تقرير الأزمات الدولية: (3)
إريتريا: سيناريوهات التغيير المستقبلي
18/ 04/ 2013
ياسين محمد عبد الله
عرض وتحليل
سيناريوهات ما بعد أسياس
تحت هذا العنوان يبحث التقرير في سيناريوهات ما بعد رحيل أسياس. جاء في هذا الجزء أن المعارضين في المنفى منقسمون وقد ركزوا على تشويه صورة الرئيس بدلاً من تقديم رؤية مقنعة وسيواجهوان صعوبة كبيرة في تولي السلطة إذا لم تحملهم إليها قوة خارجية. ويتوقع التقرير أن يؤدي غياب آلية مؤسسية لانتقال السلطة والانقسامات والفساد داخل الجيش ،الذي يرجح أن يكون الفيصل في من سيحكم تالياً، إلى مخاطر عالية بعدم الاستقرار في إريتريا.
لقد فشلت المعارضة على مدى سنوات طويلة في المنفى في بناء جبهة متماسكة ووضع خطة انتقال سياسي، اجتماعي واقتصادي قابلة للتطبيق، ولا يبدو أنها تهتم أو تدرك تماماً المدى الذي وصل إليه تدهور الاقتصاد ومدى تفكك النسيج الاجتماعي.
وتحسب المجموعة فإن سيناريوهات ما بعد أسياس هي:
1/ إعادة تشكيل الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة والمحافظة على الوضع الراهن:
هذا التصور يقوم على اتفاق كبار القادة العسكريين والحزبيين على الإطاحة بأسياس بهدف المحافظة على النظام. سيستمر هؤلاء في استخدام التهديد بالحرب لتحويل انتباه الشعب والمحافظة على مستوى عال من التعبئة العسكرية. وستكون الحكومة الجديدة بيد حفنة صغيرة من الأشخاص الأقوياء الذين توحدهم المصالح المادية وحيث سيسعي أي عضو للحصول على سلطة أكبر من خلال تأمين الرئاسة. ستكون للجنرالات اليد العليا وتكون القيادة السياسية أضعف من أي وقت مضى. ويشير التقرير أيضاً إلى احتمال أن يكون أسياس يعد ابنه أبراهام البالغ من العمر 26 عاماً لخلافته. والنتيجة المحتملة لإعادة تشكيل النظام هي حكومة أضعف ستحتاج ممارسة المزيد من القمع تجاه شعبها خوفاً من أن تنهار.
2/ الجبهة الحاكمة بلا أسياس، لكن إريتريا تطلب المصالحة مع إثيوبيا
هذا السيناريو متطابق سياسياً مع السابق لكن فيه تتحول قيادة الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة من سياسة ( العدو على الباب) إلى باحثة عن السلام مع إثيوبيا.
3/ انهيار الدولة والذي يقود إلى حرب أهلية.
إذا لم يتم اتفاق سياسي بين من تبقى الشخصيات السياسة البارزة الموالية في الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة وجنرالات الجيش عقب وفاة أسياس أو رحيله من السلطة فإن هذا قد يقود بسهولة لصراع عسكري شامل من أجل السيطرة على البلاد ومواردها. وقد تقود المواجهة بين الفصائل العسكرية إلى حرب أهلية كارثية. وهذا يثير القلق، خصوصاً منذ تفاقمت الانقسامات العرقية والدينية بسبب سياسات أسياس والتي من الممكن استخدامها من قبل القوى المتنافسة.
إذا قرر الجنرالات المتنافسون استغلال هذه القوى الاجتماعية، الدينية والعرقية المتنافسة للحصول على السلطة المطلقة فإن احتمال حدوث شىء مماثل لما حدث في السنوات الأولى للحرب الأهلية في الصومال كبير جداً مع احتمال حدوث خسائر كبيرة تعززها الخبرات التي اكتسها الشباب الإريتري من التدريب العسكري الشامل.
4/ الوساطة الخارجية أو الهيمنة:
الاحتمال الرابع هو صراع على السلطة لكن مع تدخل مباشر من الدول المجاورة. ويمكن لحرب أهلية في إريتريا أن تمتد إلى إثيوبيا والسودان وإلى حد أقل إلى جيبوتي. لكل هذه الدول قضايا عرقية متداخلة مع إريتريا ولها مصلحة في استقرارها لأسباب إستراتيجية خاصة بها داخلياً وإقليمياً. يمكن أن تنجر أديس أببا والخرطوم إلى حرب أهلية لأسباب مختلفة بما في ذلك منع امتداد الصراع إلى داخل حدودهما. بإمكان أي من الدولتين دعم مليشيات معينة أو التدخل مباشرة مبررين أي تدخل بالتهديد الذي تشكله الحرب الأهلية. ويمكن للتدخل أن يحدث بطريقتين: إما عن طريق اتفاق سياسي حول كيف يمكن تحقيق السلام ( قد يحدث هذا عن طريق الإيقاد وإقامة حكومة مراقبة عن قرب أو من خلال تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ كما حدث في جنوب وسط الصومال) وكبديل وفي حال عدم التوصل لاتفاق إقليمي حول إريتريا فيمكنهما تقديم مساعدات أو مواد مباشرة للفصائل الإريترية المتنافسة تلبية لمصالحهما الأمنية الوطنية والإقليمية.
5/ الانتقال السلمي لديمقراطية تعددية:
هذا الخيار ممكن لكن يبدو من الصعب تحقيقه. وهو يتضمن سلطة انتقالية للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة والتي يمكن أن تبدأ، بموافقة الجيش، عملية تحول ديمقراطي غير مسبوقة.
6/ تغيير النظام بتدخل إثيوبي
هذا السيناريو يضع في الاعتبار التوترات بين البلدين والتي لم تتراجع منذ وقف إطلاق النار في يوينو 2000. إذا ازداد الوضع في إريتريا سوءاً فإن رد فعل إثيوبيا السياسي والعسكري سيكون حاسماً. وبما أن كل أحزاب المعارضة المنظمة والمسلحة تعمل من أديس أببا وتعتمد على الدعم المالي واللوجستي على حكومتها فإن بإمكان القيادة الجديدة التي جاءت بعد ملس أن تلعب دوراً ايجابياً من خلال تقديم بداية دبلوماسية جديدة لقيادة انتقالية في أسمرا وإعادة الروابط الاقتصادية وتقديم الدعم لمبادرة غير حزبية شاملة. وبالنظر للروابط الوثيقة بين البلدين خصوصاً ما يتعلق بالسكان على الحدود فإن أي تحول ديمقراطي في إريتريا ستكون له حتماً أيضاً انعكاسات على إثيوبيا. وسيكون لأي تدخل إثيويا على الأرجح أجندة أمنية أكثر من أن تكون له أجندة ديمقراطية. ردود الصقور يمكن توقعها: إغلاق الحدود أو اغتنام الفرصة لدعم فصيل واحد في أسمرا. ويمكن حتى أن تستفيد إثيوبيا من عدم الاستقرار لتحقيق واحد من أهداف المتشددين طويلة الأمد؛ السيطرة على ميناء عصب وإنهاء وضع إثيوبيا دون منفذ بحري. وخلاف ذلك يمكن لإثيوبيا أن تقرر فرض حكومة في أسمرا بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهذا قد يكون مقبولاً في البداية من شعب إريتريا المرهق والمشوش لكنه لن يكون قابلاً للبقاء على المدى الطويل نظراً لتاريخ الصراع مع إثيوبيا.
تلك هي السيناريوهات التي تتوقعها مجموعة الأزمات وهي في اعتقادي واقعية وإن تفاوتت احتمالاتها. أخطرها دون شك هي الحرب الأهلية ثم التدخل الإثيوبي المباشر. سيناريو التدخل الدولي لم يتم إيراده وهو قد يكون الأفضل بالنسبة للاستقرار في إريتريا وضمان وحدة وسلامة أراضيها وإذا أخذنا الصومال كمثال فإننا نلاحظ أن المجتمع الدولي لعب دوراً كبيراً في منع القوى الإقليمية من تحقيق مصالحها الخاصة على حساب الدولة الصومالية. لذا ففي حال عدم حدوث تغيير داخلي يضمن استقرار البلاد وتحولها نحو الديمقراطية فإن الأفضل أن تكون هناك مبادرة دولية لتحقيق ذلك وهذا هو الغائب في هذا التقرير. مع أملي أن يجد التقرير قراءة متأنية ومناقشة موضوعية في الدوائر السياسية المهتمة بمستقبل إريتريا.
ياسين محمد عبد الله