تقرير الأزمات الدولية: (2)
إريتريا: سيناريوهات التغيير المستقبلي
14/ 04/ 2013
ياسين محمد عبد الله
عرض وتحليل
قمع المعارضة:
تحت هذا العنوان تناول التقرير ظهور وتنامي المعارضة الداخلية للنظام من بيان الأكاديميين الـ 13 ، الذي عرف بــ ( منفستو برلين)، إلى مجموعة الــ 15 الإصلاحية والتي تم اعتقال 11 من أعضائها بعد أسبوع من أحداث سبتمبر 2001 في أمريكا حيث استغل أسياس انشغال العالم لتنفيذ الاعتقالات كما أغلق الصحف المستقلة واعتقل عدد كبير من الصحفيين وبدأ قمع الحريات الدينية وقيد حركة المواطنين داخل الدولة وإلى خارجها.
مع أن طبيعة النظام الديكتاتورية كانت ظاهرة للعيان منذ السنوات الأولى لاستقلال البلاد إلا أن هذا العام يمثل نقطة الانعطاف الكبيرة تجاه تعزيز سلطة الفرد المطلقة التي كانت كامنة تحت السطح وارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة ضد كل فئات المجتمع وفي هذا العام وصلت البلاد إلى الطريق المسدود في المجالات كافة.
إزالة الضوابط والتوازنات
تحت هذا العنوان يتناول التقرير وضع القضاء وحكم القانون في إريتريا. القضاة ليسوا مستقلين وتتم مراقبتهم من قبل مكتب الرئيس. وصار القلب من النظام القضائي في البلاد هو المحاكم الخاصة التي أنشئت لمراقبة الخدمة المدنية وصارت الآن تنظر في كل القضايا. جاء في التقرير أن الذي يعملون في هذه المحاكم يتم اختيارهم من منسوبي الحزب الحاكم ومن ضباط الجيش من قبل أسياس ويخضعون للمحاسبة أمامه.
دور الجيش
تحت هذا العنوان يبحث التقرير في دور قوات الدفاع الإريترية. تطورت إريتريا لتكون مجتمع معسكر للغاية شكلته الحرب ويديره محاربون وحيث لا ترتبط المواطنة بالحقوق إنما بالتزامات وهي تعادل خدمة وطنية غير محددة الأجل. ووفقاً للتقرير فقد اُستخدمت الخدمة الوطنية لتعزيز وضع الجيش الذي صار مهماً بشكل متزايد للمحافظة على السلطة والقضاء على المعارضة. واُستخدمت الخدمة الوطنية كمصدر للعمل الاجباري غير المدفوع الأجر في المزارع أو الشركات شبه الحكومية والتي تقع تحت السيطرة المباشرة للجنرالات.
ولضمان ولاء الجيش وليحمي نفسه من المعارضة الداخلية منح الرئيس امتيازات متزايدة لكبار ضباط الجيش وبالتالي خلق الفساد الهائل في قوات الدفاع الإريترية.؟ لقد احتفظ أسياس ونخبته السياسية بالسلطة لكنهم جعلوا من الجيش الحكم الأول في أي انتقال للسلطة في المستقبل.
ويشير التقرير إلى خمس مناطق عسكرية وإلى أن قادتها صاروا الشخصيات الأهم في البلاد بعد أسياس. لكل من هؤلاء القادة سيطرة مطلقة على منطقته مع مراقبة قليلة من المركز. ومع أن كل منهم تحت السلطة المباشرة للرئيس الإ أن أي منهم بنى شبكة ولاء ومصالح خاصة به وبدا إنهم حصلوا على قدر من الاستقلالية. ويقال أن جنرالات بارزين وقادة كبار في الجبهة الحاكمة أثاروا موضوع خلافة أسياس. وتقول بعض المصادر أن الجنرالات انقسموا إلى مجموعتين؛ الموالون وهم المنحازون تماماً للرئيس والمتشككون الذين يفقدون الثقة في أساليب أسياس ويرون أن الجيش صار ضعيفاً ويدركون أن إثيوبيا لو هاجمت فمن المستحيل الدفاع عن البلاد. يرى الأخيرون أن الحل الوحيد يمكن في انتقال للسلطة وربما أيضاً التعامل مع إثيوبيا ويظهرون سخطهم. وهناك شائعات بأن المتشككين طلبوا من الرئيس التنحي ودعم انتقال سلس للسلطة وذلك لتجنب انهيار البلاد والمحافظة على مصالحهم القائمة على المحسوبية. ويبدو أن أسياس قاوم ذلك الطلب ورد عليه من خلال حملة تجميد للمطالبين بذلك كما يقال أنه جند مليشيات مدنية لحماية نفسه من بعض وحدات الجيش.
جاء في هامش التقرير أن زعيم الموالين للرئيس هو العميد تخلي كفلي (منجوس) قائد المنطقة العسكرية الغربية والثاني هو العميد قبرزقهير عندي ماريام( وجو) قائد المنطقة الشرقية أم المتشككين فإن زعيمهم هو العميد فيلبوس ولدي يوهنس قائد عمليات أسمرا والذي يقال أنه مجمد وتحت الاعتقال التحفظي. يقال أيضا أنه مستقل جداً وشجاع لكنه الأكثر قسوة بين الجنرالات. والمتشكك الآخر هو العميد هيلي سامويل ( جاينا) وهو قائد منطقة العمليات الرابعة ويقال أن معهم الجنرال سبحت أفريم وزير الدفاع. يظهر هذا الجزء من التقرير أن البلاد جاهزة للصوملة في باندلاع أي نزاع داخلي يمكن أن تتفكك السلطة المركزية ويدير قائد المنطقة منطقته كما يحلو له ويحقق مصالحه ومصالح الضباط المرتبطين به وهذا الخطر أيضاً يمكن أن يتحقق بسبب أي تدخل خارجي عسكري.
النهج المتطرف في العلاقات الخارجية:
وتحت هذا العنوان يبحث التقرير في علاقات إريتريا الخارجية حيث يقول أن الرئيس طور مقاربة عسكرية لعلاقاته مع الجيران بالرغم من وجود خلافات معه داخل الحكومة وفي وزارة الخارجية.
وجاء في التقرير أن أسياس استخدم العدوات بين دول الإقليم للترويج لفكرة أن إريتريا محاطة بأعداء لتبرير العسكرة وللترويج لعادات وقيم النضال كأساس للوحدة الوطنية. وفيما يتعلق بالنزاع بين إريتريا وإثيوبيا يقول التقرير أن أي من قيادتي البلدين تصرفت باعتبار أن الانتصار على العدو أمراً حاسماً لبقاء نظامها ولتحقيق الغلبة في الإقليم. عقب الحرب واجه أي من النظامين معارضة داخلية قام بقمعها. وهما يفعلان ذلك عززا نظام الحزب الواحد الذي كان موجوداً بحكم الأمر الواقع وتخليا عن وعودهما بالديمقراطية بينما تدهورت أوضاع حقوق الإنسان. وقد شهدت إريتريا التحول الأطول والأكثر حدة من القمع. ويبحث التقرير كيف أن إريتريا وإثيوبيا حولا الصومال لساحة حرب بالوكالة. ويتناول الاصطدام العسكري السريع بين إريتريا وجيبوتي في 2008 ويشير إلى رفض إريتريا وساطة الأمم واختيارها تحكيم قطر. وقد توجهت أسمرا علناً تجاه الدول المعادية لإثيوبيا وفي بعض الحالات إلى تلك المعادية لحلفاء أديس أببا الغربيين؛ خصوصاً ليبيا في عهد القذافي،إيران، مصر ( تحت حكم مبارك) وقطر. ويشير التقرير إلى عقوبات مجلس الأمن ضد النظام الإريتري في عامي 2009 و2011. ثم يتناول علاقة إريتريا بالسودان؛ انقطاعها في 1994 وعودتها في 2005 ويذكر أن الوضع الداخلي الهش لكل من النظامين وعداء أي منهما للولايات المتحدة وللسياسات الغربية في منطقة القرن الأفريقي هما اللذان أوجدا أساس التعاون بينهما خدمة لمصالحهما الذاتية. ويقول التقرير أن هناك محاولات بذلت من قبل بعض الأعضاء لاستعادة إريتريا في الايقاد الإ أن هذه المحاولات اصطدمت بمقاومة من إثيوبيا، جيبوتي وكينيا.
عنجهية النظام أفقدته تعاطف دول الإقليم والعالم فبينما خاضت إثيوبيا معركتها الدبلوماسية بذكاء فتجنبت أية ضغوط إقليمية ودولية لحملها على تطبيق قرار ترسيم الحدود ووجدت دعماً اقتصادياً كبيراً بقيت إريتريا عاجزة عن استرداد أراضيها بالرغم من أن القانون بجانبها الدولية هذا إضافة للخسائر الاقتصادية والاستنزاف البشري المستمر وما يمكن أن تتسبب فيه العزلة والسياسات العدوانية ضد دول الجوار والتمرد على المجتمع الدولي وقراراته من خطر على مستقبل الدولة الإريترية.
في الحلقة القادمة سأتناول سيناريوهات التغيير الستة لمرحلة ما بعد أسياس حسب ما وردت في تقرير الأزمات الدولية.
ياسين محمد عبد الله