الدرس الحادي
والعشرونالاعتكاف
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، وبعد :
• أيها المسلم : إن الاعتكاف من العبادات التي كان يفعلها في رمضان ، فاجتهد أن تعتكف ولو مدةً يسيرة , والاعتكاف هو : لزوم مسجد لطاعة الله تعالى .
• وأفضل الاعتكاف أن يعتكف المسلم العشر الأواخر من رمضان حتى يموت ، وفي حديث عائشة ل زوج النبي أن النبي ( كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ ) رواه البخاري .
• وإذا فات المسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فليعتكف عشراً في شهر شوال ؛ لأنه : ( أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ خِبَاءُ عَائِشَةَ وَخِبَاءُ حَفْصَةَ وَخِبَاءُ زَيْنَبَ فَقَالَ أَالْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ ) رواه البخاري. وفي لفظ : ( فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ ) رواه البخاري. وعند مسلم : ( حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ ) .
• وإذا أحس المسلم بأنه أصبح كبيراً وأن أجله قد دنا ( والله أعلم ) فليعتكف عشرين يوماً ؛ لأنه : ( كَانَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا ) رواه البخاري .
• ولا يُشترط لصحة الاعتكاف الصوم ؛ لأن عمر س ( اعتكف ليلة في المسجد الحرام لما نذر ذلك ) رواه البخاري. والليل ليس محلاً للصوم ، ولأنه ( اعتكف عشراً من شوال ) رواه البخاري .
• وليس للاعتكاف مدة معينة ، بل يصح سواءً كان طويلاً أو قصيراً ، وليس للمعتكف الخروج إلّا لما لا بد منه ، كالأكل ، وقضاء الحاجة ونحو ذلك ، وقد قالت عائشة ل: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ) رواه أبو داود (صحيح) . وليس له اشتراط الخروج لما شاء ، لكن يصح أن يشترط الخروج لطاعة لا تجب عليه ، كعيادة مريض ، وشهود جنازة ، على ألا يستغرق خروجه وقت الاعتكاف ، بل يكون يسيراً .
• ولا يصح الاعتكاف إلا في المسجد لقوله تعالى : ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة:187]. وإذا أراد المسلم الاعتكاف فإنه يسن له دخول معتكفه بعد صلاة الفجر ، لقول عائشة ل : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ ) رواه مسلم .
• ويحرم على المعتكف الجماع ، والمباشرة لشهوة من الرجل أو المرأة ، لقوله تعالى : ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة:187]. وليستغل المعتكف وقته في الطاعات ، من الصلاة في غير وقت النهي ، وليشتغل بقراءة القرآن ، وذكر الله ، وكل ما يقربه إلى الله من الطاعات في المسجد ، ولا يذهب وقته فيما لا فائدة فيه .
• يجوز أن يقوم أهلُ المعتكف بزيارته ، وكذلك غيرُهم ، ويتحدث إليهم بما لا يذهب به وقت الاعتكاف أو أغلبه ، وفي حديث صفية لقالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ع مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي ) رواه البخاري .
• أيها المسلم : إن لم يتيسر لك اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ، أو مدةً طويلةً ، فحاول أن تعتكف ولو ساعة أو ساعتين ، أو مدة بقاءك في المسجد ، واشتغل في ذلك الوقت بما يقرِّبك إلى الله ، وقد قال تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن:16 ].
نقلاً من كتاب دروس شهر رمضان
للشيخ محمد بن شامي مطاعن شيبة