التعـايـش السـلمي في إرتـريــا
أبو محمد أحمد
التعايش السلمي بين الشعوب والقبائل والتجمعات مبدأ مهم سواء في الفترات اللاحقة أو السابقة ، ومن دون التعايش السلمي لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في أي بقعة من بقاع العالم، والتعايش يقوم على مبدأ قبول الاختلاف مع الآخر، وأيضا احترام الحقوق والواجبات وحق المواطنة لأي شخص كان ، بغض النظر عن دياننته أو لونه أو جنسه فهو له الحق في العيش الكريم في داخل القطر الواحد ومع المكونات الأخرى.
والكل يرى ما يحدث للأنام من قتل وتشريد وظلم وعدوان نتيجة لفقدان التعايش السلمي بين الشعوب خاصة في إرتريا، لذا ينبغي علينا نحن الإرتريين والمحبين للسلام والتعايش السلمي من المثقفين والمتعلمين ـ أن نرسل رسالات عديدة في مختلف الجوانب حتى تؤدي إلى استقرار، وإلى استرجاع عافية الوئام بين الناس في المنطقة بحق وحقيقة ، لا يؤثر فيه أنانية ولا حظوظ نفس ضيقة ، ولا يكون نتيجة لردود الأفعال دون ترو، ودون تقص وتفحيص ، ويجب أن يكون مدروسا ومتماشيا مع حقائق الأمور ومآلاتها .
وفي ضوء عدد من المفاهيم الطائفية التي تجسدت عقب السلام الأخير الذي عقد بين النظامين في أسمرا وأديس أبابا، وفي ظل غياب الدستور في دولة إرتريا ، ومرورا بنزيف الدم الذي يجري منذ حرب الثلاثين عاما وحرب بادمي ، وجراء الممارسات التي يقوم بها النظام ضد شعبه الأعزل.
وكل المفاهيم التي يراد لها أن تكون عاملا من عوامل إصلاح المجتمع، ينبغي لها أن تخضع للواقع ، ولا يصح أن نتعامل معها على أنها ورودا مغروسة في الهواء، ومفهوم التعايش ينبغي أن يلامس الواقع فإن الإصلاح والتجديد والتغيير مسئولية جماعية.
التعايش كمفهوم وهدف يجب أن يطرح على طاولة المفاوضات والنقاشات البينية، ويجب أن يدرس طبقا لعناصره التنظيرية الأساسية؛ لأن التعايش عقد بين طرفين فلا بد أن نتعرف على أركان هذا العقد وعناصره وشروطه.
التعايش يقبله العقل السوي ، والذي ينفر من التعايش لديه إرهاب فكري، ومثل هذا الشخص إذا تقلد منصبا من مناصب الدولة تحول إلى شخص شعبوي عنصري ، ويكثرون هؤلاء بالظهور عند القلاقل والتوترات ، ويوردون أتباعهم المهالك سواء كانوا نصارى أم مسلمون، وهؤلاء الشعوبيون يجب إسكاتهم ومواجهتهم بالعمل والفكر والحوار المتبادل في داخل أتباعهم الذين يخدعونهم ويستخفون بعقولهم، والمشكلة أن هؤلاء الشعوبيون في حالة عدم تحقيق أهدافهم يلجأون إلى إعمال القوة من سجن وتعذيب والتصفية الجسدية ضد كل من يشكل عائقا أمامهم.
التعايش عقد اجتماعي والعقد يجب أن يتم التوافق عليه من الطرفين ، فإذا كان الطرفان صادقين، وكان التعايش على أرضية مكشوفة وواضحة فهو بالتأكيد سوف يثمر الثمار النافعة، أما اذا كان غير ذلك فلن ينفع بل سيزيد الطين بلة.
وكما يقولون (البلد ليس لمن يسكنه ولكن البلد لمن يحميه) ونحن دورنا كبير في حماية البلد، ويشهد القاصي والداني بموقف المسلمين من التعايش السلمي ، والعمل على مصلحة الوطن ، ويشهد به التاريخ في فترة تقرير المصير ، وموقف الأحزاب المنادية لعدم الانضمام إلى إثيوبيا ، وكان منطلقهم الكتاب والسنة الذي أمرهم على ذلك، ودور المسلمين في الكفاح منذ تقرير المصير (الرابطة الاسلامية) التي كانت تنادي بعدم الانضمام إلى إثيوبيا، وانطلاق أول شرارة في الكفاح المسلح كل هذا يشهد على أن دور المسلمين كان ناصع البياض، وأنهم كانوا يحرصون على مصلحة البلاد والتعايش مع جميع المكونات في سلم وأمان.
والمسلمون وإن لم يجدوا الشكر والعرفان من الحكومة الديكتاتورية فإن الأجيال القادمة لن تنسى صنيعهم النير الذي كتبه التاريخ بماء من الذهب ، وسوف تتلقفه الأجيال ولن تنساه البتة، كما يشهد العالم بدور المسلمين في النهضة العالمية ، ودوره في إبرام الاتفاقات الدولية وقوانين الأمم المتحدة ، فإن أهم المصادر كانت عند هؤلاء هي المصادر الإسلامية.
إن التعايش لا يمكن ضبطه إلا في وجود القوة المتكافئة ، خاصة مع العناصر الخارجة عن القانون الإنساني والطبيعة البشربة المحبة للسلام والتسامح، واليوم وأكثر من أي وقت مضى يجب الاهتمام بالتعايش السلمي وتعزيزه وتقويته في المنطقة، ولا بد أن يكون محل احترام وتقدير من الجميع.
وهناك بعض من الأطرف كما ذكرنا تتناقض تماما مع عقلية التعايش، وهذا يمكن ملاحظته منذ فترة تقرير المصير ، ومرورا ببدايات النضال من أجل نيل الحرية من المستعمر الإثيوبي وحتى يومنا هذا، وعلى رأسهم الحكومة الإرترية القمعية والأقزيان ، هؤلاء عندهم أزمة فكرية مع التعايش، وهؤلاء يعيشون رعبا فكريا من المجهول، ونتيجة لهذا الرعب نجد لهم بين الفينة والأخرى دعوات منكرة تدعو إلى كسر قانون التعايش السلمي في المطنقة، ويدعون بالكلام النشاز كما سمعنا ورأينا أحدهم يقول : ( إن آبائنا كانوا يدعون إلى الانضمام إلى إثيوبيا خوفا من أن يبتلعنا المسلمون الذين يحيطون بنا من كل مكان ) ، فهل نعتقد أن التعايش يمكنه أن يثمر في وسط كهذا؟.
التعايش مطلوب ولكن بضوابط، وغالبية من هم في سدة الحكم اليوم يرفضون التعايش ، وينظرون إلى بقية المكونات الأخرى بنظرة دونية أو بنظرة استعلائية ، وأما غالبية الشعب سواء كان من النصارى أو المسلمين ليس عندهم أي مشكلة مع التعايش ، بل منذ التاريخ كان المسلمون والنصارى في إرتريا يعيشون جنبا إلى جنب ، ولم تكن هناك أي مشكلة بل كانوا يشاركون بعضهم بعضا في الأفراح والأتراح، وخاصة في الأفراح حيث كانت تذبح الذبائح للنصارى في حال كانت المناسبة للمسلمين والعكس صحيح، وهكذا كانت تعيش الشعوب طيلة الفترة الماضية ومازالت حتى الأن، إلا أن الشواذ من الطرفين الذين يرفضون التعايش السلمي يشكلون قلة، وفي حالة تكاتف المحبين للتعايش والتسامح وهم الأغلبية فإن هؤلاء القلة وإن كانوا في سدة الحكم يمكننا التغلب عليهم بكل سهولة.
وبكل تأكيد اذا أحسنا إدارة الخلاف السياسي والديني فإن ذلك يؤدي إلى التوافق السياسي والديني، والدور الفاعل للأديان في ترسيخ السلم الأهلي وإشاعة روح التوافق والانسجام ، ومحاصرة مظاهر الانحراف لا ينكره أحد.
يحاول البعض أن ينسب مظاهر العنف التي تظهر هنا وهناك إلى الإسلام وهو منها براء ، لذا يجب على المثقف الإرتري أن يكون له دور في زيادة الوعي من خلال إقامة الندوات والفعاليات والمحاضرات حول هذه النقطة ومثيلاتها.
واليوم يقع على عاتقنا نحن المسلمون تقديم الإسلام للآخرين باعتبار أنه دين رحمة وسلام ولنضرب لهم في ذلك أروع الأمثلة التي خلدها التاريخ الإسلامي ( وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين ) ، وبكل تأكيد أن مثل هذه التحركات والفعاليات سوف تلقى قبولا لدى المجتمع بمختلف ألوانه ، ويجب أن نكون على قناعة تامة بأن الطريق المستقيم في العلاقة بين مكونات المجتمع الإرتري بشكل مباشر هي أقصر الطرق ، ليس بالتعريف بحقيقة الإسلام الذي جاء لسعادة البشرية جمعاء ونشر الوئام والرحمة بين بني البشر فحسب ، وإنما أيضا لمحاصرة ظاهرة التخويف من الإسلام التي تكتسح إخواننا المسيحيين ، وعلى وجه الخصوص في الآونة الأخيرة من خلال الأوساط النشاز الحاقدة غير العابئة بما يمكن أن تؤول إليه الأمور، أحسب أنها مهمة كبيرة تعترضها الكثير من الصعوبات والتحديات ؛ لكننا نعتقد جازمين أن عامل الدين يمثل العمود الفقري حيث أنه يمثل منظومة أمنية هدفها الوصول إلى الاستقرار في العالم والمنطقة ، قال الله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثنى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكركم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير).
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .