| 
 
 |  23 Nov 2024
القرن الإفريقي الأهمية .. الصراعات .. الآفاق
06-05-2017
3688
 

القرن الإفريقي

الأهمية .. الصراعات .. الآفاق

بقلم: الدكتور حسن سلمان

في مؤتمر (واقع الأمة بين الربيع العربي والمشروع الغربي) الذي أقيم في مدينة اسطنبول في 4 فبراير 2017م قدم الدكتور حسن محمد سلمان ورقة بعنوان ( القرن الإفريقي : الأهمية .. الصراعات .. الآفاق ) .

قدم الدكتور حسن محمد سلمان في مدخل الورقة تعريفا للقرن الأفريقي الذي يطلق عليه بالإنجليزية Horn of Africa ، وهي المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب من الساحل الأفريقي ، وهي التي يحدها المحيط الهندي جنوبا، والبحر الأحمر شمالا، وتقوم عليه حاليا: إرتريا، جيبوتي، الصومال، أثيوبيا ، ويضيف فيها بعض الجغرافيين السودان وكينيا بسبب التداخل الحدودي والقبلي .

وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد الرئيس "بيل كلنتون" وسَّعت حدود القرن الإفريقي – تحت مسمى القرن الإفريقي الكبير- ليشمل عشر دول، تمتد من إرتريا شمالا وحتى تنزانيا جنوبا، ليضم أثيوبيا وإرتريا وكينيا وأوغندا وتنزانيا والصومال والسودان وجيبوتي ورواندا وبورندي , ولحقت بهم دول جنوب السودان عقب انفصالها في 2011م .

وهناك من وسع من نطاق المفهوم ليدخل دولا من خارج الإقليم ، بحيث يتعدى الحدود الإقليمية للمنطقة، ليضم دولا مثل: اليمن والسعودية بحكم القرب الجغرافي والتواصل السكاني والتأثير والتأثر ، وقد قام وزير الدولة الفرنسي للشئون الخارجيةحينها "أوليفيه سيترن" في عام 1981 بتوجيه الدعوة إلى كل من السعودية واليمن إضافةً إلى دول القرن الإفريقي لعقد مؤتمر إقليمي يهدف إلى حل مشكلات المنطقة .

تمتد مساحة القرن الأفريقي ما يقرب 2.000.000 كم2 وعدد سكانها يفوق   200 مليون نسمة ، بتركيبة تتميز بتعدد اثني ولغوي وديني (المنطقة تعدّ موطنا لنحو 340 لهجة ولغة ) , ويفوق عدد المسلمين فيها نسبة 60 % .

منطقة القرن الإفريقي خضعت في التاريخ المعاصر للاستعمار الأوروبي طمعاً في السيطرة على ثرواتها الهائلة من النفظ والغاز والذهب والفضة واليورانيوم ، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي للممرات المائية وربطها بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.

الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي :

وفي الأهمية الإستراتيجية للمنطقة قال الدكتور : تُعد منطقة القرن الإفريقي واحدة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم ، وتستند هذه الأهمية إلى عدة اعتبارات أهمها :

1. أنها تشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869.

2. باكتشاف النفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج وإيران والاعتماد على البحر الأحمر لنقله إلى الغرب ؛ وأصبحت منطقة القرن الإفريقي منطقة مصالح حيوية باتت (تتحكم في طريق التجارة العالمي ، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة إلى أوربا والولايات المتحدة) . 

3. تُعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية قادمة من أوربا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي .

4. القرن الإفريقي سواء بحدوده الضيقة أو الواسعة، يعتبر منبعاً لنهر النيل؛ حيث تحصل مصر على 85% من حصتها السنوية من هضبة الحبشة، و15% من البحيرات العظمى،

5. لا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على اعتبارات الموقع ( الموانئ والجزر فحسب) ، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في عدد من دول المنطقة السودان / الصومال .

6. منطقة القرن الأفريقي تعتبر ذات أهمية إستراتيجية بالغة للبلدان العربية وتشكل عمقا إستراتيجيا لها نتيجة الجوار الجغرافي والتداخل البشري، وعلاقات القربى والتفاعل التاريخي والحضاري ، ولارتباطها المباشر بالأمن القومي العربي بشكل عام، وتأثيرها في المصالح الحيوية لبعض الأطراف العربية على وجه الخصوص , مصر نموذجا .

التواجد الدولي في المنطقة :

وتناول الدكتور في ورقته التواجد الإقليمي والدولي في المنطقة نظرا لما تمثله منطقة القرن الإفريقي من موقع جيوستراتيجي هام عملت القوى الكبرى على التواجد بها .

= الولايات المتحدة عملت على تأكيد تواجدها بالمنطقة ، إذ وقعت اتفاقا مع جيبوتي عام 2003 لاستخدام المنشآت العسكرية وإنشاء قاعدة «ليمونييه العسكرية » في حملتها لما تسميها الإرهاب، وجددت الاتفاقية الخاصة بالقاعدة في مايو 2014، وذلك بخلاف دعمها لإثيوبيا وبعض الدول المجاورة لمنطقة القرن الأفريقي مثل كينيا ، ومن أجل بسط واشنطن سيطرتها وإعادة ترتيب التوازنات والتحالفات الإقليمية أطلقت مشروع القرن الأفريقي الكبير.

= فرنسا أبرمت اتفاقا مع  جيبوتي في 2011، تدافع بموجبه باريس عن وحدة وسلامة أراضي جيبوتي، إضافة لوجود قاعدة عسكرية أساسية لفرنسا في جيبوتي منذ مائة عام.

= الصين بادرت من جهتها إلى اعتبار باب المندب والبحر الأحمر من أهم الروابط البحرية في تجارتها، وأحد أهم أضلاع تقوية طريق الحرير لحماية سفنها والتواصل المباشر مع أفريقيا الجنوبية، حيث الأشغال جارية لبناء قاعدة عسكرية في عام 2017، ستضم 10 آلاف جندي .

= اليابان بعد تبني عقيدة «السلام الاستباقي» بادرت إلى تأكيد مكانتها على الساحة الدولية، والاستعداد لمواجهة التهديدات التي تحيط بسفنها في البحر الأحمر، حيث فتحت قاعدة عسكرية في جيبوتي منذ عام 2010 م  ، وتنقل السفن اليابانية جل بضائعها عبر البحر الأحمر، ويعود إليها الإشراف على 10 في المائة من النقل البحري في المنطقة ، حيث تسعى طوكيو إلى مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد في أفريقيا.

= روسيا عمدت إلى اتباع سياسة نشطة للعودة إلى إفريقيا وخاصة منطقة القرن  بعد تنامي التنافس مع المحور الأمريكي الأوروبي ، جيبوتي رفضت عرضا روسيا لتأسيس قاعدة لها في البلاد نتيجة للضغوطات الأمريكية والأوروبية .

- إسرائيل تعتبر منطقة القرن الإفريقي  جزءاً من نطاق أمنها الحيوي ، فعملت على إقامة علاقات أمنية وعسكرية مع أفريقيا عامة وخاصة إثيوبيا منذ ستينات القرن الماضي ، وشهدت مؤخرا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» في يونيو 2016 م تعد الأولى منذ 50 عاما وذلك لبحث تعزيز التجارة والاستثمار ومناقشة القضايا الإقليمية ، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للمنطقة  شملت أيضا توقيع اتفاق مع كينيا لمساعدتها في التصدي لحركة الشباب الصومالية  ، وتتواجد إسرائيل في جزيرتي «دهلك» و«فاطمة» الإرتريتين، وتقيم مراكز رصد على البحر الأحمر تستهدف السعودية والسودان واليمن، وتقيم في «دهلك» أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، وقد وقعت إرتريا اتفاقية أمنية مع إسرائيل في 1996 تسمح لـ«الموساد» بحرية الحركة داخل إريتريا مقابل التزام إسرائيل بتوفير احتياجات أسمرا في المجال الدفاعي والأمني.

= تركيا أيضا سعت للتواجد في العمق الإفريقي لتعزيز نشاطها الاقتصادي والسياسي ونفوذها العسكري، فقد رفعت مساعداتها الرسمية لإفريقيا من مليار دولار عام 2010 إلى 3.9 مليار دولار عام 2015 م ، وقامت ببناء قاعدة عسكرية تركية في الصومال بجانب كلية عسكرية لتدريب الضباط الصوماليين، كما افتتحت أكبر سفارة لها في العالم على مساحة 80 ألف متر مربع في مقديشو .

= إيران اتبعت سياسة نشطة في إفريقيا عامة والقرن الإفريقي خاصة، من خلال إبرام الشراكات الاقتصادية وتحقيق اختراقات ثقافية (نشر التشيع )  بجانب تعزيز وجودها العسكري ، حيث تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية في إريتريا، ومركز لتموين سفنها، إضافة لتدريبها عناصر من الحرس الثوري والميليشيات التابعة لها في إريتريا، وكان النظام الارتري حلقة وصل ودعم عسكري للحوثيين في اليمن في انقلابهم على حكم عبد ربه منصور هادي.

= الدور العربي تميز بالضعف ليس فقط في القرن الإفريقي ولكن في عموم القارة، وخاصة الدور المصري إذ فشل في الحفاظ على النفوذ المصري الأفريقي التاريخي ، بل أصبح مهددا في أمنها المائي من قبل إثيوبيا ، بالمقابل تنامي الدور الخليجي في القرن الأفريقي بعد أن أدركت مؤخرا أهمية المنطقة ودورها في كبح جماح التمدد الإيراني ، فالسعودية سعت للاتفاق مع جيبوتي على بناء قاعدة عسكرية لها، ودعم إثيوبيا في مشاريعها الكبرى، وعلى رأسها بناء السدود كما صرح وزير الإعلام الإثيوبي مؤخرا ، والإمارات هي الأخرى بجانب تواجدها الاقتصادي تقدم دعما أمنيا وعسكريا لدول القرن الإفريقي في مواجهة التوجهات الإسلامية في المنطقة، فقد أبرمت الإمارات مع جمهورية «أرض الصومال» في ديسمبر 2015، عن طريقة شركة “موانئ دبي العالمية”، لتحويل ميناء “بربره” إلى مرفأ تجاري محوري في القرن الأفريقي ، و عقد إيجار لقاعدة عسكرية لمدة ثلاثين عاماً في ميناء عصب العميق، وفي مطار عصب الكبير .

= كما وافقت دول مجلس التعاون الخليجي على تقديم دعم مالي ومساعدات، والتعهد بتطوير مطار أسمرا الدولي ، وزيادة إمداداتها من البترول والغاز الطبيعي.

وكان لهذا التموضع العربي في كل من ميناء عصب، وقاعدة عصب الجوية في إريتريا أثر كبير في نجاح القوات اليمنية وطرد الحوثيين من عدن في إطار «عملية السهم الذهبي»، وهو ما أمّن طريقاً بحريا بين ميناءي عدن وعصب .

الصراعات الأساسية في منطقة القرن الإفريقي:

1. أزمة الهوية والثقافة   (الإثنيّة، اللغة، الدين)  :

منطقة القرن الإفريقي وبحكم الظروف الطبيعية والتاريخية والسياسية، التي مرت بها أفرزت ثقافات مختلفة ومتناقضة ، فالخريطة السياسية لمنطقة القرن الإفريقي عقب الاستقلال جاءت متناقضة إلى حد كبير مع التوزيعات القومية والعرقية والإقليمية والقبلية واللغوية ، حيث فرض الاستعمار حدودا مصطنعة بين دول المنطقة دون أية مراعاة لأوضاع الجماعات الإثنية تعكس بالأساس مصالح القوى الاستعمارية ، حيث تداخلت الإثنيات وتعددت بين الدول وعزلت عن مراعيها وأسواقها وأقاربها وأماكن عبادتها ، كما أدى إلى وجود جماعات إثنية وعرقية ذات تاريخ من العداء والصراع داخل حدود إقليمية واحدة ، مما خلق داخل الدولة الواحدة تناقضا وتصارعا بين الانتماءات الفرعية على أساس إثني ولغوي وديني، وأوجد بيئة مناسبة لتوتر العلاقات وتفجر النزاعات بين دول القرن الأفريقي .

2. أزمة النظام السياسي  (عدم المساواة، الهيمنة، التمييز العنصريّ، التهميش، العزلة) :

بعد خروج الاستعمار من القرن الإفريقي ظهرت الدول المستقلة ضعيفة ومحملة بالكثير من الأعباء والمشاكل التي خلفها الاستعمار ، وفشلت الأنظمة السياسية التي خلفته والتي احتفظت بكثير من ملامح الفترة الاستعمارية، ولا سيما سياسات القمع والإكراه المادي  ، فشلت في التعامل مع تلك الاختلافات وخلق آلية مناسبة لاستيعاب تلك الاختلافات والتناقضات في إطار الدولة الجامعة لكافة المكونات الوطنية بمختلف إشكالاتها وتمظهراتها، بل على العكس من ذلك ساهمت السياسات التي اتبعتها تلك الدول في مرحلة ما بعد الاستقلال في تعميق الاختلافات بين تلك المكونات المختلفة، و دفعها في اتجاه الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي، بفعل تكريس النخب الحاكمة لسياسة التمييز والتحيز لصالح المكونات الاجتماعية التي تنتمي إليها هذه النخب وحرمان الجماعات الأخرى من حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما ولد شعورا لدى هذه المكونات  بأنها مهمشة ومستبعدة بشكل متعمد من قبل هذه النخب، وهو الأمر الذي دفعها إلى تشكيل جبهات معارضة مسلحة، حاولت تغيير الوضع القائم وتحقيق مصالحها، وتراوحت أهدافها بين التغيير الاجتماعي الشامل وتحقيق العدل والمساواة، والخلاص من الظلم، وإقامة دول جديدة ، وبين تحقيق الانفصال عن الدولة (جنوب السودان نموذجا).

ويمكن الإشارة إلى  عدد من المؤشرات التي أسهمت في تآكل شرعية الدولة والأنظمة السياسية ، وشيوع ظاهرة الصراعات وعدم الاستقرار السياسي في مجتمعات القرن الإفريقي لعدد من الأسباب منها : تأسيس نمط من الحكم الديكتاتوري الذي يعطي أهمية كبيرة لدور شخص الحاكم في النظام السياسي.عدم الاعتراف بالمعارضة السياسية المنظمة، واعتبارها مسألة لا تلائم الواقع الإفريقي. ضعف المؤسّسات التشريعية والقضائية، وعدم قيامها بالوظائف المنوطة بها دستورياً، حيث باتت أداة طيعة يستخدمها النظام الحاكم للحصول على الدعم والتأييد السياسي. اللجوء إلى استخدام سياسات القمع والعنف لتحقيق أهداف النظام السياسي؛ بدلاً من الاعتماد على سياسات الإقناع والرضا الشعبي. الربط بين المنصب السياسي العام وتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع، حيث أضحت النّخبة الحاكمة تمثّل فئة اجتماعية متمايزة في سياق الانقسامات المجتمعية. غياب التقاليد والأسس الواضحة التي تحكم عملية الخلافة السياسية، وهو الأمر الذي أدّى إلى تبنّي الوسائل غير السلمية، مثّل: الانقلاب، والاغتيال، والحرب الأهلية، في عملية نقل السلطة. تبنّي صيغ المنهج الفوقي في التغيير السياسي، وعادة ما كان ذلك يتم من خلال عمل انقلابي، أو الوصول إلى السلطة عن طريق حركة تحرير مسلحة، أو فرض قناعات إيديولوجية من جانب شخص الحاكم.

3. أزمة التنمية :

فشلت الأنظمة السياسية التي أعقبت الاستعمار تبني سياسات تنموية تحقق الاستقرار والازدهار لشعوبها نتيجة ( غياب الإنتاج والتصنيع أو ضعفه، وتردّي مستوى التعليم ، بالإضافة إلى ضعف البنى التحتية، وقلة الصادرات، والاعتماد على القروض والمساعدات الدولية )، في مقابل ذلك أحفقت السياسات الاقتصادية التنموية  التي اتُبعت من القرن الماضي في توفير الاحتياجات الأساسية للشعوب بل أدّت إلى خلق أزمات على المستوى الاجتماعيّ: زيادة معدلات الفقر، الأمّيّة، المشكلات الصحيّة الوبائيّة، البطالة، الجفاف، التدهور البيئيّ، فضلا على التحارب على مصادر المعيشيّة مثل : الأرض، الماء، المراعي، الغذاء، الطاقة (نموذج حرب دارفور في السودان ) , وخلق البيئة المناسبة لتزايد الجريمة ، وانتشار الفساد والسوق السوداء، وتهريب الأسلحة والمخدرات وتجارة البشر – الخ .

4. أزمة السيادة (التدخّل الخارجيّ ) :

منطقة القرن الإفريقي ظلت محل اهتمام دائم ومستمر من القوى الغربية وميداناً لتصارعها وتنافسها منذُ بدء الحملات الاستكشافية البرتغالية في القرن السادس عشر، وما أن حل القرن التاسع عشر حتى كان لأغلب القوى الاستعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات في المنطقة.

وخلال سبعينيات القرن الماضي وأثناء الحرب الباردة شهدت المنطقة تنافساً شديداً وتبادلاً للمواقع وحروباً بالوكالة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وبعد تراجع الاتحاد السوفيتي عن مكانته كقطب منافس ثم انهياره بعد ذلك أصبح التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

كما أن التدخلات استمرت تحت حجج عديدة ( الحرب على الإرهاب والقرصنة)  .

تداعيات الثورة العربية على المنطقة :

من الطبيعي أن تتأثر منطقة القرن الإفريقي بأحداث الثورات العربية، فالثورات العربية وصفت بأنها ثورة منطقة ، لذلك كان تأثيرها حاضرا على شعوب دول المنطقة خاصة في بداياتها المشرقة ، إلا أن المآلات التي انتهت إليها لاحقا بسبب مؤامرات الثورة المضادة ( الانزلاق إلى الفوضى جراء التفكك والانقسام الاجتماعي والاستقطاب المذهبي والسياسي ، ووصول بعضها إلى حافة الحرب الأهلية  ) جعل تأثيرها محدودا ، فضلا على استخدام الأنظمة السياسية لهامش حريات ذات طابع شكلي على مستوى إتاحة الحريات والتعبير  ، واهم التداعيات التي يمكن رصدها هي :

= سقوط نظام مبارك كان بمثابة نكسة وخسارة إستراتيجية لإسرائيل ، فضلا على أنه أضعف الدور المصري في المنطقة، وهو ما أدى بإثيوبيا التي برزت كلاعب محوري في الإقليم إلى  قطع شوط كبير في بناء سد النهضة الذي يمثل تهديد خطيرا وجديا لمصر .

= السودان خسر بانقلاب السيسي في مصر ، وتراجع دوره بفعل الخلافات الداخلية والتحديات الخارجية مما أتاح لإثيوبيا الانفراد بأمر الإقليم ( لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت عليها في بعض المراحل كشرطي على المنطقة، حيث استعانت بها في نهاية عام 2006 في الصومال لمواجهة حركة اتحاد المحاكم الإسلامية إلا أنها انتقلت من إثيوبيا في الآونة الأخيرة إلى الجيش الكيني نظراً لكثرة المشكلات التي تواجه إثيوبيا ) .

= النظام الارتري المنغلق على نفسه  تكبد خسائر ضخمة جراء سقوط نظام القذافي ولم تعوضه الأثمان التي قبضها جراء تظاهره بمناصرة عاصفة الحزم .

= الصومال مازال يشهد تحديات بناء الدولة في ظل تحديات خارجية وإقليمية غير مواتية .

= من تداعيات الثورات العربية على دول المنطقة فإن معظم دول المنطقة شهدت حراكا سياسيا ، فالسودان شهد هبة سبتمبر 2013م والتي تعامل معها النظام بقسوة بالغة أمنيا ، وعلى المستوى السياسي خلق النظام إطارا للحوار الوطني لامتصاص الغضب الداخلي والضغوطات الخارجية ، فضلا على تقديم تنازلات على المستوى الدولي ، وفي هذا الاتجاه يفهم رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان .

= إرتريا شهدت حراكا سياسيا وشبابيا كبيرا في المهجر بالتزامن  مع الثورات العربية كان من نتائجها تعميق الضغوطات  على النظام القمعي خاصة في الملفات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وفي هذا السياق يمكن قراءة موقف لجنة تقصي الحقائق والإفرازات التي صاحبتها ، فضلا على أن القوى السياسية والمدنية المعارضة للنظام  كانت قد انتظمت في مجلس وطني موحد مع إن تجربته العملية لم تكن مرضية .

= إثيوبيا شهدت توترات داخلية، مصحوبة بالعنف والعنف المضاد انتهت بإعلان حالة الطوارئ في أكتوبر 2016م ، واستطاعت امتصاص التوترات بإجراء إصلاحات على مستوى الإجراءات والسياسات .

الآفـــــاق :

طبيعة المشهد السياسي في منطقة القرن الإفريقي اليوم يؤكد وفق التجربة التاريخية أنه مشهد متحرك ولا يملك القدرة على الاستقرار والثبات ، ومآلات المشهد مفتوحة على كل الاحتمالات مع أن الاتجاه والمزاج الدوليين يسير نحو إبقاء الأوضاع على ما هي عليه مع معالجة بعض الآثار مثل الهجرة، بالضغط على بعض الأنظمة لتغيير بعض سلوكياتها وسياساتها ، إلا أن الاحتمالات تظل مفتوحة على كافة الاتجاهات خاصة الغموض الذي يكتنف مواقف وسياسة الإدارة الأمريكية الجدية تجاه المنطقة ، بمعنى أن تطورات الأوضاع الداخلية هي التي ستحدد مصير المنطقة .

فمصير السودان السياسي متوقف على ما تتمخض عنه نتائج الحوار ، خاصة السياسات التي ستتبناها حكومة الوفاق الوطني المرتقبة ، وكذلك الوفاء بالاستحقاقات المترتبة على اتفاق رفع العقوبات الاقتصادية ، وإن الفشل في معالجة الملفين السابقين سيدفع البلاد في اتجاه تصعيد المواجهات مع المعارضة المسلحة وعلى نطاق واسع ، فضلا على أن التوترات مع دولة الجنوب يمكن ان تعيد الحرب بينهما من جديد .

وبالنسبة لإثيوبيا فإن النجاح الوحيد النسبي الذي حققته في السيطرة على انتفاضات قومتي الأرومو والأمهرا  إذا لم يعزز باتفاق سياسي جديد لمسألتي السلطة والثروة فان وضعها سيكون أكثر صعوبة .

وأما مصر فأمامها مآزق صعبة ومعقدة خاصة في ظل (الانقسام المجتمعي والخلاف السياسي بين النخب الوطنية) الذي يضعف فرص استعادة مكانتها المفقودة .

وأما إرتريا فالاحتمالات فيها مفتوحة ، فهي مرشحة للانزلاق إلى حالة الفوضى والسقوط في أي لحظة  .

 
 
aaa
زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية
خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وشهادات المنصفين من غير المسلمين
رمضان في زمن الكورونا
بعد عام من إغلاق الحدود بين إرتريا والسودان من المستفيد ؟
ملامح الإتفاقية الإرترية الإثيوبية وتطلعات الشعب الإرتري
2024 © حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤتمر الإسلامي الإرتري | By : ShahBiz