الدرس السادس
الحكمة من صيام رمضان
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
فإنّ ما شرعه الله تعالى لعبادة من العبادات إنما ذلك لحكمةٍ تامةٍ بالغةٍ ، فالله الحكيم العليم في خلقة وشرعة وجزائه ، ومن تلك العبادات الصيام فله حكمةٌ كبيرةٌ منها :
1) إن الصيام عبادةٌ لله تعالى ، فيتقرب العبد إلى ربه بترك محبوبات نفسه ومشتهياتها من الطعام والشراب والنكاح ، ويظهر بذلك صدق إيمان العبد ، وكمال عبوديته لربه ، ومحبته له ، ورجائه ثواب الله ؛ لان العبد لا يترك ما يحبه إلّا لما هو أعظم عنده منه ، فكن - أيها المسلم - ممن صام راغباً فيما عند الله ، مُتذللا له بهذه العبادة .
2) ومن حكم الصيام : أن يحقق العبد تقوى الله ،كما قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : 183 ]. وهذا إنما هو الصيام الشرعي الذي حافظ صاحبه عليه من المفطِّرات ، ومن قول الزور والعمل به ، وقد قال ع : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري . اجتهد إن تصوم صوماً صحيحاً نقيّاً من الشوائب والشبهات .
3) ومن حكم الصيام : أنّ الصائم يتخلّى قلبه للفكر والذكر ، ولأنّ تناول الشهوات يحصل به الغفلة ، وقد يحصل به قساوة القلب ، ولذا فقد أرشد النبي ع إلى التخفيف من الطعام والشراب ، وقد قال المقدام بن معد يكرب س : سمعت رسول الله ع يقول : ( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ ) رواه ابن ماجه (صحيح).
4) ومن حكم الصيام : أنّ الغني يعرف نعمة الله عليه بنعمٍ كثيرةٍ لم يحصل عليها الفقير من المطاعم والمشارب والنكاح ، فيحمد الله ويشكره ، ويتذكر أخاه الفقير المسلم فيتصدق عليه ، ويعطيه من مال الله الذي آتاه ، فيا أيها الأغنياء : تصدَّقوا على الفقراء في هذا الشهر الكريم (رمضان) ، وأعطوا عطاء من لا يخشى الفقر ، وجودوا بالمال والخير على إخوانكم المحتاجين ، وكونوا شاكرين لنعم الها ، وقد قال ع : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) رواه مسلم.
5) ومن حكم الصيام : أنّه يضيق مجاري الدم بسبب الجوع والعطش ، فتضيق مجاري الشيطان في البدن ، وقد قال ع : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ) رواه البخاري . كما أن الصيام يكسر قوة الشهوة ، ولذلك أيها الشباب ومن في حكمهم : استمعوا لهذا الحديث ، واعملوا به ، فقد قال ع : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه الشيخان . والله الموفق.
نقلاً من كتاب دروس شهر رمضان
للشيخ محمد بن شامي مطاعن شيبة