وقفات مع أزمة المجلس الوطني
بقلم: ابوصهيب صالح عثمان
يمكن أن يقال أن حدوث المشكلات في المؤسسات السياسية سمة طبيعية بإعتبار ممارستها للعمل السياسي الذي يتسم بتقلب الأحداث وكثرة المستجدات وبهاظة التكاليف مما يتطلب معه مرونة مؤسسية في التنفيذ وضبطا لائحيا في التشريع والرقابة والتعاطي بإيجابية ديناميكية في ميدان الواقع السياسي وتضافرا مشتركا بين مكونات المؤسسات السياسية في تنفيذ الخطط ووضع الحلول للمشكلات والعقبات .
تأتي مسالة إحترام النظم واللوائح للتمييز بين المؤسسات القانونية والسلوكيات الإستبدادية للمؤسسات الصورية التي ينشئها الدكتاتوريون والتي لاتولي القاعدة القانونية دورا أساسيا وجوهريا في التشريع والتنفيذ والرقابة .
عندما تحدث أزمة سياسية يستدعي ذلك أن ننظر لها من جميع زواياها وابعادها السياسية والقانونية حتى نستطيع أن نكون رؤية واضحة تجاه الأزمة تمكننا من تحديد نقطة الإختلاف التي تمثل عند طرف نقطة الإنحراف الدستوري والسياسي التي تسببت في الأزمة وعند الطرف الآخرتمثل نقطة الإصلاح والتقويم للممارسة السياسية الناشدة للإنجاز وتحقيق النجاح .
ويتضح أن أزمة المجلس الوطني المتمثلة في إقالة رئيس المكتب التنفيذي يوسف برهانو الطافحة على سطح الأحداث بشكلها الضبابي ليس مجرد حدث مقطوعا عن جذور الأزمات السابقة والمزمنة التي قاساها المجلس في تكوينه ومسيرته القصيرة ، فالكل يعلم حالة الترهل التي عاشها ويعيشها منذ لحظة ميلاده وحالة مكوناته السياسية التنظيمية التي كان يتوقع أن تتكيف مع مستجداته بمايسمح للمجلس أن يكون الممثل الشرعي الوحيد وبأسرع ما يمكن ، وحالة المحاصصة وطغيانها حتي على المؤسسات المدنية واحجام التنظيمات عن تقديم أفضل مالديها من خبرات قيادية وتخصصية للإنخراط في المجلس ومؤسساته ربما لذات الاسباب نفسها، كل ذلك ساهم في ابعاد العناصر الكفوءة والمقتدرة وابعادها عن الاسهام في جعل المجلس الوطني المظلة الفعالة لقوي التغيير الديمقراطي وعلى هذا ليس بوسعنا قراءة الحدث منعزلا عن تسلسله المنطقي والموضوعي وتجذراته العميقة في موروث المعارضة الارترية السياسي ، وبالمقابل لا يعني هذا تعليق أخطاء اليوم علي شماعة الماضي وتأثيراته وإن كان له دور في الحاضر ولذلك علينا قراءة الحدث بنظرة ثاقبة تعين على استشفاف الحل واكتشاف كوة الخروج من الأزمة الحالية ووضع اليد على مكمن الخلل بموضوعية تمنع إستنساخ الأزمات بصورة دراماتيكية كأنها أقدار محتمة لاسبيل لتفاديها أودفعها ، لذا فالدعوة إلى الخروج من الأزمة بتعجل يجب أن تأتي متلازمة مع سب أغوار المشكلة والوقوف على حيثياتها التي أنتجتها وهذه مسئولية الجميع ومسئولية القيادات توضيحا وكشفا للرأي العام عن الملابسات ومسئولية أصحاب التخصصات تجلية لأوجه القصور القانونية والأخطاء والتجاوزات اللائحية التي ارتكتبتها رئاسة المجلس ورئاسة التنفيذية.
وسأحاول تناول الموضوع من وجهة نظري في شكل نقاط موجزة :
أولا : مسألة الإنجاز والإخفاق :
صناعة الإنجاز والحفاظ على المكتسبات من أهم الركائز التي ينبني عليها نجاح العمل السياسي ، وما بين صناعة الإنجاز والحفاظ على المكتسبات تظهر مساحة المناورة والممارسة السياسية فصناعة الإنجاز تنطلق من رصيد المكتسبات ولا ينبغي إهدارمكتسبات وجدت بعد عناء طويل، في سبيل إنجازات مظنونة إن افترضنا وجودها إحسانا للظن بمن رأوها متوقعة وقريبة في خطوة الإقالة ، كما أن الجمود والتقوقع على المكتسبات وإعتقاده مكسب في حد ذاته نوع آخر من الفشل وتوهم الإنجازفي موضع الخسارة المقعدة وبغض النظر عن ممارسات رئيس المكتب التنفيذي وأساليبه في ادارة التنفيذية وقصوره والوضع الحالي الذي يتحمل جزء منه فإن إقالته خارج إطار المؤسسية تعسفا يعيد القطار إلى المحطة الأولى ، والتعاطي السلبي بعيدا عن النظرة الواقعية لمجمل الأوضاع يمثل قصورا في النظر ،فعندما نعجز عن الانجاز مجتمعين سواء عملنا كفريق أو فرادى دكتاتوريون ، فالمسئولية فردية وتضامنية لاتستثني احدا بعينه من تبعات الإخفاق حتى لو كان فردا بعينه له النصيب الاكبر، أو مجموعة مشاركة لاننا لم نستخدم ما هو مكفول لنا بالقانون في توقيته ومكانه المناسب ، فالأحرى في مثل هذه الأحوال ان نستشرف المستقبل بإخفاقاتنا نحملها سواء كما تقلدناها سويا وأن نبقى مكتسبات الشعب الارتري المتفق عليها إلى حد ما بمنأى عن حافة الأزمات التي تعيدنا إلى مربع البدايات حيث التشاكس حول الأبجديات وبدائيات الإنطلاق إذ ليس بإمكاننا إعادة عقارب ساعات الانجازات المهدرة ، ولا أظن أن أحدا يمكنه أن يتجاهل أن المجلس الوطني الذي خرج بعد مخاض عسير كمظلة جامعة لقوى المعارضة الارترية يتصدر قائمة مكتسبات العمل الوطني المعارض، ليس لأنه الكيان الأمثل الذي يلبي طموحاتنا ويلغي تحفظاتنا وتخوفاتنا بل لأنه كيان يمثل لنا بداية فأل الإنعتاق من حلقة التشرذم المفرغة تلك التي سبحنا في فضاءاتها ردحا من الزمان .
فمسألة الفشل وعدم الإنجاز لم تكن يوما مبررا نفترق عليه ونتفق فقد كان التحالف وتعاقبت عليه قيادات تنفيذية وتشريعية وأحداث وأحداث والمفوضية ورئاستها وتنفيذتها والتنظيمات والمنظمات المدنية ، كان كل ذلك في الطريق حتى وصلنا إلى مؤتمر أواسا وظهور المجلس الوطني ، فقد كان هناك إخفاق ومخفقون ولم نري فاشلا في تلك المؤسسات يعزل بنفس الطريقة أم أن القيادات كانت مبرأة من كل عيب وقصور أم أن الفرص السياسية التي أتيحت للمعارضة آنذاك كانت أقل من الفرص التي جاءت في زمن رئيس التنفيذية إن إعتبرناها جدلا فرصا ضائعة ، إن التبرير للإقالة بهذا المنطق الواهي سياسيا والمتعسف توقيتا وإجراء لايعفي من أقدموا عليه من التبعات التي ترتبت عليه من بلبلة الوضع الداخلي للمجلس الوطني والرأي العام الارتري وإنتاج الأزمات دون طائل، وإفساح المجال أمام خيارات الاصطفاف والإصطفاف المقابل والإستنفار والإستنفار المضاد تلك المشاهد السياسية التي ظلت خافتة برهة من الزمان ، كدنا أن نلتقط فيها أنفاسنا كفاصل مناخي ربيعي بين عاصفتين بيد أننا نعلم أنها لن تطول هذه الفسحة لانه من السابق لأوانه إضمحلال هذه الممارسات المزمنة مرة واحدة دون أن تعاودنا مرات ومرات في أثوابها العتيقة المتجددة ، وإن كانت تطل هذه المرة ترتدي ثوب القانون والصلاحيات والمهام والمسئوليات هذا أحسن حالا من صراعات اللعب على المكشوف، ويحسب لهذه الأزمة ذلك التجديد الذي صبغ النقاش بصبغة القانون وعدم القانونية ذلك المنحي الذي قد لانستطيع نحن البسطاء بسطه وتحليله لقصورنا المعرفي والتخصصي من جهة ولعدم وجود النظام الأساسي ولائحة التنفيذية بين أيدينا من جهة أخرى ، وما دام أن الأمر قد وصل مسامعنا وتجاوز مؤسساته التشريعية والتنفيذية وصارت أزمة تستحق أن يدلي فيها من يشاء بوجهة نظره فلماذا لانستقرئ ما بين أيدينا مما هو متاح من المعلومات رغم علمنا أن اللجنة القانونية أدلت بعدم قانونية الإجراء وكتابة أكثر من عضو من المجلس الوطني وجهة نظره بعدم القانونية للإقالة .
ثانيا : الإجراءات القانونية وكيفية ممارستها في النظم الأساسية واللوائح :
أن أي إجراء قبل الإقدام على إتخاذه ينبغي أن نتأكد من قانونيته وذلك بمدى مطابقتة للنظام الأساسي إذا كنا سنستد على مادة في النظام الأساسي وإذا كان الإجراء يستند على لائحة تنفيذية فإن مواد اللائحة مواد تفصيلية تستند في الأساس الى النظام الأساسي ولا تتعارض معه بل تسقط مواد اللائحة في حالة التعارض مع مادة النظام الأساسي نصا وروحا لأن القاعدة القانونية تقول( أن القاعدة الأدني لاتعلوا على القاعدة القانونية الأعلي ) كما أن لائحة التنفيذية ينبغي أن تجاز من قبل المجلس الوطني (التشريعي ) ففي حالة المجلس وتنفيذيته لايمكن بأي حال من الأحوال أن يخول رئيس المجلس او الرئاسة كلها حق الإقالة لأن من لايملك حق التعيين لايملك حق الإقالة وفي أغلب النظم الدستورية يعطي حق سحب الثقة من السلطة التنفيذية بمفردها أو مجموعها للسلطة التشريعية (المجالس ) في إجتماعاتها المنصوص عليها قانونا وذلك بعد ان يتقدم أعضاء من المجلس منصوص على عددهم بطلب سحب الثقة أو بناء على التقارير الدورية المقدمة للمجالس التي تبين إخفاق التنقيذية في واجباتها وبذلك يكون سحب الثقة او ان يتقدم التنفيذي بإستقالته وتقبل من رئاسة المجلس أو المجلس حسب القانون هذا جوهر ماتدور عليه القاعدة القانونية الدستورية التي تحكم عمل المؤسسات السياسية ففي العمل السياسي لاتعطى الصلاحيات للأفراد بل للمؤسسات بمجموعها وصفاتها الشكلية والجوهرية فيما يتعلق بالإنتخاب والإقالة إلا في حالات نادرة .
بناء على ماسبق نستطيع أن نقول إن المكتب التنفيذي الذي انتخب من قبل المجلس الوطني لايمكن إقالة رئيسه إلا في حالة سحب الثقة من قبل المجلس الوطني في حالة انعقاده أو إقالته من قبل المكتب نفسه الذي إنتخبه في حالة وجود لائحة تنفيذية اجيزت من المجلس الوطني وفيها نص صريح لايتعارض مع مواد النظام الأساسي محدد فيها النصاب القانوني وكيفية إستخدام سحب الثقة من رئيس المكتب التنفيذي .
اذا لم توجد النصوص التي توضح عملية الإقالة وطرقها فهذا عيب جوهري في النظام الأساسي ، وعلى المجلس إدخال التعديلات اللازمة لصد الثغرا ت القانونية في النظام الأساسي كما أن على المكتب التنفيذي أن يضمن لائحته التفاصيل الدقيقية للعمل التنفيذي على أن تجاز اللائحة وتعديلاتها في المجلس الوطني .
لا أدري بالضبط ما هي المادة القانونية التي إستند رئيس المجلس في إقالة رئيس المكتب التنفيذي عليها بعد إنفضاض المجلس وتكليف المجلس لرئاسته والمكتب التنفيذي بإخراج لجنة تحضيرية لمؤتمر المجلس الوطني وهل يعد منطقيا بعد خروج التحضيرية أن تفتعل أزمة سياسية بهذا الحجم ، قد يعتبر البعض الحدث ليس بهذا الحجم من الجسامة وفي ذلك نظر لأن إحداث الشرخ بهذه الطريقة دون الرجوع للنصوص القانونية و فعل ذلك بعد إنفضاض المؤسسة التشريعية ثم البحث عن اللجنة القانونية والوضع القانوني للإجراء يعتبر في نظر القانون خرقا للنظم وإستخفافا بالمؤسسات وتجاوزا للصلاحيات تقتضي المساءلة والإستيضاح .
ثالثا : إجراءات الحل والمقترحات :
بعد كل ماذكرناه من الإجراءات العامة والتي ينبغي أن يتضمنها أى نظام أساسي لو رجعنا إلي مسودة النظام الأساسي للمجلس والتي قدمت لمؤتمر أواسا ويفترض أن قروبات المؤتمر قد أضافت بعد التعديلات عليها والتي لم نتمكن من الإطلاع عليها، رغم أن النظام الأساسي هو ليس من الوثائق السرية للمؤسسات وينبغي أن يكون متاحا في موقع المجلس الوطني لأنه يمثل عنوان المؤسسية في كل المؤسسات ومن خلاله يحكم المتابعون على مدى إنضباط المؤسسة بنظامها ولائحتها ، لو عدنا لوجدنا أن المادة (27 ) إختصاصات رئيس المجلس والمكونة من إحدى عشرة فقرة لانجد فيها أي فقرة تمنح رئاسة المجلس بمفردها أو مشاركة مع المكتب التنفيذي حق الإقالة لأي عضو من التنفيذية الفقرة( 10) والتي يمكن أن يتأولها أحد ويبحث فيها ما يبرر ( يصدر بالتشاور مع قيادة المجلس ورؤساء اللجان الدائمة وأعضاء المكتب التنفيذي القرارات الضرورية في غياب المجلس على أن يصادق عليها المجلس في أول جلسة له من تأريخها ) هذه الفقرة بالتأكيد لاتحتمل أي سند للإقالة القرارات يقصد بها في مثل هذه الصياغات التطورات السياسية فيما عدا الإنتخاب والإقالة فانها تحتاج إلى نصوص صريحة ( المجلس ينتخب التنفيذية لأن ذلك من اختصاصات المجلس بنص النظام الاساسي وله ايضا حق الاقالة) .
من الملاحظ في المسودة أنها لم تفرد إختصاصات رئيس المكتب التنفيذي وإنما هناك المادة (54 ) تتحدث عن إختصاصات ومهام المكتب التنفيذي وفي هذا إشارة على أن المسئولية تضامنية في التكليف وهذه المادة فيها (12 ) فقرة ، والفقرة (12 ) ذاتها تنص على الآتي : ( له حق إصدارالتدابيرو الإجراءات والقرارت فيما يتعلق بالعمل السياسي بالتشاور مع قيادة المجلس حال غياب المجلس ) هذه الفقرة من إختصا صات المكتب التنفيذي كانت واضحة أكثر من فقرة إختصاصات المجلس المذكورة أعلاه وقد حصرت القرارت في العمل السياسي .
في المادة ( 75 ) أحكام عامة تنص على الآتي : ( في حال رغبة أي عضو مكلف بعمل ضمن أجهزة المجلس المختلفة الإستقالة فإنه يقدمها إلى رئيسه المباشر ما عدا قيادة المجلس ورئيس المكتب التنفيذي فإنهم يقدمون استقالتهم إلى المجلس ) دعونا نتساءل هل هذه المادة موجودة في النظام الأساسي للمجلس فقد عرضت علينا في مؤتمر أواسا ولا أدري تم تعديلها أو إلغاؤها بمادة اخرى فإذا كانت موجودة ستمثل ادانة لمن قاموا با لإقالة واذا كانت ألغيت بمادة أخرى فماهي ؟ وعلى أي أساس استندت رئاسة المجلس في الإقالة سؤال ينتظر الإجابة؟
واخيرا ما الحل :
اذا توصلنا أن الإقالة كانت تجاوزا للنظام الأساسي فإن الإقالة تعتبر غير قانونية ويعود رئيس المكتب التنفيذي لمزاولة مهامه وليس هناك أى إعتبار لما حدث من الناحية القانونية ويمكن للمكتب التنفيذي أن يقوم بتغيير رئيسه باعتباره أنه انتخبه وفق اللائحة التنفيذية للمكتب التنفيذي المجازة من المجلس الوطني اذا كانت موجودة .
ويمكن أن يتقدم رئيس المكتب التنفيذي بإستقالته طوعا وتجنيبا للمجلس وتنفيذيته من تبعات المأزق الذي وضعتنا فيه رئاسة المجلس تعسفا وتجاوزا دون مراعاة للأوضاع السياسية الداخلية والخارجية
على المجلس الوطني في اول جلسة له إستجواب رئاسة المجلس الوطني وأعضاء المكتب التنفيذي لإحداثهم البلبة السياسية وإحراج الرأي العام الارتري دون وضع أي اعتبار للتبعات السياسية والإقدام في إجراءات تعسفية دون تمحيصها قانونيا مطابقة للنظام الأساسي وسياسيا وتوقيتا خاطئا .
سؤال؟
إلي متى سنصنع الأزمات ونعجز عن حلها من غير تدخل طرف ثالث ؟ والى متي تضيع الفرص المتاحة للمعارضة الارترية في انتاج الأزمات وصناعتها وتبادل الاتهامات والاتهامات المتبادلة .