاستعدادات ، جاء انعقاد السمنار التحضيري لرؤساء التنظيمات السياسية بالمجلس الوطني للتغيير الديمقراطي تلبية لدعوة اللجنة التحضيرية حيث افتتح في الخامس من مارس 2016م تحت شعار : ( فلتتضافر الجهود من أجل إنجاح المؤتمر الوطني الثاني ) الذي يأتي ضمن خارطة التحضير للمؤتمر الثاني ، ويهدف هذا السمنار إلى توافق التنظيمات السياسية حول مسودات الوثائق وكيفية إجراءات عقد المؤتمر تنظيما وتمويلا
لا شك إنها خطوات جبارة تبعث الأمل ، وتعبر عن عزم وإصرار لتحدي الواقع وتجاوز الماضي ، وهي ضرورة لا بد منها استجابة لرغبة الجماهير الإرترية العريضة في الداخل والخارج التي تشرئب كل يوم وتترقب مثل هذه البشريات ، وهي خطوة مهمة نحو الاتجاه الصحيح ، فالمؤتمر الثاني قد يكون الفرصة الذهبية للتحول نحو الأفضل والتخلص من كل العاهات وتلك الأزمات التي ألمت بالمجلس منذ ميلاده ، فأصابته بالشلل والركود في مهده وعهد عطائه .
نعم هي علامة التعافي وإطلالة نحو الأمل لإكمال مشوار البناء ، وترميم البيت الداخلي للمعارضة الإرترية ؛ لننطلق معا متحدين ومترابطين إلى الهدف الأكبر والغاية الأسمى ، وهو تخليص الشعب الإرتري ، وإزاحة النظام الجائر الذي اغتصب الأرض ، وانتهك كرامة الانسان في البلاد .
وهي نقلة نوعية ولحظة تأريخية يتوجه فيها المجلس إلى جماهيره ، طالبا يد العون لتجاوز المحنة وتلافي الماضي بما فيها وما عليها من مآسي وجراح ، وأعوام عجاف لم تنجد مكروبا ، ولا متغيثا ملهوفا يتأوه ، ولن يكون ذلك إلا بتجاوز القضايا العالقة عن طريق الحوار ، وإرساء مبادئ الوحدة والتعايش .
كيف لا وهي استعدادات تتناغم وتتلاحم مع مطالب الشارع الإرتري بفئاته والوانه المختلفة ، التي ظلت تدعو المجلس للكف عن إهدار الوقت وتضيع الفرص ، فالقضية أكبر من ذلك بكثير ، ما يحتم على الجميع التحرك السريع لإنقاذ الشعب الإرتري الذي مازال يدفع الثمن باهظا قتلا وتشريدا وظلما وانتهاكا كلما أطل فجر يوم جديد.
وأخيرا هي إشارة إنذار وتحذير للذين يقفون أمام المجلس ، ويسعون إلى عرقلة الجهود الرامية لتحقيق عقد المؤتمر الثاني بأن إرادة الشعب هي الغالبة ، وأن الشعب الإرتري عازم على مواصلة المشوار وتخطي الكبوة مهما كان الثمن ..
إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بد للحق أن ينتصر
ولا بد لليل أن ينجلي *** ولا بد للقيد أن ينكسر
وإذا ما طمحت إلى غاياتي *** ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
وحتى لا نداعب الأحداث بأنامل الأمل فقط ، دعنا أخي القارئ نلقي معا نظرة سريعة إلى الحقائق والأحداث التاريخية ، حتى نستوعب الجوانب والأبعاد الكاملة لهذه الصورة الضبابية التي لازمت المجلس الوطني منذ البداية ؛ لندرك معا مواطن الخلل ، ومن ثم نبحث عن عوامل النجاح وفقا للحقائق والإمكانيات التي لدينا لنحلق ، بعيدا عن الفشل ، ونغرد مع الأمل واقعا بين أيدينا .
أخي القارئ فمنذ عقدين أو أكثر ظلت فكرة توحيد العمل الإرتري المعارض من أجل إسقاط النظام حلما مرتقبا ، وغاية استحوذت على أغلب المداولات وكافة المؤتمرات التي عقدتها القوى الإرترية ، الساعية إلى التغيير وإقامة دولة الحقوق والمؤسسات في إرتريا ، حيث تم إنشاء التجمع الذي تطور إلى التحالف الديمقراطي ، ثم جاءت مرحلة الحوار الوطني في العام 2008م ، وبعد مرور عامين انعقد ملتقى الحوار الوطني الذي مهد لمؤتمر أواسا والذي انبثق منه المجلس الوطني للتغيير الديمقراطي بحضور 600 عضوا في نوفمبر 2011م .
لا شك كان الهدف وما زال من وراء هذه التجربة توحيد صف المعارضة من أجل إسقاط النظام في إرتريا .
فقد نجحت المراحل الأولى من هذه التجربة في الشق الأول من الهدف ، حيث استطاعت المعارضة تكوين وإعلان التحالف الديمقراطي في العام2005م الذي وصف بأرقى درجات التنسيق بين أطراف المعارضة الإرترية في تلك الفترة ، ولم يتوقف قطار التجربة بل جاءت فكرة إنشاء كيان أكبر يسع كافة الشرائح السياسية والمدنية في تطور لافت انتظره الجميع ، ووجد تفاعلا شعبيا وتأييدا واسعا بين الجماهير الإرترية في أنحاء العالم ، في الوقت الذي أرهب النظام وأربك عملاءه في كل مكان ، ولكن لم تكن مجريات الأحداث تؤكد على ذلك داخل أروقة المداولات في أواسا ، حيث اتسمت غالبيتها بإثارة القضايا الخلافية العميقة والنقاشات الانصرافية وأخرى طائفية تشكك في أعمال التحضيرية ، وعليه لم يستطع المجلس الوليد التحدي والصمود ، وظل طيلة هذه الفترة عاجزا لا يحرك ساكنا ، وصار الهم الأكبر لمن هم عليه الحفاظ على هذا الكيان ، وبذل الجهود الجبارة التي أفضت إلى هذه الاستعدادات والتحركات الإيجابية التي رحبت بها جهات عديدة حتى الآن ، وهذا أمر طبيعي ، فالمجلس وإن اعترته بعض المشاكل يظل هو الإنجاز الذي لا يمكن التفريط فيه ، فهو جهد تراكم عبر السنين ، وهو ضرورة لا مفر منها ، والشعب الإرتري يعي ذلك تماما ، ولن يسمح لأي كائن للنيل منه أو السعي إلى إنهائه وتدميره ، الأمر الذي يحتم على الجميع بما في ذلك كافة القوى السياسية و الجماهير الشعبية والمنظمات المدنية بأن تكون على قدر التحدي ، والعمل من أجل تخطي كل العراقيل ، وتجاوز الأزمة القائمة بكل أبعادها وأطرافها عبر المؤتمر الثاني المزمع انعقاده في مايو القادم .
وهنا أود الإشارة إلى أنه ومن خلال هذه المحطات التاريخية يتضح جليا بأننا أمام ظاهرة لم نكن نتمنى حدوثها ، ولكن شاءت إرادة الله ذلك ، وهو أمر متوقع في مسيرة البناء وترميم البيت الداخلي ، وتقريب وجهات النظر المتباينة ، ولكن يجب التعامل مع هكذا أحداث بحرفية تامة وسرعة وابتكار ، حتى لا تتطور وتتشعب فتصبح معضلة ومعولا للهدم ، بدلا من البناء والتحول نحو الأفضل ، وهذا ما يؤكده الباحثون ، حيث تعتبر الأزمة في لحظة تحول مصيرية وفاصلة بين الموت والحياة ، وبين الحرب والسلم ، وبين الفشل والنجاح ، وهي مرحلة تحول قد تحمل تغييرا جوهريا ومفاجئا تستدعي قرارا حاسما يؤثر في مجرى الأحداث ، ويكون عنصر الوقت أساسا في فعالية القرار ، وعادة ما تحتوي المشكلة على أبعاد سلبية وأخرى ايجابية ، فعلي سبيل المثال يعد التشويش وإشاعة الفوضى ، وقتل الأمل في نفوس الناس ، إضافة إلى الركود والارتباك ، والصراع والتنافس نوع من الجوانب السلبية ، ويأتي التعاون وإشاعة الأمل ، وتجنب التثبيط ، والبحث عن فرص وحلول واضحة ، وابتكار أفعال جديدة أكثر كفاءة ، إضافة إلى الضغط الخلاق ، وإقامة التحالفات القوية في مقدمة الأوجه والأبعاد الإيجابية لتجاوز المشكلات .
وديننا الحنيف يدعونا بالتوجه إلى الجوانب الإيجابية ، واللجوء إلى الله ، والرجوع إليه في معالجة الأزمات ، معتبرا ذلك منحة ربانية ، وفرصة للإصلاح ، وتنقية للنفس ، قال تعالى : ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ ، وقال تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ ، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام : ﴿ عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ﴾ .
فالرجوع إلى الله عز وجل والتوجه نحو الأبعاد الإيجابية هو المنهج الرباني لتجاوز الأزمات والمشكلات . وقطعا لن يكون ذلك بإهدار الوقت ، وتضييع الفرص والمكتسبات ، إنما يكون بالتحرك الإيجابي ، والتلاحم الشعبي والجماهيري ، وبالدعم المادي والمعنوي القوي ، حتى لا نسمح للنظام وأعوانه وكل المتربصين بمشروع التغيير في البلاد تحقيق أغراضهم ومبتغاهم .
ختاما نأمل أن تكتمل هذه الاستعدادات بالنجاح ، وأن يستمر الحوار مع كافة الأطراف من أجل الوصول إلى المؤتمر الثاني ، ونحن أكثر تماسكا واستعدادا لتحقيق التعاون والتنسيق ، حتى يستطيع المجلس التخلص من كافة العراقيل والمعيقات ، ويكون هذا المؤتمر جسرا نعبر من خلاله إلى بر الأمان ، لينطلق المجلس الوطني مجددا من محطته الثانية نحو التغيير المنشود وتحيق للغرض المقصود بإذن الله .