- الحركة الجهادية مهمتها الحفاظ على الهوية الإسلامية والدفاع عن الحرمات.
- الشعب الإرتري مقهور ومغلوب على أمره وهو بين سجين وقتيل وهارب.
تجري " الأمة " هذا الحوار الحصري مع فضيلة الدكتور حسن سلمان المفكر الإسلامي والناشط الإريتري حول الواقع الحالي للمشكلات الإريترية الحالية والممتدة عبر واقع مرير ابتليت به تلك البقعة العزيزة من الأمة المسلمة.
حين عانت من الاحتلال الإثيوبي ثم بعدها من تسنم فئة تابعة للغرب وإثيوبيا آذت الواقع الإريتري بما ربما لم تقدر عليه قوى الاحتلال وتسببت في تشريد كثير من أبنائه
توجهنا بأسئلتنا إلى الدكتور حسن وكان الحوار التالي:
■ارتريا جرح قديم يظن الناس أنه اندمل.. فما هي المشكلة وما أبعادها؟
■■ إن الواقع الارتري الراهن هو امتداد للواقع الإفريقي الذي تحت الاحتلال الغربي حيث تم احتلال ارتريا من الايطاليين ثم البريطانيين، وعندما بدأت حالة التحرر الوطني في عموم الأقطار الإفريقية كان الموقف مختلفاً في الشأن الارتري؛ حيث أخذت المستعمرات الايطالية استقلالها وأما ارتريا فعلق أمر استقلالها بسبب صراعات الدول الكبرى وتم ربط ارتريا فدراليا بإثيوبيا لمدة عشر سنوات وبقرار من الأمم المتحدة ولكن في حقيقة الأمر كان القرار توطئه لضم ارتريا لإثيوبيا قصراً وفعلاً حصل ذلك حيث تم إلغاء الفدرالية من طرف واحد وهو أثيوبيا ضمن ارتريا قسراً وكان ذلك في بداية الستينيات من القرن الماضي وبعد ذلك أعلن الشعب الارتري ثورته التحريرية بقيادة حامد إدريس عواتي عام 1961 م.
وظلت مسيرة الثورة منذ إعلانها تركز على هدف واضح المعالم وهو الاستقلال والحرية ولكن من حيث المنطلقات الفكرية كانت هناك تباينات كبيرة بين الفصائل الارترية ما بين التيارات الوطنية المحافظة والتيارات اليسارية وأدى هذا التباين لحروب طاحنة بين المكونات المختلفة وعلى اثر ذلك انفردت الجبهة الشعبية (الحزب الحاكم حالياً) بالميدان العسكري من حيث السيطرة والنفوذ وكان ذلك بالتحالف مع قوة أثيوبية معارضة آن ذاك وهي الجبهة الشعبية لتحرير تقراي وهي جزء من الحزب الحاكم في أثيوبيا الآن وانفراد الجبهة الشعبية بالميدان أدى إلى اختلالات سياسية وثقافية واجتماعية كبيرة في مكونات المجتمع الارتري حيث العنصر الغالب في الجبهة الشعبية هو العنصر النصراني.
وفي عام 1991 وبعد انهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي حصل انهيار للقوى الإقليمية في كل من إثيوبيا بقيادة منجستو هيلي ماريام والصومال بقيادة سياد بري وتولت الإدارة الأمريكية ترتيب أوضاع المنطقة وذلك بالتعامل مع القوة المتواجدة على الأرض وفي ذات الوقت تضمن المصالح الغربية في المنطقة ومصالح إسرائيل فكان الجبهة الشعبية في ارتريا وجبهة تحرير تقراي وحلفائها في إثيوبيا ومنذ عام 1991 م انفردت الجبهة الشعبية بالسلطة في ارتريا وفرضت أجندتها السياسية والثقافية والفكرية على البلاد ومنعت أي شكل من اشكال التعددية السياسية والحزبية وحاربت بضراوة كل شكل من أشكال الرأي الآخر واعتقلت السياسيين المناوئين لها في الداخل بل وشمل الاعتقال الأعيان والوجهاء ورجال العلم الدين وبالتالي تم ضرب البنية الأهلية والدينية وخاصةً للمسلمين وتحولت البلاد لسجن كبير لأهلها وطاردة لأبنائها ومحطمة للآمال والطموحات وبالتالي حصلت الهجرات العكسية للبحث عن الوطن البديل والخلاص الشخصي ولو بالدخول في المجهول والمغامرة بالنفس كما نشاهده في الهجرات الشبابية إلى أوربا وموت الكثير منهم في عمق البحر أو على سواحل الفردوس المطلوب وهكذا نالت ارتريا استقلالها كدولة ورفع علمها في الأمم المتحدة ولكن الشعب الارتري لم ينل حريته وكرامته ومات في أعماقه الحلم.
■ما علاقة النظام الحاكم بدول الجوار وخاصةً إثيوبيا؟
■■كما ذكرت في السؤال السابق فقد كان النظامان متحالفين منذ الثورة وحتى الوصول للدولة واستمر هذا الحلف عقد من الزمن ثم تفجرت الحرب بين إرتريا وإثيوبيا عام 1998 - 2000 م وحصدت الآلاف من أبناء البلدين ثم انتهت الحرب من خلال اتفاق الجزائر وإحالة ملف الخلاف الحدودي لمحكمة العدل الدولي وبالفعل المحكمة فصلت في الحكم ولكن عند تطبيق الحكم على الأرض حصل هناك عقبات لم يتم تجاوزها وبالتالي صار التوتر هو سيد الموقف بين البلدين وبالأخص هذا الأيام هناك تصعيد وتهديد من إثيوبيا تجاه ارتريا ويبدو السبب الأساس فيها هو المعارضة الإثيوبية التي كانت تنطلق من ارتريا لسنوات فقررت العودة لبلادها والتصالح مع النظام هناك واعترض النظام الارتري سبيل عودتها ووقعت معارك وتم اعتقال عدد من القيادات والجنود الإثيوبيين في ارتريا مما أدى لتصاعد لهجة الخطاب لدى السلطات الإثيوبية.
■هل هناك علاقات مع إسرائيل وما سبب تناميها؟
■■ يعتبر الوجود الإسرائيلي في المنطقة قديماً من الخمسينات في القرن الماضي إبان فترة الاحتلال الإثيوبي بحكم علاقات إسرائيل مع إثيوبيا ثم استمر الوجود الإسرائيلي في ارتريا بعد التحرير وهناك سفارة ووجود اقتصادي وعلاقات دبلوماسية وتعاون في مجالات التدريب والتأهيل وهناك تواجد إسرائيلي في الجزر الارترية.
■كيف ننسى وجود هذه العلاقات رغم إن غالبية الشعب مسلم والمتوقع أن يتخذ نفس العلاقات المعتادة للشعوب المسلمة؟
■■طبيعة النظام الدكتاتوري الطائفي في ارتريا لا تراعي مشاعر الشعب الارتري بشقيه لا في القضايا الداخلية ولا الخارجية وبالتالي العلاقات مع إسرائيل هي علاقات فوقية مع السلطة في ارتريا كما أن الحالة العامة في المنطقة يلاحظ فيها نفس الأمر حيث هناك العديد من الدول العربية أقامت علاقات مع إسرائيل دون أي مراعاة لمشاعر شعبها وبالتالي النظام الارتري يواجه خصومه الرافضين للعلاقات مع إسرائيل بقوله (لسنا ملكيين أكثر من الملك).
■نريد تحليلاً موجزاً عن خريطة القوى السياسية والمؤثرة على الأرض؟
■■ القوى السياسية الارترية المقاومة للنظام يجمعها كيان جامع تلتقي فيه اغلب التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني تحت مسمى (المجلس الوطني الارتري) ويمكن الإشارة إلى أن المكونات السياسية تختلف في رؤاها الفكرية وبرنامجها السياسي ما بين قوى سياسية وطنية محافظة وأخرى ذات طابع علماني وثالثة تقوم على فكرة القوميات والمطالبة بحقوقها الخاصة ورابعة هي التنظيمات الإسلامية والتي تقوم على تبني الإسلام في معالجة المشكلات وتعزز من الهوية الإسلامية والانتماء العربي وهذه الأخيرة لها حضورها السياسي والاجتماعي الفاعل وخاصاً في السودان حيث وجود عدد كبير من اللاجئين الارتريين ولا يفوتني أخيرًا الإشارة إلى الوضع في داخل ارتريا والذي فيه تململ كبير لا يخلو من حراك خاص ولكنه غير معلن.
■نريد إلقاء الضوء أكثر على الحركات الإسلامية داخل وخارج البلد وهل هناك تعامل بينهما؟
■■الحركات الإسلامية في ارتريا جزء من النضال الوطني الارتري وتشكلت في صور متعددة ولكنها منذ بداية التسعينات في القرن الماضي تشكلت في حركة جهادية للحفاظ على الهوية الإسلامية والدفاع عن حرمات المسلمين والمساهمة في عملية التحرر الوطني قبل الاستقلال وظلت بعد الاستقلال هي الجهة الأبرز في مقاومة النظام وعدم التهاون معه بل في بعض المراحل كانت متفردة في المجال العسكري ومع مرور الوقت ظهر النظام بوجهه الطائفي الكالح وانتبه كثير ممن كان يحسن الظن به وانه يمكن ان يقدم حلاً للوطن ومشكلات المواطن ولكن النهاية كانت بناء دولة بوليسية لا مكان فيها للمشاركة السياسية الفاعلية لبناء دولة الحريات والعدالة والمؤسسات بل اختزل الوطن كله في الحزب الحاكم والذي بدوره انتهى لدكتاتورية الفرد وهو رأس النظام وتشكلت على اثر ذلك القوة السياسية المناهضة للنظام كما تقدم.
وتتكون الحركة الإسلامية الارترية من ثلاث اتجاهات وهي :-
1. المؤتمر الإسلامي الارتري بقيادة عبدالله حامد حيليس
2. الحزب الإسلامي الارتري للعدالة والتنمية بقيادة صالح محمد عثمان
3. حركة الإصلاح الإسلامي الارتري بقيادة آدم إسماعيل حامد
وتجمع هذه التنظيمات الثلاثة المظلة السياسية الوطنية الجامعة في إطار المجلس الوطني الارتري وغيرها من المظلات المشتركة وبينها تفاهم كبير حول الهم الوطني والإسلامي وتتعاون في عدة مجالات سياسية وثقافية واجتماعية.
■ما رؤيتكم للحراك الأفضل وفقاً للظروف الداخلية والخارجية الحالية؟
■■ المشكلة في ارتريا معقدة جداً حيث هناك نظام مستبد فاقد للشرعية الدستورية والثورية ومستند للقوة والقمع والعنف وإرهاب الدولة ولا يقبل بأي شكل دور للمواطن في الحياة السياسية - وبين معارضة ضعيفة لم تستطع تجاوز خلافاتها البينية ولا خلق رأي عام اريتري يوفر حالة ثورية للحراك الذي يجب أن يتصاعد لفرض ما يريد كما أن هناك شعب مقهور ومغلوب على أمره في الداخل بين سجين وقتيل وهارب وهذه الحالة مهددة للوطن بالكامل من حيث الوجود وربما منجز ومكتسب الاستقلال ضاع بهذه الطريقة وبالتالي لا بد للقوى الحادبة على مصلحة البلاد في الداخل والخارج من الاتفاق على برنامج حقيقي يلامس الواقع ويركز على المواجهة المباشرة مع النظام وذلك من خلال العمل التنظيمي والجماهيري وبأهداف ثورية واضحة تمهد الطريق لتحريك الداخل الارتري والذي هو عامل أساس في التغيير ومطلوب كذلك عملاً إعلاميًا يبلور الخطاب السياسي للمقاومة ويصنع المناخ الثوري العام ليخرج المواطن الارتري من حالة الإحباط والإرباك ويجعله مبادراً في عملية التغيير وكذلك يتطلب مقاومة النظام عملاً عسكرياً نوعياً لان النظام في ارتريا مبني على القوة العسكرية ولا يؤمن إلا بالقوة وهنا ننبه إلى ضرورة التصحيح اللازم لاستخدام القوة فنحن لسنا في حرب تحرير للتخلص من الاحتلال والذي يكون الشعب كله حاضنة للمقاومة بال نحن في حالة مواجهة مع نظام مستبد دكتاتوري من أبناء الوطن فآليات العمل المسلح تختلف هنا وهناك وكذلك طبيعة الأهداف ودور المحيط المجاور والذي لا يساعد على العمل العسكري التقليدي وبالتالي نحتاج الى نظرية جديدة في العمل العسكري تتلاءم مع طبيعة المرحلة. وختاما يتطلب كل ذلك حراكاً في مجال العلاقات الخارجية لكسب الأصدقاء والحلفاء في المحيط الإقليمي والدولي وضرورة الاستفادة من ملف حقوق الإنسان والتي خطت خطوات مقدره في الفترة الماضية في تطويق النظام ومحاصرته وضرورة ملاحقته القانونية حتى لا يفلت من العقاب ولا يفوتني أن أنبه القوى السياسية إلى حساسية الموقع الجيوسياسي لإرتريا والذي جعلها محال نظر واستهداف دائم وجعل العامل الخارجي لاعباً مهماً في صناعة مستقبلها وبالتالي على المقاومة أن تضبط البوصلة على الشكل الصحيح بين معادلة الداخل والخارج وأي خطاً في ذلك يؤدي إلى كوارث كبيرة على صعيد الوطن ووجوده والمخرج من ذلك هو التفاعل الايجابي بين قوى الداخل المؤمنة بالتغيير وبين القوة المتواجدة في الخارج وذلك تجنيب البلاد ويلات الحروب الأهلية التي تحرق الأخضر واليابس.
http://www.al-omah.com/dialogues/122954-%