الواقع المعاش للشعب الإرتري
في ظل استبداد النظام القمعي
بقلم : أبو الحارث المهاجر
يصعب على المرء الحديث عن الواقع المعاش للشعب الإرتري من جراء المآسي والظلم والاضطهاد والاستبداد الذي يمارس في حقه لشدة مراراتها ، يصعب تسميتها واقع معاش حيث أنها تحتاج إلى عبارة أخرى تناسب وتصف الواقع بالدقة أكثر. نظام يفتقر ويعجز تقديم وتوفير أبسط مقومات الحياة الآدمية للإنسان الإرتري ، مع انعدام البنية التحتية في كل المجالات وتدني المستوى الصحي والتعليمي والمعيشي.
واقع الحال اليوم داخل الوطن مزري ويعجز الإنسان أن يصفه وذلك للحرمان الذي يعيشه شعبنا تحت جبروت نظام الدكتاتور إسياس أفورقي. المواطن العادي مُنع من ممارسة التجارة ومُنع من زراعة أرضه التي يعتمد عليها في كل شؤونه الحياتية وذلك بحجة أن فئة محددة من شرائح المجتمع الإرتري لا يحق لهم امتلاك وزراعة أراضيهم وهم ( كبار السن ، الجندي ، المغترب ، من يسكن في أي من المدن الإرترية خارج قريته) ، والعجيب أن مجتمع الشعب الإرتري كلهم من الشرائح المذكورة ، حيث من يتواجد في المنزل هم الشيوخ والأطفال والنساء ، أما الشباب فهم في جبهات القتال أو مغترب خارج وطنه هارباً بجلده من بطش النظام يتقلب بين أمرين أحلاهما مر بين الاغتراب وابتزاز سفارات النظام له ، وبين حرمانه من الزراعة في أرضه ووطنه التي يحلم أن يعود إليها وينعم فيها بالأمن والرخاء ولكن تبددت أحلامه.
المضحك المبكي أن يُحرم المواطن الإرتري البسيط الذي يعيش في أقرب مدينة لقريته التي تربى وترعرع فيها وتوجد بها أرضه ومواشيه التي ورثها كابر عن كابر بيد أن النظام المجرم هو من أجبر الأهالي بضرورة دخول المدن لكي يوفر لهم الخدمات التعليمية والصحية على حد زعمه ، والآن نكص على عقبيه لكي يجبر المواطن الفقير على الاختيار بين منزله الذي يمتلكه في مدينته وبين مزرعته في قريته وتنتزع منه إحداها. هذه التصرفات الهمجية الحاقدة من قِبل النظام المجرم تبين بكل وضوح وجلاء أنه يريد تشريد هذا الشعب من قراه ومدنه وإفقاره حتى بتسول ويسهل له طرده من أرضه.
على المستوى الاقتصادي منع النظام المواطنين ممارسة النشاط التجاري بغية احتكار التجارة مع انخفاض حاد في سعر صرف العملة مع خسائر فادحة في الميزان التجاري للدولة ، وغلاء فاحش للمواد التموينية الأساسية مما خلق تضخما في الحياة المعيشية للمواطنين يتجاوز بأضعاف مضاعفة لسقف دخل الفرد في الدولة الذي يعيش تحت خط الفقر نتيجة السياسات الاقتصادية للنظام.
وفي الجانب السياسي فإن النظام الإرتري وجد طوق نجاة بدخوله في التحالف العربي في اليمن عبر المهنة التي يجيدها جيداً المتمثلة في السمسرة والارتزاق وأصبح الشباب الإرتري في جيش النظام عبارة عن مرتزقة تدر لخزينة إسياس أفورقي ملايين الدولارات كما فعلها من قبل مع الدول الإفريقية (كونغو برازافيل) وغيرها. واليوم أصبحت الأجواء والمياه الإرترية مستباحة أمام طيران دول أجنبية حيث يتم التضييق على المواطنين في الموانئ الإرترية لصالح الدول الأجنبية التي تتمركز فيها عبر القواعد العسكرية التابعة للدول الأجنبية ، حيث تم استهداف المدنين العزل في الشواطئ الإرترية بواسطة الطيران الحربي الأجنبي لعدة مرات.
وليس غريباً أن نشهد هذا الواقع في وطننا الغالي في ظل نظام إسياس فإن الحكومات الدكتاتورية والمستبدة ديدنها التنكيل بالشعب الأعزل وإفقاره والنيل من كرامته.
وعرف الكواكبي الاستبداد بأنه الحكم المطلق أو السلطة المطلقة. الحكم المطلق هو الحكم الصادر عن حكومة تتصرف خارج كل شكل من أشكال الرقابة أو المحاسبة أو الاعتبار لإرادة الأمة أو بناء على نماذج سابقة من الحكم، وفي ذلك يقول الكواكبي : (الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً الّتي تتصرّف في شؤون الرّعيّة كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقّقين. وأشدّ مراتب الاستبداد الّتي يتعوّذ بها من الشّيطان هي حكومة الفرد المطلق ، الوارث للعرش ، القائد للجيش ، الحائز على سلطةٍ دينيّة. المستبدّ يتحكّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتِهِم ويحكم بهواه لا بشريعتِهِم ، ويعلم من نفسهِ أنّهُ الغاصب المعتدي فيضع كعب رجلهِ على أفواه الملايين من النّاس يسدّها عن النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته. المستبدّ عدوّ الحقّ ، عدوّ الحريّة وقاتلهما.المستبدّ يتجاوز الحدّ ما لم ير حاجزاً من حديد ، فلو رأى الظّالم على جنب المظلوم سيفاً لما يقدم على الظّلم ، المستبدّ إنسانٌ مستعدٌّ بالطّبع للشّرّ وبالإلجاء للخير ، فعلى الرّعيّة أن تعرف ما هو الخير وما هو الشّرّ فتلجئ حاكمها للخير رغم طبعه ، المستبدّ يودّ أن تكون رعيّتهُ كالغنم درّاً وطاعةً ، وكالكلاب تذبّلاً وتملّقاً ، على الرّعيّة أن تعرف مقامها هل خُلِقت خادمةً لحاكمها ، تطيعهُ إن عدل أو جار ، وخلق هو ليحكمها كيف شاء بعدلٍ أو اعتساف ، أم هي جاءت به ليخدمها لا ليستخدمها ؟! والرّعيّة العاقلة تقيّد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها لتأمن بطشهِ فإن شمخَ هزت بهِ الزّمام وإن صال ربطتهُ ).انتهى.
وفي تقديري المتواضع هناك معضلة حقيقية تعاني منها قوى المعارضة الإرترية تتمثل في افتقارها للإرادة الفولاذية للتغيير ، وإذا توفرت نسبة قليلة من الإرادة فهي كفيلة بأن ترمى هذا النظام في مزبلة التاريخ .
حيث يُعوّل الكواكبيُّ على الإرادة بوصفها علّةً منتجةً لأفعال الإنسان وحرّيّتهِ ، فمتى توفّرت للإنسان أمكن لهُ أن يبدأ مسيرة التّغيير في حياته وصولاً للوقوف في وجهِ المستبدِّ والمطالبة بحقوقه ، لكنّهُ متى افتقد إليها يُصبحُ كائناً منفعلاً تابعاً لمشيئة مولاه ، فيكون الاستبداد والعبوديّة القدر الّذي يحلّ به ، فالإرادة أمّ الفضائل الّتي ينبغي للإنسان عدم الاستهانة والتّفريط بها ، الإرادة هي أمّ ناموس الأخلاق .
وهنا أتحدث عن الإرادة الفولاذية التي يجب أن تعمل عليها قوى المعارضة الإرترية لانتشال هذا الشعب من براثن ظلم واستبداد إسياس أفورقي وزمرته. والإرادة التي يجب أن تتحلى بها المعارضة والتي لا تحتمل التأخير هي توحيد الصف والجهود والمواقف وإعطاء الأولية لإسقاط النظام وإرساء دولة يسودها العدل والقانون.