| 
 
 |  27 Nov 2024
زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية
04-11-2020
1028
 

زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية

بقلم : أبو عبير

النظام الإرتري يعيش في عزلة إقليمية ودولية تامة جراء سياساته الإجرامية تجاه شعبه ودول الجوار، وبسببها أصبح منبوذاً من جميع دول العالم ، فأصبحت إرتريا معزولة من العالم من الناحية الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية. وداخلياً أصبحت إرتريا سجنا كبيرا حيث تعيش المدن مقطعة الأوصال عن بعضها البعض مع حرمان المواطنين من التنقل من وإلى، فتضاعف على المواطنين المعاناة من ضيق المعاش ومضايقة النظام لهم في تحركاتهم وسكناتهم اليومية، مع الانعدام التام للمواد الاستهلاكية الأساسية.

وعقب الاتفاقية الإثيوبية الإرترية في 09/07/2018 بعد وصول رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى سدة الحكم وجد إسياس أفورقي رئة يتنفس بها، وهو الذي كان يعيش محاصراً اقتصادياً وسياسياً عقب إغلاق الحدود الإرترية السودانية في عام 2018. ومنذ توقيع الاتفاقية نجد النظام الإرتري أصبح يقوم بزيارات متكررة إلى أديس أبابا وزيارة يتيمة إلى كل من السودان ومصر. وإذا تأملنا زيارات رأس النظام التي قام بها إلى كل من إثيوبيا والسودان فهي أمنية بامتياز لخلق البلبلة هنا أو هناك متقمصاً دور المرشد والخبير الذي بيده كل مفاتيح الحلول السياسية، متناسياَ نفسه وأزماته المتلاحقة منذ استقلال إرتريا. والوفد الأمني الذي زار السودان في يوليو 2020 ضم قيادات عسكرية رفيعة المستوى، أهمها رئيس هيئة أركان الجيش الإرتري فيليبوس ولد يوهانس المقرب جدًا من رأس النظام، وكذلك رئيس جهاز الأمن والاستخبارات أبرها كاسا، وقلما تكون لهذه القيادات زيارات خارجية الأمر الذي يبين أهمية هذه الزيارة على المستوى الأمني والاستخباراتي. وسبق أن قام بزيارة مماثلة رئيس هيئة الأركان إلى إثيوبيا مؤخراً. وهذا يدل على أن النظام الإرتري وزمرته المجرمة غير آبهين بما يعانيه هذا الشعب من التنكيل وضيق العيش، ولم تكن زياراتهم لتخفيف معاناته، وإنما لتحقيق المصالح الشخصية ورغباته الإجرامية في زعزعة المنطقة، فنجد الحدود المشتركة بين إرتريا وإثيوبيا مغلقة، وأيضاً الحدود المشتركة مع السودان مغلقة، والشعب هو وحده الذي يدفع ثمن المعاناة.

وقبل التعمق في التفاصيل هنا نقطة مهمة يتطلب الوقوف عندها لكي نتعرف على مزاجية وعقلية إسياس أفورقي المتأزمة في علاقاته التي تحكمه مع الآخرين ومحاولة تحليل شخصيته المثيرة للجدل، في تقديري المتواضع هذا الشخص يعاني من مرض البارانويا وكما يعرفه المختصون هو (حالة نفسيّة مرضيّة يملك المصاب بها جهازاً عقائدياً معقّداً وتفصيلياً، يتمركز حول أوهام لا أرضيّة واقعية لها، هذه الأوهام تقنعه بأنه مضّطهد من قبل الآخرين، وبأنّ السبب الرئيسي لاضطهاده من قبلهم هو كونه شخص عظيم ومهمّ للغاية)، وعلى هذه الفرضية يتعامل مع الآخرين بالتكبر والعجرفة والاحتقار للآخرين كما هو معهود عند إسياس، وعلى ذلك فليس له صداقة ولا أمان .

وعقب الاتفاقية أخذ يهرول رأس النظام إلى إثيوبيا بغية إحداث الفتن والمؤامرات، ولم تكن لجلب السلام بين الشعبين، وخلال فترة سنتين من توقيع الاتفاقية نجد ستة زيارات قام بها رأس النظام الإرتري ونجملها في الآتي:

1) أول زيارة لرأس النظام الإرتري لإثيوبيا كانت بعد توقيع الاتفاقية في 14 يوليو 2018، وافتتح خلالها سفارة بلاده لدى أديس أبابا، وكانت الزيارة الأولى من نوعها بعد انقطاع العلاقات بين البلدين عقب اندلاع الحرب بينهما عام 1998.

2) وبعدها زار أفورقي إثيوبيا للمرة الثانية يوم 14 أكتوبر 2018، في زيارة رسمية استغرقت يومين.

3) وفي يوم 10 نوفمبر 2018 استضافت إثيوبيا قمة ثلاثية جمعت رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ورأس النظام الإرتري ، والرئيس الصومالي محمد فرماجو.

4) وفي 25/12/2019 في زيارة تُعد هي الرابعة قام بها رأس النظام إلى إثيوبيا.

5) في مايو 2020 وصل رأس النظام الإرتري إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في زيارة رسمية في أول ظهور علني له بعد شائعة وفاته.

6) زيارة رأس النظام الإرتري لإثيوبيا في 12/10/2020 تعتبر السادسة من نوعها بعد توقيع الاتفاقية. وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أجنبي سد النهضة الذي أنشأته إثيوبيا على النيل الأزرق الرافد الرئيسي لنهر النيل.

منذ الاستقلال حتى تاريخ هذه السنة التي يزور فيها المشاريع الاستراتيجية الإثيوبية برفقة رئيس الوزراء الإثيوبي، حيث قاما بزيارة سد النهضة وشركة إنتاج السيارات التابعة للجيش الإثيوبي وغيرها من المشاريع الزراعية. يا ترى ماذا حقق إسياس أفورقي لوطنه وشعبه طوال هذه السنوات؟ هل شعر بتأنيب الضمير على الظلم الذي وقع على الشعب الإرتري من جراء حكمه وهو يقف على مشروع سد النهضة الإثيوبي العملاق، مع العلم الذي وضع حجر الأساس لهذا المشروع هو ملس زناوي رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ورفيق دربه في النضال في 2 أبريل 2011 ؟ ما هو المغزى في اختيار رأس النظام لزيارة هذه المواقع الحساسة والحيوية في ظل الخلافات السياسية بين حكومة المركز في أديس أبابا وإقليم تجراي الذي يكن له إسياس العداء؟

تذكرت ما قاله إسياس أفورقي بتاريخ 4/6/2002م في لقاء مع قناة الجزيرة عندما سئل ماذا سوف يعمل بالأموال التي تم استلامها من البنك الدولي بقيمة 60 مليون دولار يقول إسياس أفورقي: (هذه مشاريع تستثمر في تسريح المقاتلين من طرف، ومساعدة اللاجئين اللي عادوا من السودان خاصة، ومساعدة المواطنين اللي تضرروا من الحرب طوال الـ 4 أعوام اللي مضت، فالمشاريع والبرامج هي واضحة، فيه شفافية في التعامل، وشفافية أمام شعبنا أولاً قبل كل شيء قبل أن نكون مسؤولين أمام البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، مسؤولين أمام شعبنا، ويستفاد من أي قروض تأتي من الخارج لتغيير لمستوى معيشة شعبنا في كل المعايير). وعندما سئل عن الشفافية وفي كيفية أوجه الصرف يقول إسياس : (الأموال موجودة، نحن ما مجتمع مفسد أو فاسد، المجتمع نقي، حكومة نقية، لا تستخدم أموال الناس ولا أموال الشعب تمشي في جيوب المسؤولين إطلاقاً، نحن مسؤولين أمام شعبنا). ولكن الذي يعرف الواقع يشيب له الولدان حيث نهب الأموال والثروات ، والشعب المسكين يتسول على النظام للحصول على قوت يومه، والنظام يتفضل عليهم بالرغم أنها كانت مساعدات مقدمة من البنك الدولي .

فمنذ تاريخ الاستقلال حتى يومنا هذا لم يحقق النظام الإرتري الازدهار والتنمية والاستقرار المطلوب للشعب الإرتري، بل أصبح شعبنا في حالة يرثى لها في كل شئونه المعيشية ، ومطارد من قِبل النظام في أرض المهجر للحصول على الأتاوات.

هذه الزيارات المتكررة إلى إثيوبيا من قِبل رأس النظام الإرتري تؤكد بأن النظام يريد أن يلعب دوراً محورياً في تباينات الدول الثلاثة حول سد النهضة، النظام الإرتري كما هو معروف لاعب إقليمي قديم في خلق عدم الاستقرار في المنطقة، لذلك لا يمكن أن يفوت إسياس أفورقي أي فرصة للتحرك والمناورة لتحقيق مصالحه الشخصية ومصالح حلفائه الجدد الإقليمين. النظام الإرتري انخرط في سياسيات دول المحاور حيث أصبح ساعي البريد لتلك الدول في المنطقة.

وفي ظني أن ملف سد النهضة ليس هو كل ما في الأمر، لكنه بالتأكيد هو جزء من مهام زيارة إسياس، لربما يريد أبي أحمد إرسال رسالة لمصر بأن إسياس أفورقي تغيرت مواقفه واصطفافاته تجاه سد النهضة وضد الموقف المصري. المحور الثاني من زيارة أفورقي بالطبع تتعلق بالاضطرابات الداخلية التي تشهدها إثيوبيا، ولا سيما مع التطورات الأخيرة في إقليم تجراي بعد نتائج الانتخابات التي رفضتها الحكومة المركزية، وأيضاً أبي أحمد يريد أن يستقوى بإسياس ضد التجراي بالرغم من دعوات في الحكومة المركزية بانتهاج الطرق السلمية في حل الخلاف بين إقليم تجراي وحكومة المركز.

مهما طال ليل الظلم البهيم إلاَ وبعده يسطع نور العدل المبين، وهذا ما تحقق على بعض الأراضي العربية في الأوقات الراهنة، فها هي الشعوب الثائرة التي تجرعت على مدى السنين الماضية الظلم والذل والهوان قد وصل بها الحال إلى الانفجار في المظاهرات الشعبية التي خرجت تطالب بحقوقها وحريتها المشروعة، وما كان أحد يتصور أن هذه الأنظمة الطاغية التي ظلت تحكم شعوبها بالاستبداد والقهر تسقط بهذه السرعة.

والمتابع للأحداث  المتسارعة في المحيط الإقليمي ودول الجوار يستبشر خيراَ بسقوط الأنظمة الدكتاتورية المستبدة التي لم تعتبر بغيرها، وهي النهاية الطبيعية لكل ظالم مهما تجبر وتكبر وعلا في الأرض، كما قال تعالى (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، ولا شك أن النظام الإرتري أحد تلك الدكتاتوريات في المنطقة وليس استثناءَ، سوف يسقط كما سقط من كانوا قبله أكثر قوةً، وسوف يتنسم شعبنا عبير الحرية والعيش الكريم ببزوغ فجرِ جديد بعد أن يرمى هذا النظام في مزبلة التاريخ.

وبالله التوفيق .....

Abuabeer2006@yahoo.com

 
 
aaa
زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية
خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وشهادات المنصفين من غير المسلمين
رمضان في زمن الكورونا
بعد عام من إغلاق الحدود بين إرتريا والسودان من المستفيد ؟
ملامح الإتفاقية الإرترية الإثيوبية وتطلعات الشعب الإرتري
2024 © حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤتمر الإسلامي الإرتري | By : ShahBiz