في الحوار الذي أجراه في وقتٍ سابق مع موقع المسار نائب رئيس المؤتمر الإسلامي الإرتري الشيخ أبوياسين إبراهيم سعيد مالك يتحدث عن الحالة التي تجمع بين القوى الإسلامية والوطنية حيث يؤكد الشيخ حفظه الله بأن ما يجمعها أكثر من الذي يفرقها. وبخصوص الحراك الجماهيري على قرار الثورات العربية ألمح الشيخ على المعارضة إذا أرادت الفاعلية عليها أن تستلهم آلياتها من وحي الثورات العربية . وفي الصراع الدائر من قِبل الشعب الإرتري لإسقاط النظام الحاكم في أسمرا أكد الشيخ بأن الصراع هو ضد منظومة إستبدادية تحكم البلاد والعباد وليس ضد شخص بعينه ، وطالب قوى المعارضة بضرورة إرساء القيم والعدل والحرية والكرامة وتعميم هذه المفاهيم وإحيائها بين الشعب الإرتري بحيث يعرف إلى أين هو ذاهب . وما يتعلق بالسلم الأهلي والتعايش الديني أكد الشيخ على أنه يراهن على الشعب الإرتري كثيرا إعتماداً على نماذج من تاريخه الناصع في وحدته وإحترامه لها وتلاحمه أمام المخططات الخبيثة من المستعمرين سابقاً . والى تفاصيل الحوار للحلقة الثانية والأخيرة.
• المسار: هل تعتقد أن قوى المعارضة الإسلامية والوطنية لها نضج سياسي تستطيع من خلاله التعامل ومعالجة كل القضايا الشائكة التي زرعها النظام بعد الإطاحة به ؟
نحن في المؤتمر الإسلامي الإرتري لا نريد أن نصدر تقييمات وأحكام فقد تجاوزنا النظر إلى الآخر بالسلبية والدونية ، تلك الحالة المرضية للهزيمة النفسية التي تنعكس إلى تضخيم الذات وبرامجها للتعويض بتقزيم الآخر ، ولكن سوف نطرح ونقترح برامج وندعوا إلى تفعيلها وتنمية المفاهيم المشتركة ، ومن يتمتع بالنضج والكفاءة والمسئولية يستلهم البرامج ويطرح الحلول والمعالجات بالحيادية والمنطق ، والذي يجمع المعارضة في نظرنا أكثر من الذي يفرقها سواء كانت إسلامية أو وطنية .
• المسار: هناك تخوف وهواجس للعنصر المسيحي من الإسلاميين في إرتريا هل من رسالة توجهونها لهم ؟
التخوفات والهواجس مشتركة ، والدواعي والأسباب موجودة ، ولكن الحنكة الإرترية والسلم التاريخي بينهم ثم ابتعاد المعارضة بشقيها المسلم والمسيحي عن التأسيس لتسييس هذه الملفات والذهاب بها أبعد يعتبر طريقا لتحقيق الأمن والسلم وطمأنة الهواجس والتخوفات وقفلا للأبواب في وجه الأطراف التي تزرع هذه الصواعق والألغام من الخارج أو الداخل ، وأنا أراهن على الشعب الإرتري كثيرا اعتمادا على نماذج من تاريخه الناصع في وحدته واحترامه لها وتلاحمه أمام المخططات الخبيثة من المستعمرين سابقا ، كما تلاحم في مرحلة النضال الوطني ولم يستجب للإقتتال بين الفصائل المتقاتلة بصفة دينية أو قبلية أو إقليمية ، بل جعلها حرباً فصائلية وخلافات أفراد وتوجهات .
• المسار: إذا انتقلنا إلى صعيد المعارضة الإرترية بالرغم من كثرة عدد تنظيماتها إلا أنه لا نرى تغييراً يجري على الأرض في تقصير عمر النظام ، هل هذا العجز يرجع إلى ضعف المعارضة في التعاطي مع الأهداف أم قوة النظام ؟
فلسفة التغيير وفلسفة الإسقاط وتداعياتها ونتائجها فلسفة معيبة فكراً وممارسةً تعيق وتقضي على فلسفة التغيير الجذري والشامل ، وهي دعوة مستفزة وغامضة الأهداف وفيها شخصنة المبادئ ، فلو نظرنا ورجعنا قليلاً هل كان محمد صلى الله عليه وسلم يريد إسقاط أبو جهل وأبو لهب والوليد بن المغيرة كأفراد ، أم كان يريد التغيير لمنظومة خولت وهيأت لصعود هؤلاء ، وللإجابة على ذلك فأبو جهل لم يكن مستهدفاً ومقصوداً لذاته في المقام الأول بل كان مرشحاً لحمل برنامج الإصلاح بتمكينه منه وإلإهامه له كأي فرد عاد ليهلك عن بينة ويحيى عن بينة مما يدل على الحوار الطويل والمتجدد لأن طبيعة هذا التغيير أكبر من إسقاط الأفراد ومن التشفي والأحقاد ، لأنه إحلال قيم العدل والحق والحرية والكرامة للإنسانية وإحلال مفاهيم العبودية لله والإيمان به والكفر بالجبابرة والطغاة ظاهراً وباطناً ، ولذا يجب أن يكون السؤال هل أرست المعارضة هذه القيم وجعلت من الصراع صراع القيم والعدل والحرية والكرامة وعممت هذه المفاهيم وأحيتها بين الجمهور الإرتري بحيث يعرف إلى أين هو ذاهب وماذا يريد أن يحقق من وراء هذا الصراع ، وعندما ندرك الحقيقة نستطيع أن نحكم بالضعف والعجز والإخفاق اعتماداً على إدراكنا بالواقع .
فالنظام كغيره من الأنظمة المستبدة والأحزاب الاقصائية يرى أنه المؤهل والأمين على الوطن والشعب قاصر لا يدرك ومحجور عليه والمعارضة خونة ومرتزقة متكئاً على مقولة حفظ الوطن وأمن الوطن ، والمعارضة لا زالت معارضة تقليدية تعتمد على الموالين ، استطاع النظام أن يحجمها ويفقدها الفاعلية كغيره من الأنظمة مع المعارضات التقليدية ، فإذا أرادت المعارضة الفاعلية عليها أن تستلهم آلياتها من وحي الثورات العربية فإن الشعوب التي كانت سلبية مع المعارضات التقليدية استجابت لنداء الحرية والكرامة في ساعات وحسمت المعركة في أيام عندما أيقنت أن جهودها في أيد أمينة ونظيفة استرخصت الدماء وفاجأت الحكام وأزلامهم للتغيير الجذري والشامل وكنست الأنظمة ورمت بها في مزبلة التاريخ ولا يزال الباقي يعاني من سكرات الموت ويقتل الشعوب ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
• المسار: الشعوب العربية تعيش هذه الأيام عصر الثورات الشعبية التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية ، كيف تقيمون هذه الثورات ؟ وهل ما يحدث من السيناريوهات في ليبيا واليمن وسوريا سوف يتكرر إذا ما انتفض الشعب الإرتري ؟
لا شك أن ما يحدث في العالم العربي من الثورات المباركة شيء خارج التوقعات وفوق الدراسات سواء في حدوثه أو توقيت زمانه أو كيفية إدارته أو في مطالبه ومشروعاته وآلياته ومآلاته ونتائجه ، وهي إعلان بشرى لهذه الشعوب المقهورة والمنهوبة تجلت فيها قدرة الله وسرعة انتقامه من أهل الفساد ونزعه لملكه وتجريده ممن تعاظموا على الله وخلقه ، وتحولوا إلى الآلهة ومثلوا أقسى وأفسد أنواع الطغاة أذله الله بين عشية وضحاها وانكشفت أمام أعينهم حقارة الدنيا التي عظموها قبل حقارتهم على أنفسهم وأزلامهم ، وأن المشاهد لينظر بعين الإشفاق ويقف حائراً ويتساءل هل ولى عصر الاستبداد واللصوص حقا وآذن بتمزيق ممالك الكرتون والعملاء ، وهل تأهلت الشعوب ووصلت حالة من النضج للمحافظة على معاني هذا التغيير الكبير وملكت مستقبلها لإدراة نظام الحكم وتداوله عن طريق السلم وتقسيم الثروة والسلطة على الوطن والمواطنين .
نعم كم أكون قلقاً عندما أرى بأم عيني تداعي الأمم على الأمة العاجزة فكراً وممارسةً في حفظ هذه المخزونات الضخمة من الاحتياجات البشرية التي أودعها الله فوق وباطن بلادنا مع عجزنا عن حراستها وإدراتها ، وأقول هل يمهلوننا حتى نرتب أوضاعنا ونرسم مستقبلنا ، أم أن الفرص ستفلت من أيدينا ونواجه مصيراً جديداً أكثر قتامةً يبدد أحلامنا وآمالنا في التغيير الحقيقي والمستقبل الزاهر لرفعة أمتنا وتقدمها ، وأناشد كل المهتمين الذين ينشدون الخلاص أن يساهموا ويشاركوا بأي جهد من الجهود وأن يأخذوا زمام المبادرة بدون تأخير مع هذه الشعوب التي يتحملون نصيبا من آلامها ومآسيها ، فمن كان له علم فليخرجه ، ومن كان له فكر فليبثه وينشره ، ومن كان له تجربة فليقدمها .
للتواصل والإقتراحات :al-masar@al-massar.com