لا شك أن الكثيرين مروا بلحظات من الشعور بالفشل وأن كان إحساساً وهمياً، ولكن حتى إذا ابتعد الإحساس عن الواقع وكان مجرد شعور لا يعكس الحقيقة يكون له انعكاسات خطيرة على الشخص نفسياً واجتماعياً، فالشعور بالفشل يرتبط بشكل وثيق مع جميع الأفعال والتصرفات اليومية ، وهناك من يتأثر نفسياً إذا لم ينجح في القيام بأي نشاط أو عمل ، حيث يتحول عنده الشعور بالفشل إلى إحساس باليأس والإحباط ويجعله يتراجع كلما أقدم على القيام بنفس العمل أو الأعمال المشابهة لذلك الذي فشل في إتمامه.وبالتأكيد الشخص الذي يستسلم للفشل يصبح مسكناً للإحباط وأكثر تعرضاً للأوجاع النفسية والعقلية.
والمعارضة الإرترية أيضاً كغيرها من قوى التغيير تمر بمنعطفات الضعف والفشل في عملها مما انعكس على أدائها وتماسكها ، وكادت تصبح مقعدة بسبب تناحرها فيما بينها وعدم تفاعلها وتعاطيها مع المستجدات السياسية والعسكرية والإنسانية وفق ما ينسجم والمسؤوليات المنوط بها تجاه الوطن.
وبسبب الشعور بالضعف والفشل عجزت المعارضة الإرترية من عقد مؤتمر المجلس الوطني الذي يعلق عليه الكثير آمال وطموحات الشعب الإرتري لفجرٍ جديد يسهم في إزالة كابوس النظام الظالم في إرتريا.
مرت علينا كثير من الأحداث المهمة التي كان من المفترض أن يتم استثمارها لصالح قوى التغيير ولكن مع الأسف الشديد لم تحرك ساكناً حيالها.
وسوف أقف على حدثين مهمين خلال الأشهر الماضية الأولى في يناير الماضي 2017 .
الوقفة الأولى : مجموعة من الرشايدة وتجار البشر يمارسون هواياتهم المفضلة في الابتزاز وإذلال المجتمع الإرتري في وضح النهار وذلك عندما أوقفوا بص السفريات بين طريق كسلا وكركورة لكي يختاروا فريستهم بكل عناية ويزرعوا الرعب والإرهاب في نفوس الأبرياء دون رادع (من الأطراف المعنية). والمعارضة الإرترية بكل ألوان طيفها لم تكلف نفسها حتى الاستنكار لمثل هذه الممارسات الإجرامية (لأنها مشغولة بقضايا أهم منها) ، فضلاً عن تقديم الشكوى في المنظمات الدولية والإقليمية لاستصدار قرارات دولية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الغربية لحماية الشعب الإرتري في أرض المهجر ، وخاصة مناطق اللاجئين في السودان التي أصبحت مرتعاً خصباً لعصابات تجار البشر وإجبار هذه العصابات بالتوقف من العبث الذي تمارسه ضد شعبنا الأبي.
الوقفة الثانية : في شهر فبراير 2017 الماضي تناقلت وسائل الإعلام هروب أكثر من ألف جندي إرتري إلى إثيوبيا يعني (لواء) بالحسابات العسكرية تقريباً حسب التشكيلات العسكرية. هذا العدد الهائل لم يتم الاستفادة منه من قِبل قوى المعارضة الإرترية بالرغم من حاجتها الملحة وذلك بسبب تشرذمها في المواقف السياسية والعسكرية حيث عجزت أن تنشئ وعاء جادا لاستقبال واستقطاب جميع الجنود الذين يهربون من بطش النظام والعمل على توجيه هذه القوة التي تتمتع بالخبرة القتالية والممارسة العسكرية ضد النظام.
وإذا نظرنا إلى واقعنا بعين فاحصة بعيداً عن المجاملات نستطيع القول بأننا فشلنا سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وجماهيرياً في مقارعة النظام. هل لدينا تواصل مع الداخل ؟ هل يوجد لدينا قائمة وكشوفات تفصيلية بالمعتقلين حتى يتم الضغط على النظام بالجانب الإنساني عبر المنظمات الدولية ؟ هل يوجد لقوى المعارضة الإرترية إعلام موجه إلى الداخل ؟ مع الأسف هذا واقع مرير لا ينسجم مع من يريد التغيير.
وفي المحصلة لا يعد الفشل دائما علامة سلبية أو نهاية مطاف أو حتى مجرد محطة سلبية في حياتنا، بل هي نقطة في مسيرة حياة طويلة يرتفع ويهبط فيها كما هي سنة الحياة ، وهذا هو القانون والناموس الدائم لهذا الكون. ومن نقطة الفشل قد نصل للنجاح وتلك ليست مقولة نظرية لا يمكن أن تتحقق في الواقع ، بل هي تجربة حقيقية قام بها العديد من النجوم في مختلف الفنون نجحوا في تحويل الفشل إلى نجاح كبير ، وذلك شريطة أن تتوفر لدينا الإرادة القوية والإيمان بالقضية.
وهناك من قادوا الفشل إلى نجاح فأشهر العلماء على مر العصور لم يحققوا ما وصلوا إليه من ابتكارات واكتشافات إلا بعد العديد من المحاولات الفاشلة التي قتلها الإصرار و قادها التفكير الإيجابي إلى النجاح. فعلى سبيل المثال في الجانب العلمي نجد توماس أديسون لم ينجح في اختراع المصباح الكهربائي إلا بعد 1800 محاولة فاشلة. ونجد في الجانب السياسي إبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1861م إلى 1865م حيث فشل أكثر من ثلاث مرات في انتخابات مجلس النواب في أن يصبح نائبا للرئيس الأمريكي، إلا أنه بعد هذا السجل المليء بالتجارب الفاشلة، أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية عندما بلغ سنه 60 عاماً، وذلك بفضل إصراره وعزيمته وعدم استسلامه للفشل، لذا لخص لينكولن تجربته قائلاً ( لن تفشل إلا إذا انسحبت) بمعنى أن لا تضعف أمام التحديات، لذا يجب على الشخص ألا ينسحب من المواجهة بجميع أشكالها من جراء التجارب الفاشلة ، بل يحاول ويحاول حتى يصل إلى مراده ومبتغاه.
وفي تقديري قيادات المعارضة الإرترية معنية أكثر من غيرها في تحمل مسؤولياتها تجاه ما يحدث للشعب الإرتري، وعندما تكون في مقدمة الصفوف لاسترداد حقوقه سوف يجدون الشعب أمامهم !!.
بقلم أبو عبير