الخرطوم أسمرا.. قصة خبرين

 

الخرطوم أسمرا.. قصة خبرين 

تقرير: لينا يعقوب – صحيفة السوداني. 

في وقت شبه متزامن، ظهر في بعض وكالات الأنباء خبران غير مهمين بموازين الإعلام ويمكن وصفهما لدى الصحف المحلية "بأخبار العلاقات العامة"، الخبران يتشابهان في ظاهرهما وأيضا في باطنهما فهما لا يشدان الانتباه كثيرا.. الأول أن مساعد رئيس الجمهورية عبدالرحمن الصادق المهدي التقى السفير الاريتري محمد سعيد منتاي وناقش معه تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين السودان واريتريا خاصة في مجال الصحة والتعليم، وتعزيز علاقات الدولتين، والثاني أن الرئيس الاريتري اسياس أفورقي بحث مع سفير السودان ماجد يوسف العلاقات الثنائية بين البلدين وأكد دعمه وتشجيعه لمساعي تفعيل تلك العلاقات بما يعود لمصلحة الشعبين مشيدا بالتطورات التي ظهرت في بعض المجالات خاصة في التعليم والصحة.

دبلوماسيا لا يشير الخبران إلى شيء غريب، إلا أن أحداثا طفيفة بدأت تظهر في ولاية شرق السودان جعلت البلدين يكثفان من تعزيز علاقتهما حتى لا يظهر أي اضطراب، فمصادر مطلعة أبلغت (السوداني) أن السلطات الأمنية في كسلا ألقت القبض على بعض الأفراد الاريتريين والذين اتضح لاحقا أنهم يتبعون إلى الأمن الاريتري، وتشير ذات المصادر الى أنه خلال الفترة الماضية تواجد عدد من أفراد المخابرات الاريترية في كسلا وسط الجالية الاريترية المقيمة هناك، وذلك بعد أن فتح البلدان حدودهما بعد توقيع اتفاقية قضت بتسيير كل ما يتعلق بحركة البضائع والسلع والرعاة دون قيود، ورفع كافة نقاط العبور التي تعيق مرور مواطني البلدين.

 

وبعد أن ظهرت تلك التوترات غير المعلنة، أشارت مصادر أخرى مقربة من ملف شرق السودان إلى أن وجود أفراد من الأمن الاريتري في كسلا مبرر لخدمة الأجندة الاريترية الثلاث التي تتمثل في رصد حركة الإثيوبيين، متابعة ورصد كل ما يتعلق بملف الشرق نفسه، ورصد أي نشاط للمعارضة الاريترية في الشرق.. غير أن الخارجية السودانية نفت علمها بالحادثة، ردت أيضا على بعض التساؤلات التي طرحتها (السوداني) عبر الناطق الرسمي باسمها العبيد أحمد مروح، بالتأكيد على أن السودان يستبعد أية نوايا سيئة لأسمرا للإضرار بالسودان، بل ذهب لأبعد من ذلك، حينما تحدث عن العلاقات الإيجابية التي تجمع البلدين.
الرئيس عمر البشير وجه أيضا أمس الأول والي ولاية كسلا محمد يوسف خلال لقائه بالقصر الجمهوري بتعميق وتمتين العلاقات السودانية الاريترية. 

 

دعم المعارضة:  

لا توجد أي دلائل على الإطلاق تشير إلى أن السودان يمكن أن يدعم المعارضة الاريترية ولا أن اريتريا ترغب بدعم المعارضة السودانية رغم سعي الحركة الشعبية قطاع الشمال بالبحث عن الحليف السابق "أسمرا"، فالدلائل تشير إلى أن مصلحة البلدين تقتضيان السير فيما هما فيه من تطور ودعم للمشاريع المشتركة، وقد لا تكون تلك الحادثة مسببا لأزمة، إلا أن كثرة الوجود الاريتري في الشرق من شأنه أن يسبب مشاكل لا تتعدى آثاره حدود الولاية.

ورغم أن مجمل الوجود الاريتري في الشرق يكتسب مسمى "لاجئ" إلا أن وجود نشاط اثيوبي في المنطقة استدعى أن يكون هناك نشاط ارتري.. أفراد المعارضة الاريترية على قلتهم لا يوجد لهم نشاط أو أثر في الشرق، وهم بعيدا كل البعد عن الاريتريين المقيمين في الشرق، لذا تستبعد مصادر مطلعة أن يكون وجود أفراد الأمن الاريتري سببه متابعة ورصد حركة المعارضة الاريترية لأن "لا تأثير لها، لا وجود لها"، إلا أن النشاط الإثيوبي وملف الشرق نفسه وتداعياته سبب أساسي في خوف أسمرة من المجهول. 

طرف حياد: 

 

تاريخ البلدين (اثيوبيا، اريتريا) فقط في السنوات الماضية بات ملغوما ومتوترا، الاتهامات بينهما لا تنتهي.. أية حادثة تقع في إثيوبيا تسارع الأخيرة إلى اتهام أسمرا بالوقوف وراءها، آخرها مقتل السائحين الأوروبيين الخمسة.. ولأن وضع الدولتين لا يخفى على الحكومة في الخرطوم، فإنها تحاول جاهدة أن تلعب دورالحياد، ومن آخر المواقف، كان موقف السودان من عقد قمة الإيقاد في الخرطوم، فمسئولو الدولة كانوا على علم تام بأن مستجدات الأحداث الإثيوبية الأريترية ستسيطر على مجريات القمة وعلى السودان أن يتخذ موقفا حولها وهو الأمر الذي كان سيدخل الحكومة في حرج في ظل الأجواء الموترة بين كلا الدولتين، وموقف الحياد كان لا يعجب الطرفين، إلا أن الدول الثلاث تمكنت من تجاوز عقبة قمة الإيقاد، حيث انشغلوا بأشياء أخرى.
ويصف مراقبون علاقات السودان بإثيوبيا أنها الأميز حاليا، ويبدو بصورة جلية أن البلدين اجتهدا كثيرا بأن تصل لتلك المرحلة، كما أنها لا تقتصر على الجانب السياسي وهو الأميز، إنما حتى في الاقتصاد، التجارة، الزراعة، الثقافة ومختلف المجالات، بل إن البعض يشير إلى علاقة الصداقة القوية التي تربط الرئيس عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي وهي إحدى المظاهر التي تدل على ما وصلت إليه علاقة البلدين، بدءا بالقيادة وانتهاءً بالشعب. 

 

الزيارات والاتفاقيات بين الخرطوم وأسمرة بات سقفها مفتوحا، وتسير على قدم وساق، فحتى التنسيق في المجال الأمني أصبح واضحا وعلنيا ويبدو من زيارة وزير الدفاع الفريق أول ركن عبدالرحيم محمد حسين الأخيرة إلى أديس، أن تنفيذ الاتفاق العسكري أحدث دورا إيجابيا في استقرار الأوضاع على حدود البلدين، كما أن عبد الرحيم ونظيره الإثيوبي أشادا في اجتماعهما الأخير بروح التعاون ورغبة الجانبين في تنفيذ بنود الاتفاق كافة.

قوة العلاقة الإثيوبية السودانية كانت سببا مباشرا في استضافة أديس أبابا لمفاوضات دولتي السودان وجنوب السودان، فاثيوبيا استطاعت فرض نفسها على جيرانها الأفارقة ليس بالقوة والسلاح إنما بالتعاون ورفع راية السلام، إلا أن الود مازال مفقودا مع اريتريا.. ويشير بعض المراقبين أنها ليست "غيرة" بالمعنى الحرفي، إنما "البحث عن دور لأسمرا في أو مع السودان أسوة بما تتمتع به أديس أبابا".

خطوات للأمام: 

 

اريتريا كانت كتشاد في فترة من الفترات، العلاقة بينها والسودان متوترة للغاية، فقد صاحبتها شوائب خلال الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في وقت سابق، حيث كانت أسمرا تعتقد أن السودان يدعم الحركات المعارضة الاريترية مما جعلها في المقابل تدعم الحركات المعارضة السودانية وقوات التجمع عبر فصائلها المختلفة، وقتها تمكنت أسمرا من امتلاك كروت ضغط على الخرطوم وتمثل ذلك في دعمها لمؤتمر البجا والأسود الحرة وجبهة الشرق.. لكن البلدين وفي السنوات القليلة الماضية تمكنا من تجاوز الخلافات والمشاحنات السابقة بعقد مفاوضات ضمت الأجهزة الأمنية والسياسية أثمرت عن توقيع اتفاق سلام الشرق.
ومنذ أن طرأ التحسن على البلدين بصورة جادة، لم يعودا خطوات خلف على الإطلاق، وحتى هذه اللحظة مازالت الحكومة تتحدث عن علاقتها بصورة إيجابية وتؤكد أن مثل هذه الأشياء حتى إن حدثت فإنها لن تؤثر على علاقتهما، ويقول الناطق باسم الخارجية العبيد أحمد مروح لـ(السوداني) أن السودان يستبعد أية نوايا سيئة لإريتريا للإضرار به، مؤكد أن علاقة البلدين جيدة وتسير نحو الأمام، وهناك تفاهم بينهما وأشار إلى أن مصالح البلدين تتطلب الإبقاء على مستوى قوي من الترابط.

 

ويتسق مع حديث الناطق الرسمي بعض الوقائع في الشرق، فنسبة الاريتريين الموجودين في كسلا وشرق السودان يمثلون نسبة تتراوح بين 35- 40% من جملة السكان الأصليين، وأعدادهم المقدرة بالآلاف تتطلب ضمان أن لا يتأثر وجودهم بسوء العلاقات مع السودان، كما أن الاستقرار الذي تحقق على الحدود مكن من تنفيذ عدد من المشاريع التي يستفيد منها كلا الطرفين، فافتتاح الطريق القاري بإشراف وتمويل قطر كان من أكبر وأضخم المشاريع التي نفذت في الفترة الماضية، لذا فإن عودة سيناريو الحرب حسب مراقبين، بات أمرا صعبا بعد أن وصل البلدان لهذه المراحل.

ويرى أستاذ العلوم السياسية د. عبده مختار أن علاقة السودان الجيدة مع إثيوبيا يمكن أن تؤثر سلبا على العلاقة مع اريتريا في حالة واحدة، أن يتجاهل السودان علاقته مع أريتريا من أجل أثيوبيا ويحدث عدم توازن دبلوماسي يمكن أن تستغله جهات أخرى، وأشار في حديثه لـ(السوداني) أهمية اريتريا زادت بالنسبة للسودان لأن بإمكانها أن تلعب دورا استراتيجيا مؤثرا بعد انفصال الجنوب. 

وفى كل الاحوال يمكن القول أن أثيوبيا واريتريا حريصتان على بناء علاقة قوية مع السودان، غير أنهما حريصتان أيضا على متابعة أنشطة البلد الآخر، وتؤكد مصادر دبلوماسية أن السودان لن يكون أرضا لمعسكر أفراد الأمن لأي من الدولتين، وأن وقائع كالتي حدثت طالما أنها لم تتكرر، فلن تأخذها الحكومة بصورة سالبة وشددت بأن السلطات الأمنية السودانية قادرة على رصد ومعرفة كل ما يدور في أجزاء من أراضيها، وقالت "السودان يتفهم الأحداث البسيطة ولا يتعجل بأخذها سببا سالبا لأن من مصلحة الجميع، خاصة الجيران أن تكون الأمور مستقرة".

http://www.alsudani.sd/news/index.php?option=com_content&view=article&id=4059:2012-02-29-13-16-22&catid=48&Itemid=112

 
03-03-2012
Print this page.
http://www.al-massar.com