صحيفة الأحداث :الشجراب: عبد المنعم أبوإدريس
حالة من الحزن والخوف في عيني الفتاة الارترية التي تقول سماتها انها في بداية العشرينيات, وحالة الخوف لم تقف عند عينيها بل ان انتقلت حتى الى صوتها وهي تحدثنا ثلاثة صحفيين (شعيب يونس من الاذاعة السودانية ومحمد محمد عثمان من الصحافة وشخصي)، وتشدد لا توردوا اسمي لأن أسرتي ستقتل في ارتريا إن ورد اسمي في أي جهاز اعلامي.
والفتاة رغم صغرها إلا أنها تنقلت بين ثلاث دول غير بلدها وتقول «في عام 2010 اقنعني المهربون بأن الأوضاع جيدة والأمر يسير (وتسمي مجموعة قبلية معينة)، ودفعت لهم المال وسافرت معهم حتى جزيرة سيناء في مصر، وهناك اتصلوا على أسرتي طالبين المزيد من المال لإكمال رحلتي وتعذر على اسرتي ذلك، فتركوني، فوقعت في قبضة السلطات المصرية التي سجنتني تسعة اشهر، وبعد الافراج عني ابعدت لاثيوبيا، وأنا من اخترت ذلك؛ لأنني لو ابعدت الى بلدي ارتريا لربما قتلت والآن من اثيوبيا عدت مرة أخرى للسودان في سبتمبر الماضي«..
وعندما سألناها لماذا تخاطر كل هذه المخاطرة؟ ردت بقولها «أريد إنقاذ حياتي من العسكرية وأن أواصل تعليمي»
وغير هذه الفتاة عشرات الشباب الارتريين يقعون نهبا لعصابات تهريب البشر التي تنشط في عدد من الدول،
وهم مجرمون دوليون، كما وصفهم المفوض السامي للامم المتحدة لشؤن اللاجئين.
حيث تقول احصاءات مفوضية اللاجئين السودانيين أن عدد طالبي اللجوء الذين سجلوا في معسكرات الشجراب بولاية كسلا خلال أربع سنوات بلغ عددهم 92 الف 90%منهم ارتريين والبقية اثيوبيين وصوماليين، ولكن الموجودين الآن في المعسكرات فقط 20 %من جملة هذا العدد.
ومازال السيل متدفقا، إذ تقول مفوضية الأمم المتحدة إن عدد الارتريين الذين يدخلون السودان شهريا يبلغ حوالي 2000 شخص، وغالبيتهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 الى 35 عاما، ولا يريدون البقاء في المعسكرات.
ويقول أحدهم، وطلبت المفوضية اخفاء اسمه حفاظا على أمنه «جئت الى هنا في سبتمبر الماضي لانقاذ حياتي من العسكرية، فبعد أن تخرجت في الجامعة طلب مني أداء خدمة عسكرية لمدة غير محددة وأنا أريد مواصلة تعليمي، وإن حصلت على فرصة في السودان فيمكن أن أمكث هنا وأن لا أريد السفر لبلد آخر».
أما رفيقه الآخر «خرجنا لانقاذ حياتنا من العسكرية وكل ارتريا أصبحت عساكر ولا يمكن أن اقضي حياتي عسكريا، وأنا أريد فرصة عمل لمساعدة أسرتي وفرصة العمل هذه أبحث عنها في أي بلد».
ويقول مسؤول الحماية بالمفوضية إن طالبي اللجوء الجدد يختلفون عن اللاجئين القدامى من الارتريين في شرق السودان. فالقدامى كانوا من سكان المنخفضات ومسلمين ويتحدثون العربية وينتمون لمجموعات اثنية مماثلة لسكان شرق السودان.
أما هؤلاء، فهم سكان المرتفعات ومسيحيون ولا يتحدثون العربية وشباب متعلمون، ولا يريدون البقاء في السودان بل الذهاب لاوروبا, مناطق في الشرق الاوسط وشمال افريقيا».
وما يعضد حديث مسؤول المفوضية غير مغامرة الفتاة التي سجنت في مصر، وها هي تعيد الكرّة، الظروف القاسية التي يعيشونها داخل المعسكر، فيقول أحدهم «ننام هنا، عشرون شخصا داخل هذه الغرفة، (والغرفة مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة امتار، كما انهم يعطون للاكل ما يعادل فقط 20 دولار شهريا وهي لا تكفي لاسبوع واحد .
وتقول المفوضية انهم عند قدومهم لأول مرة يوضعون في مركز الاستقبال وعقب اكمال اجراءات تسجيلهم ينتقلون للمعسكر بأن يمنح الواحد منهم (قطية( .
لكن واحدة من المشرفين عليهم تقول بأنهم حتى بعد اكمال الاجراءات القانونية يرفضون الانتقال للمعسكر لمخاوف امنية لديهم؛ لأن هذا المعسكر غير بعيد عن الحدود الارترية، وهذا الوضع جعلهم لقمة سائقة لموجوعات التهريب.
ويقول فليكس روس مسؤول حماية اللاجئين لشرق السودان بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «تأخذهم المجموعات الاجرامية لمختلف مناطق السودان، وبعضهم يتعرض للاختطاف، هذا ما يحدث في شرق السودان والمأساة الأكبر أن بدأ يظهر لدينا في المعسكر عدد من الصغار القادمين من ارتريا ويتراوح عددهم شهريا ما بين 40 الى 50 طفلا اعمارهم اقل من 17 عاما، وهؤلاء الصغار في رحلتهم يتعرضون للاختطاف، وبعضهم يتعرض للاغتصاب، ومازالت اعدادهم في تزايد «.
اما المفوض السامي انطونيو غوتيرس فيقول للصحفيين «هذا وضع حرج للغاية، وسنقوم بالتعاون مع الحكومة السودانية ومنظمة الهجرة الدولية في برنامج لرفع قدرات الشرطة السودانية للتصدي لهؤلاء المهربين وضربهم، وهؤلاء مجرمون دوليون، والمشكلة ليست مشكلة السودان وحده، ولذا لابد أن نرى تحركا حقيقيا من المجتمع الدولي في التصدي للمهربين من أجل حماية الضحايا. واضاف: الكثير من الارتريين يريدون السفر الى دول أخرى عبر السودان، وهناك شبكات اجرامية دولية تعمل على تهريبهم لعدد من الدول، ويتعرضون للاختطاف، ومطالبة ذويهم بدفع فدية من أجل اطلاق سراحهم، وهذا العمل انتهاك منظم لحقوق الانسان، ولدينا أخبار وشهود عيان عن تجارة اعضاء وسط طالبي اللجوء وانتهاكات كبيرة لحقوق الانسان والقانون الانساني. واضاف: أكرر ليست عصابات سودانية هي شبكة دولية، مما يحتم تعاون كل دول الاقليم في القضاء عليها. والآن هذه المجموعات تجد مناخا مواتياً لممارسة أنشطتها».