| 
 
 |  25 Nov 2024
ذكرى انطلاقة الثورة .. ماذا بعد ؟! بقلم: منصور طه
05-09-2015
1035
 

ذكرى انطلاقة الثورة .. ماذا بعد ؟! 
كان النضال السياسي في الخمسينات والأربعينات من القرن الماضي دفاعا عن حرية واستقلال ارتريا ، وكانت المعركة حامية للخروج من براثن الاستعمار البريطاني الذي جاء عقب الاستعمار الايطالي ، وكان النضال سياسيا قانونيا توجه فيه الخطاب إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ( المجتمع الاستعماري آنذاك ) .
كان للقائد عبد القادر كبيري دور كبير في توجيه قضية الاستقلال ومخاطبة الأمم المتحدة ، لكنه لم يسلم من المكر والكيد الذي عملته بريطانيا في اغتيال القيادة السياسية ، فكان أول ضحية لهذا النهج ، وباغتياله دخلت البلاد  في فتنة عصابات الشفتة حتي تحقق لها غرضها وارتبك المشهد السياسي في ارتريا ، وتم خطف المشهد السياسي وزورت القضية وطمست معالمها . وبشرعية دولية ضمت ارتريا عطية باردة مسلمة إلى إثيوبيا بلا عناء ولا بأس ، وأسكتت أصوات الشعب التي بحت منادية بالحرية والاستقلال .
إثيوبيا كانت مستعدة لتلقي تلك الهدية هانئة باردة , وهيلي سلاسي كان جاهزا بمكره ومستعدا لضم ارتريا ضما نهائيا ، ولتقوية قبضته في البلاد عمل على بث وتغذية الطائفية لخلخلة الشعب وبناء اصطفافات مساندة للاستعمار وهي ذات المهام التي قامت بها من قبل بريطانيا .
وانسد الأفق السياسي وأصبحت القضية لا مناص فيها من سلوك طريق آخر ومنحى آخر منحى القوة حيث أصبحت ضرورة الموقف ، لا يفهم المستعمر غيرها ولا يستجيب إلا لها ، ولأن طبيعة المعالجة للموقف تصنعها القوة بالمغالبة ، والقوة تدفعها القوة ، فكانت الشرارة المسلحة الأولى بقيادة القائد حامد عواتي ورفاقه الأوائل الذين أبلوا في الإعلان المسلح للنضال ، انطلقوا بأسلحة قليلة عتيقة لكنها كانت قوية لإعلان الثورة والرفض للمستعمر، وبها انطلقت المرحلة الثانية في العمل النضالي من أجل الاستقلال حيث أصبحت البندقية لغة الحوار والمطالبة ، والرصاصة هي الكلمة المعبرة عن القضية ولم تختف الكلمة ولكن أضحت مسنودة بالقوة المغالبة لأن الطرف الآخر أنهى دور الكلمة وأقفل باب الحوار .
كانت ذكري انطلاقة الثورة الارترية  في سبتمبر1961انطلاقة مسلحة من أجل الاستقلال ، وامتدت فترة الكفاح والحرب ثلاثين عاما متوالية ، وهي أطول حركة ثورية تقاتل من أجل الاستقلال حيث قدم الشعب الارتري تضحيات عظيمة  من دمائه ، ويقدم التضحيات  تلو التضحيات ويتحمل سياسة الإبادة والأرض المحروقة التي كان يتفنن فيها  الاستعمار الاثيوبي . ولم يأل جهدا ولم يدخر وسعا في صب ما يستطيع من قتل وتدمير وتشريد تسنده محاور دولية غربية ، وتارة شرقية ، توفر له كل آلة الدمار وعتاد التخريب ، بل وفرت له الخبرات في الدعم العسكري التي تقود الحرب وتنفذ عمليات إبادة ومجازر ،وصبر الشعب الارتري على ويلات الحرب ، وهاجر ولجأ .
ثلاثون عاما من الثورة المسلحة ، ثلاثون عاما من التضحية ، ثلاثون عاما وآلة المستعمر العسكرية تحصد الأرواح وتشرد ، والشعب الإرتري يقدم ولم يدخر ، ويتفانى ولم يتوانى ، الكل يؤدي دوره سواء من كان في البلاد ، أو كان في الملاجئ والمهاجر .
كانت تلك الانطلاقة عظيمة رغم العقبات الداخلية والخارجية التي واجهتها  حتى جاءت اللحظة التاريخية لحظة الاستقلال بخروج المستعمر. لكن الشعب الإرتري سرقت تضحياته وسرقت حريته ، وبددت آماله وأحلامه ، وانحرفت المسيرة عن أهدافها النهائية ، وفقد الاستقلال معناه .
جاء الاستقلال منقوصا مكبلا ، وزادت الجراحات والآلام ، وانقلبت الآمال والأحلام إلى محن بتسنم حكومة البلاد نظام مارس كل ألوان القمع والقهر ، عصابة متنفذة أمسكت بمقدرات البلاد وأسرفت في انتهاك حرمات الشعب والبلاد ، وتبدد ذلك الحلم الذي كان يحلمه أبناؤها .
وتحولت الثلاثون إلى خمس وعشرين عاما من العذاب والنكال والتشرد من نظام تنكر لشعبه ، خمس وعشرون والحرية مخطوفة والأنفاس حبيسة والشعب كله ضحية الجلاد والاستبداد.
والاستبداد والطائفية صناعة مقيتة تقتل الأمة في وجدانها وفكرها  وهمومها ومعاشها ، وتهدر مواردها وتستبيح مقدارتها ، وهي آلة فاسدة تطحن كل شيء ولا تبقي شيئا . تضيق دائرة الاستبداد من عصابة إلى فرد يكون فرعونا ، يصادر الرشد والعقل من الأمة (ما أريكم إلا ما أري ، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) ، ويجعلها تسبح بحمده وتمجده (ما علمت لكم من إله غيري) وهكذا يصور نفسه ، وسطوة الفرعونية تقتل كل من هو مخالف ، وتدمر كل ما هو مخالف ، وتسكن كل ما هو متحرك ، وتلهب ظهر الشعب تعذيبا وابتلاءا بأدوات وآلات الدولة ؛ ليؤدي فروض الولاء والطاعة ، ويلهيه حتى يموت من فرط اللهو.
تمر هذه الذكرى لانطلاقة الثورة وقد سرقت الثورة ، وسرق الاستقلال ، وضاعت الحرية ، وتحول الشعب إلى اضطهاد وعبودية كأنه لم يعرف تلك الملاحم التي خاضها من أجل  الاستقلال .
افتتح اسياس الاستقلال بموجة واسعة من الاعتقال للمعلمين والدعاة والعلماء والسياسيين والإعلاميين تلتها موجات أخرى ، اعتقال في حقيقته خطف ، واغتيال للشرفاء من أبناء الوطن ، غابوا ما يفوق على عشرين عاما في سجون وحشية ، ولا خبر ولا أثر عنهم ، ثم عمد إلى إقصاء ونفي وتشريد كل القوى السياسية المشاركة في مسيرة الاستقلال ، ثم تبع ذلك تصفية واغتيال وملاحقة أمنية لشركاء الثورة وقادة ملحمة التحرير ، ثم  تشريد واسع لأبناء الوطن الذين دخلوا موجة مستمرة للجوء والتشرد دفعت بالمواطن إلى خارج الوطن ، وقد صنع في الوطن خوفا و قلقا ، يمتهن كرامة الانسان .
قاد اسياس ثورة انقلبت على الشعب الإرتري ، وانقلبت على مكتسباته ، وانقلبت على قيمه وهويته وثقافته ، وبرع في تمزيق وحدته ، وبث الطائفية ، وزرع الخوف و التشكيك الداخلي وعدم الثقة ، بل أوجد حالة من التوجس عبر بعض أدعيائه لإنهاك المجتمع ولشغله بمشكلات داخلية ، والنظام في حقيقته وممارساته لا يحقق أي مصلحة لأي مكون شعبي سوى أنه يؤهل لتقوية قبضته واستبداده .
خمس وعشرون عاما من العذاب والنكال ، خمس وعشرون عاما والحرية مخطوفة  والأنفاس حبيسة ، العذاب الجاري ليس لفرد وينتهي ، بل للمجتمع بكله وليس مرة وفلتة وينقضي بل منظومة وسلوك يراد للصغير والكبير أن يعيشها ، باقي ما بقي هذا النظام .
إن حجم المعاناة وحجم الانتهاكات من ظلم وقهر مفتوح ومتعدد لا ينتهي ، أفقدت الإنسان الإرتري إنسانيته وآدميته ، وجعلته مباحا ومستباحا أيضا من عصابات خارجية تتاجر بمعاناته وآلامه ، وأخطر ما يواجه ويهدد الشعب الارتري في وجوده وكيانه هذه الهجرة الكبيرة إلى خارج البلاد التي لها ضحاياها بأعداد هائلة والتي تمثل نزيفا بشريا قد يؤدي إلى انقراضه .
إن الأسباب التي دفعت لقيام الثورة وحركت أولئك الأبطال هي ذاتها وأشد عادت من جديد ، والفرق بين الحالين أن الأولى كانت من وضد مستعمر أجنبي ، والثانية من مستبد وطاغية وطني لكنه أشد مرارة .
العصيان والثورة الشعبية حق مشروع وطريق لمواجهة النظام الباغي وخاصة عندما انسدت طرق الاصلاح وازدادت حجم المعاناة ، وإن حركة الثورة وتلاحم قوى الشعب واتحاد إرادته في مواجهة الطغيان يمليه واقع استمرار الجلاد وتلذذه بعذابات المجتمع ، ولا يمكن أن يقف الجلاد إلا بنزع عوامل القوة التي يستفيد منها ، وأساسها تفرق الشعب وتفرق قواه ، برغم أن الكل متفق في شعوره بمرارات العذاب وموقفه تجاه الطغيان ؛ لكن الحركة المقابلة هي في أقبية فردية ، كل يفكر في طريقة للخلاص الفردي ، ويرتب ويخطط له في صمت وسرية ، وينتظر اللحظة الحاسمة في تنفيذ اختياره والحقيقة الأخرى في داخل ارتريا جهات مختلفة تناهض هذا الوضع السيئ ، تناهضه بتهرب داخل البلاد وموجات هروب إلى خارج الوطن ، محفوفة بالمخاطر والمهالك المختلفة ، ومن أكبر الظواهر المناهضة هروب الضحية ومن كان متسلطا ينفذ أوامر الجلاد ، لكنه كان ينتظر اللحظة المناسبة للهرب ، وكان يمارس مهمته تغطية لهذه اللحظة التي كان ينتظرها بفارغ الصبر ، ثم التقيا في أرض المهرب بدهشة وخوف الطرفين ، فلا بد أن يجتمع الشعب وقواه السياسية في ملحمة تاريخية يدفع فيها الظلم والعدوان لينعتق هذا الشعب من أغلال العبودية والقهر وإذلال السخرة .
وفي المقابل كامن في وعي الشعب بكافة مكوناته الاجتماعية والدينية والثقافية أنه شعب واحد يجمع بينه الأرض والتاريخ والثقافة كان يعيش متلاحما متواصلا تربط بينه وشائج اجتماعية وثقافية ، إلى أن جاء الاستعمار وبث التناقض بينه وأوجد الطائفية والعنصرية حتى لا يثبت وجوده ويحمي مصالحة عبر سياسة فرق تسد ، وهو التناقض الذي يفتعله النظام أيضا لإدامة الاستبداد والقهر وسلب الحرية .
لذلك لا بد من بث الثقة الداخلية وتحقيق التوجه العام المناهض والمقاوم لأعمال وسياسات النظام .
ولا بد من تحقيق التواصل والربط بين هذه الجهات وتشكيل حلقات شد كبيرة .
لا بد من كسر نظام حملات التجنيد الإجباري وحملات التفتيش العسكرية ، التي تشكل مربط للقبضة الأمنية وبث الرعب وإرباك الشعب .
كما أن المؤسسة العسكرية عليها دور أكبر للانحياز للشعب وآماله وآلامه . وهي التي تعاني الأمرين بالقانون والنظام العسكري تستخدم بنظام سخرة واستغلال لطاقات الجند بلا مقابل وبلا راتب يفي تغطية نفقات ضرورات المعاش ، ولا تطلق يده حتى يتكسب ويبحث في الأرض ، وتستغل إنسانية الجندي استغلالا مفتوحا حيث يفقد مستقبله ومعاشه .
تركة وآثار هذه الدولة التي بنيت على الاستبداد والطائفية الثقافية والسياسية والتخريب الثقافي والقيمي ، وتغيير البنية والتوازن الاجتماعي ، وزرع اصطفافات وتغيير سكاني وسياسات الإفراغ والتفريغ الذي تتعرض له البلاد ، تركة لها آثارها العميقة في بنية الدولة والمجتمع الإرتري حتى بعد زوال نظام اسياس ، ما يتطلب جهدا كبيرا في البناء الفكري والقيمي والسياسي والاجتماعي ، وايجاد قاعدة جديدة تشمل أبعادا مختلفة سياسية وثقافية واجتماعية لقيام دولة وطنية إرترية ، وهذه من التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة في المرحلة القادمة .
 إن لم يتحرك الشعب ويملك إرادته في المقاومة فلا أحد له المصلحة في رفع الظلم والقهر عن الشعب ، والصديق إنما يبرز مناصرا عندما يقوم صاحب الراية في رفع رايته .
من حق الشعب الإرتري الاستقلال ، من حقه الحرية ، من حقه أن يعيش بكرامة ، من حقه أن يجد العدالة والمساواة ، من حقه أن يعيش على أرضه ووطنه . هو حق وليس منة من أحد ، والحقوق تنزع ولا تعطى ، وتؤخذ غلابا وليست نوالا ومنحة ، خاصة أن القانون الغالب في هذا العصر قانون الظلم الذي جعل الظلم رأس العدل ، وجعل الجريمة عنوان الحضارة ، وجعل القتل والتدمير أساس العمران .
وفي النهاية الشعب كامن  لثورة عظيمة تكتسح هذا الظلم ، مطلبه  الحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم في وطنه ، ومطلبه أن يطوي صفحة الظلم والاستبداد ، ويعيش آماله وأحلامه في وطن له سيادته على كامل ترابه .


منصور طه
سبتمبر 2015م

 
 
تهنئة جبهة التحرير بنجاخ مؤتمرها
تهنئة بعيد الأضحى المبارك
بيان بمناسبة ذكرى استقلال إرتريا (33)
تعزية
نعي وتـعـزيــة بوفاة العم حامد حيليس والد الشيخ أبو حازم رئيس المؤتمر الإسلامي الإرتري
بيان بمناسبة الذكرى (62) للفاتح من سبتمبر
2024 © حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤتمر الإسلامي الإرتري | By : ShahBiz