|
|
|
|
الصلاح قبل الإصلاح ... بقلم: خالد رُوشه
اسمع كثيرا من نقد الحال والواقع على ألسنة الناس من الخاصة والعامة , وأرى عديدا من ألوان الامتعاض من الحوادث والأحداث قد غطى أثرها محيا الكثيرين , فاغتاظت نفوسهم وماجت عباراتهم القاسية تعيب الظروف من حولهم وترجو الإصلاح أن يعم , وتصاعد الامنيات والدعوات بالإصلاح .. معظم هؤلاء الناقدين والمستائين والراجين للإصلاح قد نسوا أن أصل الإصلاح هو أن يصلح المرء نفسه ابتداء , فيعالج من نفسه أمراضها , وينقي من قلبه خبثه , ويطهر باطنه قبل ظاهره , ويحسن نيته في عمله وخطوه , ويعود إلى منهج الله , ويصير عبدا صالحا , فالله سبحانه كفيل بأن ييسر له ما فيه خيره , ويصرفه عما فيه الشر , ويوجهه نحو ما يرضاه , وينصره , ويسهل له كل صعب . إن أفضل الغايات وأهم الواجبات على كل أحد أن يصلح نفسه , وأن يكون هذا الصلاح هو شغله الشاغل ابتداء , فيشهد شهادة التوحيد وينقي عقيدته مما يمكن أن يعلق بها , ويخلص في عبوديته لربه , ويلتزم الفرائض والواجبات , ويداوم على ذكر الله سبحانه , ويقتفي أثر نبيه صلى الله عليه وسلم , ويتقن عمله , ويفي بوعده , ويتوكل على ربه , ويقول كلمة الحق و ويقيم العدل على ذات نفسه وغيره , ويعين على الخير , ومن ثم ينطلق إلى بث الهدى في كل موضع حل فيه . قال سبحانه : " ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا , إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا و واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا .. الآيات " .. فأمره بالقيام وقراءة القرآن والذكر والصلاة في جوف الليل , والإقبال غلى العبادة الجادة كي يتهيأ للقول الثقيل الذي سيلقى عليه وسيؤمر به . فالداعية الصالح يتعبد ويطهر قلبه , ويطيع ربه فيما فرضه عليه , ويتقرب إليه بالتطوع , ويتعلم , ويتفهم , ويصبر على العبودية , ثم يشمر عن ساق الجد والعمل . وهو بينا هو في طريقه ذلك لا يقعد عن الأمر بالخير والنهي عن السوء , لمن يعول ومن يعرف قدر طاقته , باستهداء العلماء والدعاة من حوله .
وإشارة الصلاح أن يقيم التوحيد , ويتذوق طعم الإيمان , ويستشعر بلذة العبادة , ويتفهم قواعد العلم بدين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وأن يذكر الله سبحانه حتى يطهر نفسه , وأن يستقيم على أمر الله في السراء والضراء , وأن يكون الدعاء والرجاء والخوف ميزان حياته وعمود يومه وأمسه وغده . ولست ههنا أدعو الناس أو الدعاة إلى الانعزال أو الانطواء أو العيش بعيدا عن الخلق , كي يحققوا الصلاح الشخصي قبل الإصلاح للغير , وإنما أدعو إلى أن يثبت المؤمن صلته بربه سبحانه , ويحقق الإخلاص في نفسه , ويتبع الشريعة في خاصة نفسه , مع طهارة القلب والعلم كي يستطيع أن يبث معنى الإصلاح في قلب غيره , وإلا صار يدعو إلى الله وقلبه خال , وعبادته متقلبه , والفتن تتلاعب به ليل نهار . إن معنى الإصلاح يحتاج طاقة تربوية وعلمية يستطيع بها المصلح أن يؤثر في غيره , وينقل معنى الاستقامة ويبث نورانية العلم بشريعة الله سبحانه , وهي طاقة ينعم بها الله سبحانه بفضله ومنه وكرمه على عباده الصالحين .
هذا فيما يخص الأفراد كل في ذات نفسه , أما ما يعم الأمم , فإن نداء الإصلاح هو النداء الأمثل والأعلى وهو زمام المبادرة , قال سبحانه : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} فالخيريَّة والتوجه الإصلاحي مسؤولية الأمم بجميع أفرادها، وكافة طوائفها؛ فهي مسؤولية تضامنيَّة، وليست فرديَّة، حتى وإن كان أفراد هذه الأمم صالحين، فلا يعفيهم ذلك من المسؤولية. فالإيمان بالله ثم تقوى الله - عز وجل - والخيريَّة، والنهوض بمهمة الإصلاح عنوان لصلاح الأمم وازدهارها؛ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وقد كان الإصلاح – وما يزال- هو القضية الكبرى لكل المصلحين، على مر التاريخ ، وقد ذكر القرآن على لسان شعيب عليه السلام هذه الحقيقة، فقال _تعالى_: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"
وقد وصف الله المصلحين بأنهم أولئك الذين يدعون الناس إلى التمسك بالإسلام والقرآن، بل ووصف هذا الفعل بأنه من أفعال المصلحين، فقال تعالى:" وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ"
|
|
|
|
|