الشعر واﻷدب العربي في ارتريا لقد مرت الثقافة العربية عموما في إرتريا بمراحل عديدة ، مرحلة الثقافة الشفاهية ، حيث لم يحفظ لنا تاريخنا القديم سوى بعض المخطوطات التراثية النادرة التي يحتفظ بها شيوخ القبائل ونظارها تخليدا لوقائع مرت بها القبيلة ، وكذلك بعض المخطوطات التي تحفظ بها القبيلة شجرة أنسابها. أما في جانب اﻷدب كالشعر والقصة وغيره في هذه المرحلة فقد تميز بأنه أدب شفاهي بمعنى أنه لم يكن موثقا مكتوبا حتى يتمكن الدارس من محاولة كشف كوامنه . إذ القصة في إرتريا ليست إﻻ حكايات متفرقة هنا وهناك يتناقلها الناس عن زمن اﻷتراك العثمانيين ، وعن الاستعمار اﻹيطالي والإنجليزي ، وعن الدرق وما فعله بالشعب الإرتري ، وقليل من الحكاوي اﻷسطورية التي تتوارثها الشعوب عن بعضها ، ولكنها كلها لم توثق وقد كانت مغرقة في اللهجات المحلية ، وقد نجد للقصة الواحدة أكثر من رواية بحسب المنطقة أو اللهجة التي تروى بها. أما عن الشعر فهو أيضا لا يختلف كثيرا عن القصة في شفاهيته وارتباطه باللهجات العامية وإن كان أحسن حاﻻ في انتشاره وكثرة تداوله ؛ وذلك لتعلق موضوعاته بأمجاد القبيلة ومآثرها التي كانوا يتفاخرون بها ، وكذالك اﻷهازيج التي كانوا يرددونها في اﻷفراح والمناسبات ، وكذالك بعض المدائح النبوية التي كانوا يحيون بها الحوليات والموالد ، وقد كان في بعض القبائل ما يشبه نظام النقائض في الشعر العربي ، حيث يقوم أحد الشعراء بذكر مفاخره فيقوم من الجانب اﻷخر من يخطئه ويرد عليه بنفس وزنه وقافيته ، وهو ما يعرف بـ (القنقر) ، وهو نوع من التهاجي لكنه كان يأخذ صورة المزاح واللعب . ولعل كانت بدايات الوعي اﻷدبي مع ظهور حركات التحرر الوطني التي نهضت بالوعي السياسي من إطار القبيلة واﻷسرة إلى رحاب الوطن واﻷمة ، فكانت أقدم قصيدة مكتوبة باللغة العربية ( فيما أعلم ) هي التي كانت مهداة من أحد الشعراء إلى اﻹمام المهدي بعد انتصاراته على اﻹنجليز ، كما ذكر ذلك محمد صالح ضرار في كتابه قبائل الحباب والحماسين ، فكانت هذه بداية لمرحلة جديدة تمثلت في عهد الرابطة اﻹسلامية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي ، وكانت هذه المرحلة بمثابة العصر الذهبي للثقافة العربية عموما واﻷدب على وجه الخصوص في إرتريا ، فقد أتيحت حرية تأسيس الصحف والمجلات التي تدعو إلى النهوض بالوطن والتمسك بحقوق اﻷمة وثوابتها ، بل قد ظهرت المجلات المتخصصة في اﻷدب والثقافة مثل مجلة ( أسمرا الثقافية ) ومجلة ( المنار اﻷدبي ) باﻹضافة إلى الصفحات الثقافية التي كانت تلحق بالصحف السياسية ، وانتشرت في هذه الفترة أيضا قصائد اﻹخوانيات والمراثي وغيرها ، ومن المراثي التي قيلت في تلك الفترة ما كتبه ياسين محمد باطوق من قصيده يرثي فيها الشهيد عبد القادر كبيري : يا خادم الإسلام أجر مجاهــد في الله من خلد ورضوان الله يشهد أن موتك بالحجـــى والجد والإقدام والعـرفـان إن كان للوطنية ركن قائـــم في هذه الدنيا فأنت الباني كذالك غزليات إدريس ود أمير التي انتشرت في حينها والتي كانت عن قصة حب حقيقية. وكذلك كانت أشعار محمد نور كماجنا ، إﻻ أن كماجنا كان يميل في موضوعاته إلى القضايا الوطنية ، ويروى عنه أنه هو من قال في معرض انتقاده لضم إرتريا إلى إثيوبيا : أسراس كاسا أندديو دقينا من رأيا إب براقا لإدينا كم يتايم إب صحن روز زبينا ومثل هذه القصائد وإن لم تكن مكتوبة وموثقة إﻻ أنها استمدت انتشارها لارتباطها بالغناء وبموضوعاتها التي ﻻمست أوتار الحياة العامة للإنسان اﻹرتري . كما انتشرت في هذه المرحلة الجمعيات الثقافية واﻷدبية في أكثر المدن الإرترية بل قد تجد في بعض المدن الجمعيات حسب اﻷحياء ، وكانت هناك المناشط الأسبوعية والشهرية وغيرها ، ولكنها أيضا لم توثق لنا إلا كأخبار ومرويات شفاهية بالرغم من أن الذين كانوا يقومون عليها في غالبيتهم من المدرسين والطلاب . وأخيرا ..
هذه أصداء روحي فلتكن روحك أذنا إن تجد حسنا فخذه والطرح ما ليس حسنا إن بعض القول فن فاجعل اﻹصغاء فنا