بسم الله الرحمن الرحيم
سياسة النظام الإرتري تجاه شعيرة الحج والعمرة وإنعكاساتها على الحجيج
بقلم: عبدالله الحسيني
الحديث عن أي ملمح من مشاهد الحياة في إرتريا سواء في بعده العقدي أو غير ذلك ، تحكمه علاقة توافقية بين التخبط السياسي كمنهج وبين عقلية الفئة التي إختطت معالم حراكها السلطوي من سم خياط زمن أحدب في سبعينيات القرن المنصرم ملطخة بوثيقة " نحن وأهدافنا ". وكرهاً لا طوعاً ، يأتي أي مطلب سواء كان ذلك دينياً أو إجتماعياً أو ثقافياً في منظومته المجتمعية ، يأتي متسقاً مع منهجية وأهداف " المنفستو المشؤوم" . ويبدو المشهد أكثر إلتحاماً بتلك الأهداف غير المصادق عليها من قِبل من يعنيهم الأمر ، إذا تبدى الحراك في إطاره الديني كحق وليس كهدف بحد ذاته ! وعلى صفحات هذا التلاطم تُستنطق الكثير من علامات الإستفهام في فكر ومخيلة من أضناهم المسير وتأبوا الإنصياع بأي وعد كان حلماً أو خيالاً من زمرة الـ" نحن وأهدافنا " .
والسنون الغبر التي شهدتها إرتريا أرضاً وشعباً !! تشير بلا خلاف إلى أن الواقع كان مغايراً لأحلام وتطلعات تأزمت مفاصله وتلاطمت أضلاعه ؛ ليكتوي بذلك اللهيب كل من هب لتحقيق مشروع وطني فاضل تتعانق فيه الآمال بالأحلام ، أو كل من تحرى ممارسة شعيرة من شعائره التي كلفته بها الشرائع السماوية ، ولا مغالاة في القول بأن درجة الشطط من قبل زمرة التسلط تكون أكثر لهباً وسخونة إذا تقدمت الحقوق من طائفة تود مباشرة ركن من أركان الإسلام الخمسة الحج ، أو العمرة .
وقد كُتب على الشعب الإرتري منذ فجر التاريخ أن يتنكب الأمرين لمن هيأ الله له التوجه إلى الأرض الحرام ، إذ لم تكن القسمة غير ضيزى بين الشعبين المسلم والمسيحي في كل من إرتريا وإثبوبيا الناوين الحج والمستطاعين إلى ذلك سبيلا ، طوال السنين العجاف لحكم الإمبراطور الكهنوتي سيئ الصيت ( هيلي سلاسي ) قبل أن يقضي نحبه على صفعات ثلة من العسكر الذين ولجوا النهج الشيوعي الماركسي في سبعينيات القرن الماضي كرهاً ورفضاً للحكم الإقطاعي في بعض أهداف الشياطين الحمر !، وتأكيداً على أن الملك فقط لله الواحد القهار كحقيقة كونية ، وليس لمن أوهم بأنه الحاكم بأمر الله إلى آخر الأراجيف والدجل السياسي . وقد ظل الإمبراطور جثة نخرة أسفل كرسي الملعون في الأرض والسماء ( منقستو هيلي ماريام ) طوال سني حكمه الأحمر الدامي ، حيث لم يتسن نبش عظامه وهي رميماً إلا بعد فرار الأول إلى دولة زمبابوي حيث سجنه إلى أجل غير مسمى – والحديث ليس مقام تفصيل - ، طوال تلك السنون لم يسمح للمسلمين الإرتريين الراغبين في الحج إلا بعدد محدود يعد عداً ، مقارنة بأعداد الحجيج الإثيوبيين كل عام وهو ما تؤكده إحصائيات حجاج البلدين إلى الأرض الحرام .
المسلمون في إرتريا كانوا يتعاطون تلك القسمة غير العادلة في إطار الهيمنة الإستعمارية لزمرة التوسعيين الإثيوبيين على مر التاريخ ، وظل أو كان يحدوهم الأمل في أن تنقشع ظلامات العهد الرجيم مع إنبلاج ما فُهم على أنه عهد جديد تبسط فيه الحرية جناحها والعدل الإجتماعي أركانه والمساواة في المواطنة حقوقاً وواجبات مبادءها ، وتُكفل فيه أيضا الممارسات الدينية المشروعة في إطار سماحة الدين الإسلامي والمسيحي كذلك ، إلا أن هذا الحلم سرعان ما تراخت أوتاره وتلاشت كالسراب في أول إمتحان وطني لمادة المواطنة العادلة والحكم الرشيد ، وتبدى ذلك في كثير من مفاصل الحياة ، والحديث هنا بالتحديد يركز على شعيرة ركنية هامة في الإسلام ،هي شعيرة الحج .
لقد إستمرأت الحكومة الإرترية المؤقتة سياسة الإستمرار في وضع نفس القيود التي ظل يفرضها الإستعمار الإثيوبي على الحجيج الإرتريين لعشرات السنين إبتداء من رفع تكاليف الحج إلى درجة لا تطاق ، سيما وأن إرتريا تعتبر أقرب موقت مكاني من مواقيت الإحرام ، حيث لا يفصلها عن البيت الحرم إلا شريط بحري يمكن قطعه في بضع من الساعة إبحاراً ، وأقل من ذلك بكثير على متن الطائرة جواً . ورغم ذلك وفي برنامج ممنهج لأول حكومة أفترض المواطنون وطنيتها ، كان عليها أن تكون جادة في تحقيق أماني وتطلعات المسلمين في زيارة بيته الحرام ، بل إنها تمادت في وضع متاريس ومعوقات أمام الراغبين في تلبية نداء الرحمن ، حيث قيدت عمراً خرافياً للحاج ، وقيدت المحرم بشروط لا أصل لها في الشعيرة على الإطلاق ، وجملة من الشهادات والتصديقات للحاج من خلال زيارات للمكاتب والتهوان في الحصول على المصادقة من قبل المسؤولين هدفها الأساسي وضع مزيد من المعوقات أمام الحجاج ، والآن تقلصت أعداد الحجيج لتعد بالعشرات . تكلفة الحج اليوم أرقام فلكية لا يمكن أن يتحملها المواطن الميسور الحال ، وصاحب العقار السكني أو التجاري ربما يضطر لبيع عقاره إذا نوى الحج ، فضلاً عن البسطاء من أفراد الشعب .
ونورد بعض الممارسات التي درجت على تقنينها الحكومة الإرترية المؤقتة كما تطلق على نفسها في بطاقات هويتها وأوراقها الرسمية لقرابة ربع قرن لا تزال الحكومة متمركزة في دائرة المؤقتة المنغلقة ، لماذا ؟ الإجابة بحاجة إلى محلل سياسي وإجتماعي وطبيب حكومات نفساني !! من بين تلك الممارسات والمعوقات من قبل الحكومة تجاه المسلمين في إرتريا :
· التأخير المتعمد في فتح باب التسجيل للراغبين في الحج والعمرة. أحياناً لا تتعدى فترة التسجيل أسبوعين أو ثلاثة . على خلاف ما هو متبع في الدول الأخرى ، بما فيه الدول العلمانية وحتى الغارقة في الأفكار الأخرى الحي منها والميت .
· عدم وجود مكاتب فرعية للجنة الحج والعمرة بالأقاليم الأخرى ، حيث يضطر كل من رغب في الحج أو العمرة السفر إلى اسمرا والإقامة بها في ظروف مناخية لا تؤهله لمباشرة الهدف الذي قدم من أجله أحياناً ، بالإضافة إلى الأعباء المالية الأخرى التي لا طاقة له بها.
· تكليف أشخاص لمهام التسجيل والتجهيزات الأخرى في شؤون الحج والعمرة ، ليسوا من ذوي الكفاءة والخبرة في وفادة الحجيج والمعتمرين من إرتريا إلى الأراضي المقدسة.
· ربط أمر الحج والعمرة بمجلس الأوقاف الإسلامي للإقليم الأوسط – أسمرا وضواحيها – فقط ، في تغييب تام لممثلي الأقاليم الأخرى بالمجلس ، وخضوع المجلس في قراراته إلى ما يسمى بدار الإفتاء الإرترية ، حيث يتلقى الدار توجيهاته من مكتب شؤون الأديان التابع لمكتب الرئيس مباشرة ، بالتالي كل هذا التسلسل والبيروقراطية يمثل خصماً على توفير أبسط لوازم الحجيج إلى البيت الحرام.
· الإبقاء على لجنة بعثة الحج والعمرة منذ تأسيسها لقرابة عشرين عاماً ، حيث وصل بعضهم لدرجة الإحتراف وتحقيق إستفادة شخصية من موسم الحج ، ولم يتم تغيير اللجنة التي تم تعيينها من مكتب الرئيس أو على الأقل المصادق عليها من قبل المكتب ، إلا بعد أن شبعت وتخمت وملت من عائدات وأتاوات موسم الحج والعمرة.
· الإشراف المباشرعلى الحجيج والمعتمرين عند وصولهم إلى الأراضي المقدسة من قبل القنصلية الإرترية بجدة دون توفير أبسط متطلبات أداء الشعيرة التي وصل من أجلها الحاج أو المعتمر ، وذلك في تجاهل صارخ للحقوق التي دفع من أجلها الحاج حصاد عمره. وهؤلاء الذين عملوا في الإشراف سواء كانوا من أعضاء القنصلية أو من إرتأت اللجنة تعيينهم أعضاء بها ، كان همهم الأول والأخير توفير أكبر قدر من الأموال التي إنتزعت من أفواه الحجيج إنتزاعاً ؛ لتستقر في بطون وجيوب اللجنة المحترفة – لجنة الحج والعمرة - .
· عدم إرشاد وتوعية الحاج بمناسك الحج والعمرة التي لا يصح إلا بها ، حيث يتوجه الحاج أو المعتمر إلى الأراضي المقدسة وهو لا يعلم أركان مناسك الحج أو العمرة وما يفترض أن يقوم عليه والسلوك الديني الذي ينبغي أن يتحلى به في المؤتمر الإسلامي السنوي بالأرض الحرام. فالوعظ الديني والدروس التثقيفية في المساجد في إرتريا محظورة وممنوعة أصلاً تمشياً مع أهداف الحكومة ومعاداتها للدين الإسلامي ، وكل من يباشر مهمة التوعية أو حتى المطالبة بها ، فإن مصيره معلوم الإعتقال أو السجن والتغييب المؤبد . بالتالي فالحاج يتوجه إلى أداء المناسك وهو في جهل تام عن كل ذلك .
· عدم مرافقة بعثة الحج وفد إعلامي لمتابعة أوضاع وظروف الحجاج الإرتريين. بعثة الحج الإرترية هي البعثة الوحيدة التي تصل الأراضي المقدسة بلا وفد إعلامي ، حيث لم يصل إلى مخيم الحجيج الإرتريين إلا مرة واحدة و كان ذلك في عام 1999م منذ أن عرف الإرتريون ومارسوا شعيرتهم الدينية ، حيث تمت متابعة وتغطية أوضاع البعثة إذاعياً ، ولم تتكرر العملية بعد ذلك على الإطلاق .