تعد الثورة العربية أجل حدث وأعظمه في تاريخ العرب المعاصر، بل هي من الملاحم الكبرى التي لا عهد للأمة بمثله إلا في ثوراتها على الاستعمار الأجنبي في القرن الماضي، وتكمن خطورة الثورة العربية المعاصرة في اتساع خريطتها الجغرافية فهي تمتد من الخليج إلى المحيط في مساحة 14 مليون كيلو متر مربع، وفي اتساعها الديمغرافي فهي ليست ثورة شعب في قطر كما حصل في السودان ضد النميري، إذ ظلت ثورة سودانية قطرية، بل هذه الثورة ثورة أمة يبلغ تعدادها نحو أربعمائة مليون نسمة، كما إنها تقع في منطقة هي الأهم والأخطر عالميا من حيث سيطرتها على الممرات والمضائق المائية، ومن حيث كونها الأغنى بمواردها وثرواتها خاصة النفطية، فهي شريان النفط للعالم كله، ومن حيث إنها منطقة تحد حضاري تاريخي للغرب الاستعماري!
وما زالت الثورة العربية في بداياتها حتى في الدول التي جرت فيها ونجحت كتونس ومصر، أو التي ما تزال تجري فيها كليبيا واليمن وسوريا والمغرب والجزائر، أو التي تعيش إرهاصاتها ومخاضها كالسعودية والأردن وعمان ودول الخليج الأخرى..
وتحتاج هذه الثورة إلى عقد من الزمن حتى تؤتي ثمارها وتحقق أهدافها المرحلية..
وإذا كانت هذه الثورة قد أشغلت العرب بل والعالم كله إعلاميا وسياسيا وثقافيا، فإن ما بعد الثورة سيكون الأشد خطرا والأعظم أثرا، ألا وهو تشكل النظام العربي البديل بعد سقوط النظام القديم برمته..
وإذا كانت هذه الثورة شعبية جماهيرية قامت بها الأمة بكل مكوناتها وفئاتها وطبقاتها وتياراتها، وشارك الجميع في صناعتها، فإن لكل ذلك استحقاقاته التاريخية التي لا يمكن تجاوزها، فليست كالثورات العربية التي قامت في وسط القرن الماضي، إذ تلك انقلابات عسكرية لم يكن للشعوب يد فيها، فكان لها استحقاقات لمن بادروا بها وكان للقوى الدولية آنذاك يد فيها، وكانت الأمة خارج نطاق التأثير في مجرياتها ومآلاتها التي انتهت إليها..
إن الثورة اليوم تواجه تحديات تاريخية كبرى، وإرثا خلفته لها أنظمة حكم فاسدة، بل عصابات إجرامية، اختزلت الشعب ومصالحه والدولة كلها بمؤسسة الحكم، ثم اختزلت السلطة بالحزب والمجموعة والجماعة والقبيلة الحاكمة، ثم اختزلت كل ذلك بأسرة الرئيس والملك والشيخ، وانتهت إلى استفراد مطلق بأيدي طغاة كانوا أشد خطرا على الأمة من عدوها الخارجي، حيث فرطوا في سيادتها وكرامتها واستقلالها وثرواتها واستقرارها مقابل بقائهم في السلطة!
(لتفاصيل مراجعة قسم المقالات)