الدرس التاسع عشر
شهر العتق من النار
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيَّ بعده ، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :فإنّ شهر رمضان شهر العتق من النار ، فيا أيها المسلم :
1) حاسب نفسك كلّ يومٍ من رمضان على صيامك ، هل حافظت عليه من المفسدات ؟ وهي المفطِّرات ، وهل حافظت عليه مما يذهب بثوابه ،كالغيبة ، وقول الزور ، والعمل به ؟ وحاسب نفسك على أداء الواجبات ،كالصلاة المفروضة في أوقاتها ، وصلاة الرجل مع جماعة المسلمين ، فإنّ العبد الذي يحافظ على صومه وأداء الواجبات ، وترك المحرمات ، يحصل بفضل الها على العتق من النار ، وقد قال ع : ( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ...الحديث) وفيه : ( وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) .
2) اعلم -أيها العبد- أنك تعيش في هذه الحياة وتعمل ، وأنت على أحد نوعين : فإما أن يكون عملك فيما فيه عتقك من نار جهنم ، وإما أن يكون عملك مما فيه إيباقك في نار جهنم ، فاجتهد في إعتاق رقبتك وفكاكها من النار قبل أن ينزل بك الموت ، وعند ذلك لا ينفع الندم ، وقد قال ع : ( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم . اهتمّ بتوحيد الهض ، وبالطُّهور ، والحمد لله ، والتسبيح ، والصلاة ، والصدقة ، والصبر ، والقرآن تلاوةً وفقهاً وعملاً ، وادرس نفسك أمام هذه العبادات والقيام بها ، فعسى الله أن يفكَّ رقبتك من عذاب جهنم .
3) إذا علمت أن شهر رمضان مبارك ، وأنّه زمانٌ فاضل ، فاستغلَّ كل زمانه في طاعة ربك ، وكن أكثر حرصاً على لياليه ، وثلث الليل الآخر ، وتفرّغ في ثلث الليل الآخر للصلاة ، والدعاء ، وسؤال الله ، والاستغفار ، والتوبة ، والإقبال على الله ، وقد قال ع : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، يَقولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) رواه الشيخان .
4) أيها المسلم : إنّ رمضان فرصةٌ لا تُعوّض لمن فاتته ، فكن يقظاً كل التيقُّظ لهذا الشهر (رمضان) من أول ليلة ، وكن من التائبين العائدين إلى الله ﻷ ، المتضرعين إليه ، المقبلين عليه ، الساعين في طلب النجاة من عذاب الله ، الطالبين رحمته وجنته ومغفرته ، فاحذر من الذنوب ! وعش في هذا الشهر وفي غيره فتفكراً في نجاتك يوم القيامة ، واجعل على نفسك رقابةً من نفسك ، واحفظ جوارحك ولسانك حتى تشعر كأنك في سجن ، بحيث لا تترك لنفسك الزمام مُطلقاً لها ، فتنطلق في هواها وحظوظها ، على حساب آخرتك ، وقد قال ع : ( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ) رواه مسلم .