ضعف فاعلية قوى المعارضة الإرترية الأسـبـاب .. والحـلــول

ضعف فاعلية قوى المعارضة الإرترية 

الأسـبـاب .. والحـلــول

بقلم : أبو الحارث المهاجر

ما هي أسباب ضعف فاعلية قوى المعارضة الإرترية ؟

وما هي الحلول التي وضعت لها ؟

وهل توجد الخطط البديلة ؟

عندما نريد الحديث عن أسباب عدم فاعلية قوى المعارضة الإرترية والبحث عن الحلول لها يجب أن نستصحب الوضع الجيوستراتيجي الذي تعمل من خلاله . وذلك لكي نتمكن من التشخيص السليم لأزمات المعارضة إنطلاقاً من الواقع.

ومصطلح الفاعلية هي عبارة عن قياس للأداء ، فعلى الرغم من تنامي الجهود لدى الباحثين في الوصول إلى أعلى مستويات الأداء، إلا أنه لا يوجد تفسير معياري لما يُقصد بمعدلات الأداء العالي أو لكيفية الوصول إليها . لذا ونحن نبحث عن فاعلية لقوى المعارضة الإرترية لا بد من الاطلاع على وجهات النظر المختلفة في هذا الصدد ،  لكي تساعدنا في تحقيق تلك المعدلات والفاعلية العالية في الأداء. ولعل هذا ما يحدد ملامح الفاعلية والتي تُعرف بـ ( وصول المنظمة إلى الحدود القصوى من الأداء). ومن أفضل الكتابات العلمية في تحديد مفهوم الفاعلية التنظيمية ما أورده كل من هيرمان و رنز  (Herman & Renz) اللذين حددا تسعة افتراضات أساسية في طريق تحقيق مستويات عالية من الفاعلية.

الفاعلية التنظيمية في حقيقتها عبارة عن مجال حيوي للمقارنة والمقاربة ، فالمحدد لفاعلية التنظيم هو مقارنة أو مقاربة أدائه بغيره من الممارسات المتميزة . ومفهوم الفاعلية التنظيمية متعدد الجوانب والأبعاد ، ولا يمكن مثلاً قياس الفاعلية التنظيمية لأي تنظيم من خلال مؤشر أداء واحد . والقيادة في الكيان السياسي هي من يصنع الفارق في الفاعلية التنظيمية .

فقد وجد في العديد من الدراسات أن هناك معامل ارتباط عال موجب بين فاعلية القيادة والفاعلية التنظيمية.  الفاعلية التنظيمية هي بناء إجتماعي محيط بالتنظيم .  والفاعلية في الأداء يتطلب إنتهاج ممارسات إدارية سليمة .

وانطلاقاً من هذا ولتحديد مؤشرات الفاعلية لأي كيان لا بد من الوقوف على مجموعة من القدرات الأساسية لإدارة الأداء فيها بصورة فاعلة ، ولعل أولى هذه القدرات تتمثل في القدرة الاستراتيجية ، وتتضمن القدرة على المحافظة في أدائها والتكيف مع المتغيرات الحادثة في البيئة الخارجية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الوعي بالتغيرات وقياس الأداء المستمر ، وتبرز القدرة القيادية كثاني القدرات المهمة في تحديد فاعلية التنظيم ، وتتمثل هذه القدرة في تحديد وجهة التنظيم (الهدف)، ومن ثم اصطفاف أنشطتها وتوجيه مواردها بغية الوصول إلى تلك الوجهة (الهدف) ، ومن ثم تبني برامج نوعية محفزة لتحقيق تلك الرؤية وإزالة المعوقات والمشكلات التي تعترض السير نحو الهدف المحدد . ثالث القدرات تتمثل في القدرة الإدارية ، وتُعنى بضمان الكفاءة والفاعلية في توظيف الموارد المختلفة من خلال تنسيق وتنمية تلك الموارد واستغلالها الاستغلال الأمثل . في حين تأتي القدرة الفنية رابعاً في مسار التحول نحو الفاعلية ، وتشير إلى القدرة على تصميم وتقديم خدمات ذات كفاءة وفاعلية عالية. وأخيرا يتطلب وجود الفاعلية التنظيمية قدرة على التحديث والتطوير، والمتمثلة في قدرة التنظيم على التغيير والابتكار من خلال إنتهاج أساليب تواصل مستمرة مع القواعد وصناع القرار ووسائل الإعلام ، وعكس ذلك في برامجها وخدماتها. 

بناءاً على ما تقدم وباستقراء واقع قوى المعارضة وأحوالها فإن أسباب عدم فاعليتها أحددها حسب تقديري المتواضع بالآتي :

  • ·          فقدان الثقة البينية :

أبرز صفة تتميز بها المعارضة الإرترية هو فقدان الثقة فيما بينها بمختلف ألوان طيفها ، وهذه المشكلة نابعة بأن جميع التنظيمات الإرترية الإسلامية منها والعلمانية إنشطرت من بعضها البعض ، وفي التعامل اليومي الجميع ينطلق بعقلية الخلاف الذي وقع بينهما في السابق ، ولم يتعاملوا بواقع اليوم وما يمليهم عليهم مسؤولياتهم تجاه الوطن ، وإنما يتم التعامل بالخلافات والمرارات السابقة ، وهذا بدوره يؤدي إلى عدم التقدم في أي مشروع عملي ، مما تسبب في عدم فاعلية المعارضة!!

في مثل هكذا الواقع ما العمل هل بالإمكان إيجاد الحل وكيف ؟ في تقديري المتواضع بالإمكان إيجاد الحلول لجميع قضايانا ، فقط إذا توفرت الإرادة السياسية والإستعداد النفسي .

الخطوة الأولى هي الإعتراف بالآخر دون إقصاء والتعامل مع بعضنا بروح الفريق الواحد على ما هو عليه ، وليس بمفهوم وعقلية بما يجب أن يكون عليه.

الخطوة الثانية مطلوب من الجميع الدخول في الحوارات العملية المباشرة بكل شفافية ، وإزالة كل المخاوف والتحفظات البينية التي تكون سبباً في عدم الانسجام بكل وضوح ، واضعين في الاعتبار المصلحة الوطنية العليا ، وتجاوز الخلافات السابقة من أجل مصلحة هذا الشعب والوطن المكلوم.

الخلاصة مطلوب تعزيز الثقة البينية.

  • ·          شخصنة القضايا:

إذا نظرنا في جميع خلافات قوى المعارضة الإرترية لم تكن في البرنامج السياسي للتغيير ، وإنما فقط لمآرب شخصية ، بحيث المطالب والمصالح الشخصية تغلب على جميع قضايا الوطن . القضايا الوطنية المصيرية مرهونة بتلبية المطالب الشخصية والفئوية لبعض قيادات المعارضة ، وأي حراك سياسي مع وقف التنفيذ حتى تلبية تلك المطالب !!

في تقديري الشخصي أي تنظيم أو شخصيات قيادية من المفترض أن لا تتسبب في تعطيل وعرقلة الجهود والتوافق الوطني من أجل المصلحة الشخصية ، ويختزل أي تقدم في العمل السياسي بتلبية مطالبه الشخصية فقط ، وإنما يجب تغليب المصالح العليا الوطنية على جميع المطالب الشخصية والفئوية ، وبذلك بالإمكان أن نخطو خطوات إلى الأمام . وتتعاظم مسؤولية المعارضة في تجاوز خلافاتها مع غطرسة النظام من أجل الإسراع في تخليص الشعب من كابوس النظام وممارساته الإجرامية. فهل تكون قوى المعارضة الإرترية على قدر المسؤولية بتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح التنظيمية الضيقة ؟

  • ·         الضبابية في تحديد الأهداف:

جميع المكونات تتحدث عن أهدافها وهو إسقاط النظام ، ولكن هذه الرؤية تفتقد إلى المحددات ، وتفتقر إلى الأهداف المرحلية وآلياتها ، والكل يتحدث عن عموميات في الأهداف ، وهذا لعمري لا يحقق الطموح المنشود للتغيير وإسقاط النظام . والنتيجة هي وجود هدف محدد ( إسقاط النظام ) مع عدم وضوح الرؤية لتحقيق هذا الهدف . التغيير لا يتأتى بالأماني وإنما بتحديد الهدف مع وضوح الرؤية في الوسائل والآليات ، وبالتخطيط السليم مع إتباع الأهداف المرحلية ( الهدف على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد) للوصول إلى الهدف الرئيس ( الغاية).

قوى المعارضة الإرترية بالرغم من الفرص المتاحة عجزت عن الاستفادة منها ، وهذا ما يبين الضبابية في تحديد الأهداف. من المفترض محاصرة النظام إعلامياً ودبلوماسياً وسياسياً ، وحشد دول الجوار والدول الأقليمية والمجتمع الدولي ضده ، وهذا ممكن القيام به .

فما هي الأسباب التي تمنع المعارضة من مثل هذه الخطوات ، وخاصة التي هي تحت مظلة واحدة ( المجلس الوطني ) ؟ في تقديري المتواضع هناك سببين : السبب الأول : دولة المقر التي لم تدعم المعارضة بالقدر الذي يمكنها من أن تكون على قدر المواجهة ، ولم تسمح للمعارضة بممارسات نشاطات سياسية وإعلامية وعسكرية إلا بمستوى محدود ، بالإضافة إلى سياساتها التي تنتهجها في التعامل مع المعارضة والتي جعلتها في أسوأ مراحلها ضعفاً وانقساماً . والسبب الثاني :هو أن الكثير من القيادات في المعارضة الإرترية يمتهنون المسؤولية والزعامة كوظيفة ، ولا يشعر أحدهم بأنه مسؤول لقوى التغيير ، فهو يحافظ على منصبه من باب الوجاهة الاعتبارية (برستيج) وإستحقاق إنتخابي فاز به ؛ ولذلك لا يوجد تطوير في الأفكار والأداء واستحداث وتفعيل الوسائل ، والعمل على فتح آفاق جديدة في العلاقات ، والبحث عن بديل آخر إضافي لدولة المقر ( ولا أعني الاستغناء ) ، وهذا من أبسط مقومات المفاهيم السياسية أن يكون لديك بدائل في الخطط والاستراتيجيات في العمل ، وهناك قاعدة عسكرية تقول : ( تحديد الهدف البديل ) ، وهذا يستخدم في الأهداف العسكرية المتحركة. والأوضاع السياسة كلها حركة وتقلبات ، وواقعنا في المعارضة ساكن لا حراك له.

عندما نتابع الكواليس السياسية سوف ياتي اليوم الذي تتغير فيه سياسات الحكومة الإثيوبية وبالتالي يتغير موقفها من المعارضة الإرترية ، كما حدث للمعارضة في السودان  بإيقاف وحظر جميع أنشطة المعارضة في أراضيها وإغلاق معسكرات المعارضة وغيرها من الإجراءات التي وصلت إلى حد اعتقال القيادات وأمر مغادرة العديد منهم ، وكان ذلك غير متوقع للعلاقة القوية التي تربط بين الجانبين .

إذا رجعنا قليلاً في أزمة رئيس حزب العمال الكردستاني (التركي) عبدالله أوجلان في نهاية تسعينيات القرن الماضي ، وكيف تخلت عنه كل الدول الصديقة والحليفة ، وما زال قابعاً في سجن جزيرة إمرالي . وكذلك موقف الحكومة التشادية في تسوية خلافاتها السياسية مع الحكومة السودانية تخلت وطردت المعارضة السودانية ، وبالمقابل فعلت الحكومة السودانية حيث طردت المعارضة التشادية.

هكذا هي لعبة السياسة ، ولكن السؤال ماذا نحن فاعلون عندما يتغير الموقف الإثيوبي إلى الموقف سلبي ؟ هل هذا الاحتمال يدعونا أن نفكر ونخطط للبدائل قبل حدوث المحظور ؟ أم ننتظر حتى يقع الفأس على الرأس ؟ مع الأسف الشديد تفتقر المعارضة ونحن جزء منها فن التسويق السياسي ، وذلك بالقيام بزيارات مكوكية على بعض الدول لفتح علاقات جديدة مثلاً : هناك كينيا لديها عداء مستحكم مع إسياس أفورقي لدعمه إنتحاريين قاموا بتفجير في نيروبي ، وأيضاً هناك جيبوتي التي تعيش حالة اللا حرب واللا سلم مع النظام الإرتري ، وهنا أتحدث بما يمكن القيام به ولا أتحدث بقضايا يتعذر القيام بها .

وعندما نتحدث عن تحقيق الأهداف يجب أن تكون برؤية شمولية ، تشمل العمل العسكري - الإعلام ـ الدبلوماسية ـ التظاهر وغيرها من الوسائل . العمل العسكري يصبح من الخيارات المهمة في مواجهة نظام دكتاتوري يتنكر لحقوق الجميع ، ولا يحسن التفاهم إلا بلغة الرصاص والبندقية . لكن تظل هناك عدة عوائق تتمثل في (النضال بالمراسلة) ؛ لأننا نعيش خارج حدود الوطن ، والإفتقار إلى حاضنة جماهيرية داخل الأراضي الإرترية مع الغياب التام للناشطين .

العمل العسكري ضد نظام مستبد يسيطر على جميع مكتسبات الدولة يحتاج إلى دعم وتمويل قوي ، وقوى عسكرية محترفة متدربة على فنون الحروب غير تقليدية. وإلى خلفية موافقة لانطلاق العمل العسكري .

ولكن لدينا وسائل لم يتم تفعيلها مثلاً هناك عجز واضح في استخدام سلاح الإعلام ، وهو سلاح مهم ومؤثر ومتاح لا توجد به كثير من العوائق . وهذا بدوره يساعد في تثقيف الشعب في الداخل ، ويمكننا من التواصل معه ، وكسر الحاجز الذي إستطاع فرضه النظام الإرتري بين الشعب الإرتري في الداخل والخارج ، الشعب في داخل إرتريا يسيطر على فكره وتوجهاته بآلته الإعلامية ويحاول أن يصور له شعب الخارج بأنهم عبارة عن عملاء لإثيوبيا على وزن (نحن شعب وانتو شعب ). بالإضافة إلى تحريك عدد من الملفات الهامة ضد النظام كملف المعتقلين ، وملف الجانب الإنساني ( اللاجئين في السودان وإثيوبيا واليمن) ، وتفعيل ملف لجنة تقصي الحقائق الأممية ، والسجل الإجرامي والحروب الحدودية مع دول الجوار وغيرها.

هناك مشكلة مجتمعية في ظني وهي تتمثل في التسرع لخطف الثمار، ونحن في العمل السياسي نعتقد أن خطوة واحدة كافية للوصول إلى الأهداف المحددة. والحراك السياسي حتى يحقق أهدافه بعون الله يحتاج إلى صبر ومصابرة وجهد مستمر بدون كلل ( سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري ) مع المتابعة المستمرة والعمل الدؤب.

الخلاصة الهدف يجب أن يكون محدّداً وليس فضفاضاً، وأن يكون واقعيّاً ، قابل للتحقيق، وقابلا للقياس ، والهدف كلّ شيء عظيم مرتفع، وهو الغرض والمقصد القريب الموصل إلى الغاية ، فالغاية المقصد البعيد، والهدف المقصد القريب.

 وبالله التوفيق ..

abualharrith@gmail.com 

 
23-06-2016
Print this page.
http://www.al-massar.com