| 
 
 |  23 Nov 2024
انفصال جنوب السودان وحسابات دول المنطقة بقلم-ياسين محمد عبدالله
10/11/2010
1797
 

2010-11-09

لن يكون السودان المتأثر الوحيد بانفصال الجنوب، بل سيكون للحدث تداعياته على دول الإقليم الأخرى؛ خصوصاً تلك التي لها حدود مشتركة مع السودان وانخرطت، بطريقة ما في النزاع، وهي مصر، إثيوبيا، كينيا، يوغندا، إريتريا وليبيا.

لا شك أن مصر هي أكبر الخاسرين من انفصال الجنوب، لا تتعلق خسارتها بمياه النيل فقط، وإن كانت هذه هي الأهم، إنما أيضاً بمصالح أخرى، مثل تقليص مجال أمنها الإستراتيجي جنوباً واحتمالات انتقال عدوى الانفصال إلى مناطق أخرى في الشمال، أقرب إليها جغرافياً وثقافياً.

عارضت مصر إعطاء الجنوب حق تقرير المصير، لكن ما كان بإمكانها أن تمنعه بعد أن اتفق عليه السودانيون في نيفاشا. لقد غابت مصر عن قضايا الإقليم لفترة طويلة، وعند الحضور، تبنت بخصوصها سياسات خاطئة، إما لأنها صِيغت بالاستناد إلى معطيات الماضي أو لأنها جاءت ردود أفعال على سياسات الأنظمة السودانية.

بانفصال جنوب السودان ستضاف دولة جديدة لدول حوض النيل، ليكون عددها إحدى عشرة دولة. وغالباً ما ستنضم الدولة الجديدة للدول الرافضة لاتفاقية 1959 التي اقتسم السودان ومصر بموجبها مياه النيل. وقد وقعت خمس من هذه الدول في ايار/مايو الماضي على اتفاق إطار تعاوني، من دون وضع اعتبار لرفض دولتي المصب لبعض بنوده، ويفترض أن يدخل الاتفاق حيز النفاذ العام القادم. وسيزداد وضع ملف المياه تعقيداً بالنسبة لمصر في ما إذا اختلف الجنوب والشمال على اقتسام حصة السودان من المياه وسعت هي للاتفاق مع الجنوب على حساب الشمال، كما يمكن أن يستدل من تقارير ذكرت أن مسؤولين جنوبيين وعدوها بالمطالبة بنصيبهم من المياه من الحصة المقررة للسودان حسب اتفاقية 1959. وسيعني انفصال الجنوب إعادة التفاوض حول اتفاق شق قناة جونقلي، الذي سبق لمصر أن أبرمته مع السودان واتفق بموجبه البلدان على اقتسام المياه التي ستوفرها المرحلة الأولى من المشروع والبالغة 4 مليارات متر مكعب مناصفة بينهما. يتوقع أن تطالب دولة الجنوب بمقابل مالي عن المياه التي ستوفرها القناة، وهو ما دعا إليه الكثير من الكُتاب الجنوبيين مثل القائد الجنوبي البارز أبيل ألير في كتابه (جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود) الذي صدر قبل أكثر من عشرين عاماً. وإذا ما وافقت القاهرة على مبدأ شراء مياه القناة فستكون قد أرست قاعدة ستطالب دول منابع الحوض الأخرى بتطبيقها عليها أيضاً. وفي كل الأحوال سترتكب مصر خطأً إستراتيجياً، في ما إذا حاولت معالجة مشكلة المياه مع الجنوب بمعزل عن الشمال، فبإمكان الأخير مثلاً إبرام اتفاقيات مماثلة مع إثيوبيا مما سيلحق بها أذى كبيراً.

قدمت إثيوبيا كل أنواع الدعم للحركة الشعبية، قبل وبعد التوصل لاتفاقية السلام الشامل، وقد تضمن ما قدمته لحكومة الجنوب في السنوات السابقة، بيعها الأسلحة وقطع الغيار، وتسهيل حصولها عليها من آخرين، والتدريب العسكري؛ خصوصاً في مجال الطيران. ويعمل الطرفان منذ أعوام على تعبيد الطرق بين بلديهما لتسهيل التجارة والتعاون في المجالات الأخرى. وتنظر إثيوبيا، الخصم الرئيس لمصر في موضوع مياه النيل، إلى ميلاد دولة الجنوب بارتياح، فهو يقدم لها حلــيفاً إضافياً في نزاعها مع مصر حول المياه وحول القضايا الخلافية الأخرى بينهما مثل قضية الصومال.

وسيؤدي انفصال الجنوب إلى فقدان السودان ربع مساحته تقريباً (600 ألف كيلومتر من مليونين و505 الاف متر) وستقل موارده البشرية والمالية بسببه. وسيخسر السودان حدوده المشتركة مع ثلاث دول هي كينيا، يوغندا والكونغو. كل ذلك سيجعل إثيوبيا في وضع أفضل من شمال السودان في أي نزاع محتمل بينهما، وفي تنافسهما في مجالات التجارة والنفوذ في الإقليم.

لكن ليس كل ما سيأتي به انفصال الجنوب سيكون في ميزان فوائد إثيوبيا، فالقبائل المشتركة ونزاعاتها حول الأرض يمكن أن تتسبب في مشكلات خطيرة، مثلما حدث العام الماضي عندما عبرت أعداد كبيرة من قبيلة النوير اللو بعد اقتتال في الجنوب مع قبيلة المورلي، الحدود إلى إثيوبيا وهناك اصطدم أفراد القبيلة مع أبناء عمومتهم الإثيوبيين (النوير الجيكيني) ولأن النوير السودانيين أفضل تسليحاً وأكثر خبرة في القتال فقد استطاعوا اقتلاع الإثيوبيين، البالغ عددهم 40000، من منطقتهم وإجبارهم على النزوح إلى منطقة أخرى. وقد يشجع انفصال الجنوب القبائل المشتركة للمطالبة بالانضمام للجنوب أو بتشكيل كيان متميز عن بقية التكوينات الإثيوبية، كما يمكن أن يكون وضع هذه القبائل موضوع نزاع في المستقبل بين الجنوب وإثيوبيا.

دعمت كينيا بثبات الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي تعد المستفيد الأول اقتصادياً من انفصاله؛ حيث تدفقت عليها مليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع بنى تحتية ضخمة استعداداً لميلاد الدولة الجديدة. بشرائها النفط من جنوب السودان ستقلل كينيا كثيراً من فاتورة استيراده من دول الخليجن التي زادت بسبب ارتفاع قيمة التأمين ورسوم الشحن في ظل تهديد القراصنة في سواحل شرق أفريقيا. وستبدأ كينيا قريباً في تشييد ميناء على المحيط الهندي في مدينة لامو بتمويل صيني، كما ستمول اليابان، تشييد خط أنابيب بين جنوب السودان وهذا الميناء بتكلفة 1.5 مليار دولار ومصفاة لتكرير النفط السوداني في الميناء ذاته. وسيجعل تنفيذ تطوير شبكة السكة الحديد وربط جوبا بكل من كمبالا وممبسا من كينيا مركزاً لوجستيا إقليمياً. وستخلق هذه المشاريع الاف فرص العمل للمواطنين الكينيين. ويتوقع أن يكون للطرق وخط أنابيب النفط تأثيرات اجتماعية واقتصادية ايجابية على المجتمعات المحلية التي ستمر بها.

لكن لكينيا أيضا مشاكلها الحدودية مع الجنوب وقد وقع مطلع العام الحالي صدام بين قبيلتي التوبسا السودانية والتوركانا الكينية، في منطقة متنازع عليها، ومع أن الحكومتين حاولتا السيطرة والتقليل من الخلاف الا أنه يمكن أن ينفجر في أي وقت ويكون أشمل.

أما إريتريا التي انخرطت في نزاع الجنوب من دون أن يكون لها حدود مباشرة معه، فستخسر بانفصاله احدى أدوات الضغط على كل من الحكومة المركزية في السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان. ويتوقع أن تذهب الحركة الشعبية أبعد في تحالفها مع إثيوبيا في القضايا الإقليمية كافة بعد أن تكون قد تخلصت من الابتزاز الذي كانت تتعرض له من قبل الحكومة الإريترية. وقد تحاول الحكومة الإريترية في ظل أجواء التوتر الحالية أن تتحرش بالشمال لإشغاله لصالح الجنوب أملاً (هناك تقارير عن احتلال وحدات إريترية لبعض المنطاق السودانية في تشرين الاول/أكتوبر الماضي) في الحصول على رضا الامريكيين ومن ثم تخفيف العقوبات الدولية الصادرة بحقها، لكن ذلك سيجعلها تغامر بفقدان المساعدات التي ظلت تتلقاها من الشمال منذ التوصل لاتفاق سلام الشرق في 2006 وقد يتسبب أيضاً في خلق توتر في علاقاتها مع بعض الدول العربية.

ليبيا التي ظلت تنشط، من دون وجود مصالح وطنية أو أهداف إستراتيجية واضحة، في صراعات الإقليم تبدو مرتبكة الآن، فمن جانب دعمت الحركة الشعبية لسنوات طويلة وتنتظر الحصول على مقابل لهذا الدعم، ومن جانب آخر تريد أن تبدو حريصة على وحدة السودان. وفي كل الأحوال لا يتوقع أن تستفيد ليبيا شيئاً من انفصال الجنوب الا إذا كانت لديها طموحات في دارفور أو في مناطق أخرى وتسعى لإضعاف الحكومة المركزية، ومع ذلك فهي لن تستطيع الخروج عن خط مصر إذا ما اتخذت الأخيرة موقفا حازما تجاه التطورات في السودان.

وتعد يوغندا من أوائل الدول التي دعمت الحركة الشعبية لتحرير السودان وربطت قائد الحركة الراحل الدكتور جون قرنق والرئيس موسفيني علاقة صداقة قوية ومع ذلك فقد حامت شبهات حول ضلوع الأخير في مؤامرة مزعومة أدت إلى مقتل زعيم الحركة الشعبية في حادث تحطم طائرة رئاسية يوغندية في 2005. حققت يوغندا مكاسب تجارية كبيرة من علاقاتها مع جنوب السودان حتى صار الأخير المستورد الأول لبضائعها بين دول العالم في 2009 بفاتورة بلغت 250 مليون دولار أمريكي. وتعد الهواجس الأمنية والمنطلقات الإيديولوجية للرئيس موسفيني من بين أسباب الحماس اليوغندي لانفصال الجنوب، فكثيراً ما صرح موسفيني بأن العلاقة بين الشمال والجنوب هي علاقة مستعمِر ومستعمَر. ويعتقد الرئيس اليوغندي أن دولة الجنوب المستقلة ستكون حاجزاً يمنع عن بلاده تأثيرات الثقافة العربية الإسلامية، كما يتوقع أن يؤدي ميلاد هذه الدولة إلى إضعاف جيش الرب للمقاومة، الذي ينشط في شمال يوغندا وفي بعض مناطق جنوب السودان. لكن هناك خلافات حدودية أيضا بين يوغندا وجنوب السودان وهناك قبائل مشتركة وهي على خلاف مع نظام موسفيني، فالأشولي الذين ينتمي إليهم جوزيف كوني زعيم جيش الرب والمادي والكاكوا هؤلاء كلهم لا يتفقون مع هذا النظام وقد يتسببون في مشاكل بين الدولتين. ومع أن موسفيني يتطلع الى أن تكون دولة الجنوب حليفاً له في محاربة الإرهاب في شمال يوغندا والصومال، الإ أنه يتخوف من أن يصير الجنوب منافساً إقليمياً لبلاده في هذا المجال فيحوز مكانته لدى الغرب.

 

"كاتب مهتم بشؤون القرن الافريقي"

 

 
 
aaa
زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية
خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وشهادات المنصفين من غير المسلمين
رمضان في زمن الكورونا
بعد عام من إغلاق الحدود بين إرتريا والسودان من المستفيد ؟
ملامح الإتفاقية الإرترية الإثيوبية وتطلعات الشعب الإرتري
2024 © حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤتمر الإسلامي الإرتري | By : ShahBiz