ضحيفة العرب - الدوحة - محمد عيادي | 2011-11-28
شدد المشاركون في مؤتمر «العرب والقرن الإفريقي: جدلية الجوار والانتماء» أمس بالدوحة على ضرورة الاهتمام بالعلاقة بين الدول العربية والقرن الإفريقي.
وركزوا في مداخلاتهم بالمؤتمر الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي افتتح أمس ويستمر لثلاثة أيام على أهمية منطقة القرن الإفريقي للعالم العربي، وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك سواء تعلق الأمر بعوامل تاريخية أو سياسية أو تدخلات أجنبية.
وقد أكد الدكتور عبدالوهاب القصاب الباحث المشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في كلمة افتتاحية للمؤتمر على أن المركز نظم هذه الفعالية لوجود فراغ وقلة اهتمام الباحثين العرب بمنطقة القرن الإفريقي رغم موقع الجغرافي المهم، مشيرا أيضا إلى أن المؤتمر يندرج ضمن برنامج المركز لتناول علاقات العالم العربي بمحيطه.
وفي السياق نفسه اعتبر الدكتور النور حمد رئيس قسم التربية الفنية بجامعة قطر أن هذه المؤتمر فتح جديد وبداية مرحلة جديدة من الاهتمام بالعلاقة بين القرن الإفريقي والعربي، نظرا لعمق العلاقة بين الجانبين تاريخيا، ولطبيعة المرحلة التي يعيشها العالم اليوم التي تتميز بتحولات كبيرة، مشيرا في الآن نفسه إلى أن السودان والصومال وجيبوتي دول كاملة العضوية في جامعة الدول العربية. ودعا الدكتور النور حمد إلى ضرورة تجاوز الطرفين (العالم العربي والقرن الإفريقي) الصورة النمطية المتبادلة في مخيالهما، منوها بتقبل التنوع الذي يميز القرن الإفريقي، وأن حسن إدارته مفتاح لاستقامة العلاقة بين العرب والمنطقة.
وفي المحور التاريخي رصد الدكتور يوسف فضل في مداخلته العلاقة بين القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العرب وتفاعلها البشري على المستوى الاجتماعي والاقتصادي منذ فجر التاريخ حتى القرن التاسع عشر، مركزا على 4 دول: إثيوبيا والصومال وجيبوتي وإريتريا، وقال إنها متداخلة ويصعب أحيانا دراسة كل حالة لوحدها، سواء فيما يتعلق بالهجرات البشرية، والعلاقات التجارية، والمؤثرات الدينية خاصة انتشار الإسلام والصراع المسيحي-الإسلامي في المنطقة.
وأوضح رئيس كرسي الدراسات التركية في مهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، أن إفريقيا وشبه جزيرة العرب كانت في الأصل رقعة واحدة، قبل أن يفصل بينهم البحر الأحمر، لكن ذلك لم يحل دون التواصل البشري بينهما.
ومما يعكس عراقة الصلة بين المنطقتين يقول المتحدث إن شدة التشابه العرقي واللغوي والثقافي بين الشعوب الناطقة باللغات الحامية أو الكوشية كالقالا والبجه، والشعوب الناطقة باللغات السامية كالأمهرة والتقري والعرب. ونسبة لهذا التشابه، رجح بعض الباحثين أن هاتين المجموعتين قد عاشتا في موضع واحد، وربما تنتميان في أصولهما البعيدة إلى شعب واحد.
وزاد أن المجموعات الناطقة باللغات الكوشية انتشرت على السواحل الشرقية والشمالية لإفريقيا، وتتكون من الصوماليين، والعفار، والقالا، وبعض الإرتيريين، والبجه، والنوبيين، وقدماء المصريين، والبربر.
وتحتوي بعض هذه اللغات على قدر طيب من الكلمات السامية عامة والعربية خاصة، مشيرا إلى أن هذه الصلات العرقية واللغوية تؤكد أيا كانت درجة التواصل بين سكان جزيرة العرب والقرن الإفريقي، أن أثر التبادل الثقافي بين المجموعتين ذو جذور عميقة. إلى ذلك اعتبر البروفيسور عبدالله علي إبراهيم أن العلاقة بين العرب والقرن الإفريقي اتسمت بمراحل طويلة من التواصل والتآلف، مشيرا إلى أنها شهدت أيضا حالات انقطاع في التاريخ المعاصر.
وسلط أستاذ شرف تاريخ إفريقيا في جامعة ميسوري في الولايات المتحدة الضوء على «مذبحة» العرب في زنجبار في إطار ما عرف بثورة «الأفارقة» في 10 يناير 1964 بقيادة جون أوكولو، وما أثارته من مشاكل عرقية أوكولو، موضحا أن «شرور الزنوجية» وإنكار التفاعل الحضاري مع العرب والهنود ومساواتهم بالمستعمر الغربي خلف عنفا كبيرا في القارة.
من جهته ركز الدكتور النور حمد في مداخلته على آثار الحملات الخديوية التوسعية التي انطلقت من مصر في القرن التاسع عشر نحو الجوار الجنوبي في كل من السودان وإثيوبيا وإريتريا والصومال، وما خلفته من هواجس وإحساس بعدم الثقة بمصر، معتبرا أن مسار مصر بعد أفول الحضارة الفرعونية اتجه نحو الشمال وتأثر بالحضارات الأوروبية، بحيث حصل انقطاع إلى غاية قدوم السلطة العثمانية ثم حملة نابليون.
وشدد الدكتور النور حمد على أن شراكة مبنية على فهم الخصوصية التي يتسم بها السودان بوصفه قطرا متعدد الأعراق، متعدد الأديان والثقافات، ضرورية جدا لمستقبل كل من السودان ومصر. وتمحورت الجلسة الثانية على الجانب الاقتصادي والسياسي في العلاقة بين منطقة القرن الإفريقي والعالم العربي.
وقال البروفيسور بيتر ودورد إن المنطقة تعد بؤرة توترات على المستوى الداخلي والمستوى الإقليمي والدولي. وتحدث ودورد -الذي عمل مستشارا لدى عدة جهات دولية وحكومية في القضايا الإفريقية- عن نماذج من التوترات بالقرن الإفريقي سواء الصراعات الداخلية كما هو حاصل في الصومال والسودان، أو النزاعات بين دول المنطقة بعد نهاية الحرب الباردة التي لا تزال نتائجها مستمرة لغاية اليوم. إلى ذلك أشارت الدكتورة إرما تاديا إلى الإرث الاستعماري الذي لا يزال قائما في القرن الإفريقي.
وقالت أستاذة تاريخ إفريقيا الحديث في جامعة بولونيا في إيطاليا، إن القرن الإفريقي يوصف في العقود الأخيرة بأنه واحد من أشد مناطق العالم ابتعادا عن الاستقرار وخلوا من عمليات إحلال السلام وبناء المؤسسات وسيرورات التحول الديمقراطي. وقد ركزت المتدخلة على الحالة الإريترية باعتبارها دولة جديدة أعلن عنها سنة 1993.
من جانبه تحدث البروفيسور إجلال رأفت تقاطع المصالح القومية للدول العربية المطلة على البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي، منوهة بوجود نفود غربي نظرا للأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، وقالت أستاذة الدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة إن القرن الإفريقي يعج بالأزمات الخطيرة والمتباينة في طبيعتها وعمقها، من حيث انهيار كامل لمؤسسات الدولة في الصومال مزقه إلى ثلاثة أجزاء، إلى حروب إقليمية بين بعض دول القرن بين إثيوبيا وإريتريا كنموذج. يذكر أن جلسات مؤتمر «العرب والقرن الإفريقي: جدلية الجوار والانتماء» الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ستسمر لغاية يوم غد وتناقش العلاقة بين منطقة القرن الإفريقي والعالم العربي على المستوى الفكري والثقافي والاجتماعين وتعاطي الإعلام العربي مع قضايا القرن الإفريقي.