الدرس العاشر
رمضان شهر القرآن
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد:
أيها المسلم : إنّ شهر رمضان هو الشهر الذي قال الله تعالى عنه : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان ﴾ [البقرة : 185]. فإذا علمت ذلك فاجتهد بما يلي :
1) اجتهد في قراءة القرآن بنيةٍ خالصةٍ لله تعالى ، وقلبٍ حاضرٍ ، وتلاوته بتأنٍّ وتروٍّ بدون عجلة ، ولكن بتدبُّرٍ وفهمٍ ووعيٍ وترتيلٍ ، وقد قال الله تعالى لرسوله ع : ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ﴾ ِ[المزمل: 4].
وإذا قرأت بعضاً من الآيات وفهمت ما فيها فاسأل نفسك عن تطبيق ذلك والعمل به ، اجمع بين الفقه في القرآن والعمل بما تعلمه ، وقد قال الله تعالى : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الألباب ﴾ [ ص : 29 ] .
2) إذا تيسَّر لك أن تتدارس القران مع بعض طلبة العلم ممَّن هو عالمٌ بالقرآن ، ومعانية وأحكامه ؛ ليفيدك في بيان الآيات وشرحها فذلك أمرٌ طيبٌ ، وابحث عمّن تدرس معه القرآن في ليالي رمضان ، وإذا كان من أولادك وأهلك ممن يسهل المدارسة معه أو مِن مُحبِّيك فهو أفضل ، فإنّ مدارسة القرآن في شهر رمضان وتفهُّمه من أفضل الأعمال الصالحة.
وقد قال ابن عباس م: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ ع أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ) رواه الشيخان. وإذا حصل لك المدارسة للقرآن ، وفهمت بعضاً من الآيات ، فكن مطبِّقاً لها فوراً ، ومن ذلك أنّك ستمرُّ عليك آيات الإنفاق والحث على فعل الخير ، فكن جواداً كريماً بكل خيرٍ وعطاءٍ وصدقةٍ.
3) إن لم يتيسر لك أحدٌ من طلاب العلم ، فخُذ لك تفسيراً مُيسّراً للقرآن ، بحيث تراجع الآيات التي قرأتها في هذا التفسير الذي يعينك على فهم القرآن ، وليكن التفسير من التفاسير التي على منهج السلف في العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق ، واقرأ القرآن في شهر رمضان على قدر الاستطاعة ، ثلاث مرات ، أو مرّتين ، أو أكثر أو أقلّ ، وفي حديث عبد الله بن عمرو م : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ فِي شَهْرٍ قَالَ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يُرَدِّدُ الْكَلَامَ أَبُو مُوسَى وَتَنَاقَصَهُ حَتَّى قَالَ اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ قَالَ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ) رواه أبو داوود (صحيح).
4) عندما تتلو القرآن زيِّن القرآن بصوتك ، فقد قال ع : ( زيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْناً ) رواه الحاكم (صحيح) . واقرأ قراءة الخاشع لله ، الذي يخشى الله ، بظهور ذلك في قراءته ، وقد قال ع في حديث جابر س: ( إِنَّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتُمُوهُ يَقْرَأُ حَسِبْتُمُوهُ يَخْشَى اللَّهَ ) رواه ابن ماجه (صحيح).
5) اقرأ القرآن في رمضان أو غير رمضان ، وتدبّر في قراءة القرآن ، ومن ذلك التدبُّر : إذا مررت بآيةٍ فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة ، وإذا مررت بآيةٍ فيها ذكر النار فاستعذ بالله من النار، وإذا مررت بآيةٍ فيها ذكر الرحمة فقل : اللهمّ ارحمني أو نحو ذلك ، أو بآية استغفار فاستغفر الله ، أو بآيةٍ فيها تسبيح فسبِّح الله ، أو سؤال فاسأل الله ، أو بآيةٍ فيها ذكر آيات الله كالليل والنهار والشمس والقمر، وكل ما خلق الله ، فتفكّر في هذا الخلق الذي فيه دلالة على قدرة الله العظيمة ؛ لتعود ذاكراً لله ، قائماً ، وقاعداً ، وعلى جنبك ، وقد ازداد الإيمان عندك ، بل إذا قرأت القرآن في النوافل فافعل كما كان ع يفعل ، فإنّه صلى ليلةً فكان ع ( إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ) رواه مسلم .
اعمل لك ولأهلك في رمضان برنامجاً مع القران .
6) من أفضل المدارسة للقرآن أن تكون في المسجد ، وقد قال ع : ( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم. فاحرص على ذلك أيها المسلم !
7) تأدّب بآداب قراءة القرآن المستحبة ، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن ، وإذا مررت بآية سجدة فاسجد ، وكن على طهارة. والله الموفق.
نقلاً من كتاب دروس شهر رمضان
للشيخ محمد بن شامي مطاعن شيبة