| 
 
 |  23 Nov 2024
طرق التعليم الابتدائي في ظل نظام إسياس
09-11-2017
3777
 

طرق التعليم الابتدائي في ظل نظام إسياس

بقلم : أبو محمد عمر

المدخل:

إذا رغبنا التحدث عن مفهوم  طرق التدريس  في السلم  التعليمي  الابتدائي  الإرتري  ما بعد  الاستقلال وتأسيس الدولة في عام 1993 م لا بد لنا أن نشير ولو بإيجاز مختصر إلى مناهج وطرق التدريس لتلك الفترة التي سبقت استقلال ارتريا وأعني بذلك زمن الاستعمار الإيطالي  ثم الإنجليزي وأخيرا الاستعمار الإثيوبي .

فمن أبجديات المستعمر عندما يتمكن من احتلال البلد والسيطرة على العباد ومفاصل الحياة الاقتصادية نجده يفرض لغته في مناحي المجال الإداري والسلم التعليمي ، فعند ما احتلت إيطاليا إرتريا في عام {1882م وحتى 1941م} بدأت المراحل التعليمية تظهر، فكانت اللغة الإيطالية هي لغة العمل والتعامل ، حيث كان نظام التعليم عن طريق إنشاء نظامين مختلفين، أحدهما خُصص لأبناء المستعمرين الإيطاليين، والآخر للسكان الأصليين ،  وفي الوقت الذي كانت الدراسة في المدارس الإيطالية لأبناء المستعمر تنتهج أحدث وسائل التعليم  حتى المراحل الدراسية العليا ، كانت الدراسة  تقتصر للمواطن الارتري على السنوات الأربع الأولى للمرحلة الابتدائية فقط لا غير ، وذلك  لما  يتناسب  مع حاجة المستعمر الإيطالي على التوظيف الارتري في المستويات الإدارية البسيطة كالترجمة وبعض التدريب المهني في الكهرباء والحدادة وغيرها ، فالتعليم كان محصورًا للغاية ويرتكز على الدعاية للاستعمار وثقافته ودينه ولغته ، وكان يحارب الثقافة الوطنية الارترية ووسائلها بما فيها اللغة العربية والتجرينية  وعلى امتداد ستون عاما  كانت سياسته على هذا  المنوال .

أما المستعمر الإنجليزي { 1941 وحتى 1950 م } قَسَّم إريتريا إلى مرتفعات ومنخفضات ، فكان التعليم في المنخفضات باللغة العربية وفي المرتفعات باللغة التجريبية ، اتخذت هذه  السياسة بناء على  دراسة  شاملة  قامت بها الإدارة الإنجليزية  لمعرفة  لغة  لها جذور في المجتمع  الارتري  فكانت  النتيجة : اختيار المسلمون اللغة العربية والمسيحيون اللغة التجرينية على أن تدرس الإنجليزية كلغة منذ البداية حتى الفصل الرابع الابتدائي ، وما فوق هذه المرحلة يكون التدريس باللغة الإنجليزية والتعليم كان على أسس رباعية ، أي أربعة أعوام في الابتدائية وأربعة في الوسطى وأربعة في الثانوية ، كما أن المدارس تُرحل مع القرى حسب الحياة المعيشية في إريتريا ( رحلة الخريف والصيف ) هذا بالنسبة للابتدائية ، أما الثانوية فكانت مدرسة واحدة في أسمرة وهى مدرسة "بيت قرقيس"، يتم القبول فيها عبر امتحان عام لكل إريتريا ، ولضيق الأمر والمطالبات الكثيرة تم تجهيز مدرسة أخرى في كرن وافتتحوا مدارس لتعليم الفتيات ، وفى فترة وجيزة استطاعت الإدارة البريطانية أن تُخرج عددا كبيرا من المدرسين والموظفين في الجهاز الإداري وتوسعت رقعة التعليم حتى شملت الرعاة الرحل في بعض مناطق الساحل الشمالي وتدرج مستوى التعليم إلى المرحلة الوسطى التي تغطى أربعة سنوات أخرى ، بذلك أصبحت مرحلة التعليم الأساسي ثماني سنوات وكان التدريس في المرحلة الوسطى باللغة الإنجليزية ، بينما كانت العربية والتجرينية تدرسان كل منهما كلغة ،  وبهكذا  استطاعت  الإدارة  البريطانية  في فترة  وجودها  القصيرة  أن  تخلق جيلا  بأكمله  من الشمال إلى الجنوب  ومن الشرق إلى الغرب  تجمعه  ثقافة  موحدة  ولغات  متداولة  يقبلها  ويتفاهم  بها الجميع  بكل  سهولة  ويسر .

أما المستعمر الإثيوبي  {1951  وحتى 1991م }  بعد إلغائه  الاتحاد  الفدرالي  في عام  1952م ودمج إرتريا كليا بالإمبراطورية  الإثيوبية  قامت الحكومة الإثيوبية  آنذاك  بإلغاء المنهج الدراسي في إرتريا بما في ذلك اللغتين العربية والتجرينية  وفرضت  لغتها  الأمهرية لغة المعاملات والتوظيف والتدريس في مرحلة التعليم الأساسي ، بينما واصلت الإنجليزية  كلغة  تعليم  في المرحلة الثانوية وحتى التعليم العالي ، وهذه السياسة الخاطئة انعكست  آثارها  السالبة على المواطن الإرتري وخاصة فئة الشباب حيث الكثير منهم  ترك الدراسة والتحق بالثورة  الإرترية  ليعلن رفضه التام  لهذه  السياسات الاستعمارية .

 وبعد هذه الإشارات التي ذكرتها نجد أن الكادر الوطني  الإرتري  العامل في الحقل التعليمي  كان له الحضور المباشر في وضع اللبنات الأولى للمنهج  التعليمي الخاصة  بالمرحلة  الابتدائية  وما فوقها في  عهد الثورة  وما بعد التحرير  ،  فعند  تقيمنا لهاتين المرحلتين  يتضح لنا التالي  :

{أولا} منهج التعليم الارتري إبان الثورة والكفاح المسلح {1961 وحتى 1991 م }

 في هذه الفترة التعليم  بدأ بالمستوى الابتدائي وذلك عندما تمكنت جبهة التحرير الإرترية من تحرير ساحات مأهولة بالسكان وإقامة القواعد في الخلفية المحمية بالأراضي أو المناطق المحررة ، وكذلك في أوساط اللاجئين الإرتريين المقيمين في معسكرات اللجوء بالسودان وجيبوتي واليمن والذين  بدأت أعدادهم  تتزايد عندما نفذت إثيوبيا لسياستها العدوانية المبنية على إرهاب المواطن والإبادة  الجماعية بدأتها في عام 1967م وهى سياسة تعتمد على القتل وإحراق القرى ونهب الممتلكات ، وعليه لم تكن سنوات التعليم  في هذه  الفترة  تتجاوز المرحلة  الابتدائية في المناطق الإرترية المحررة  ، أما  في المعسكرات ومناطق اللجوء فكانت  تتجاوزها الى مراحل ومستويات متقدمة .

ففي هذه الفترة اعتمدت جبهة  التحرير الإرترية في سياستها التعليمية المنهج  الإنجليزي  الذي يتخذ  اللغة  العربية  والتجرينية لمواد التدريس إلى جانب الإنجليزية  كلغة ،  في حين اعتمد جهاز التعليم الإرتري  تابع  لقوات التحرير الشعبية منهجه الخاص  يتخذ اللغة العربية لجميع مواد التدريس إلى جانب التجرينية والإنجليزية  كلغة ، أما الجبهة الشعبية  لتحرير إرتريا  كان منهج  تدريسها على  خلاف  ذلك  تماماً حيث اعتمدت في المرحلة الابتدائية  التدريس  بلغة الأم  وهي خطوة وتجربة جديدة  لم تشهدها الساحة الارترية من قبل .

{ ثانيا } منهج التعليم الإرتري بعد الاستقلال وتأسيس الدولة { 1992 وحتى 2016 م }

 بعد تحرير البلاد عام 1991 وإعلان استقلالها عبر استفتاء  شعبي راقبته الأمم  المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية وجامعة الدول العربية عام 1993م ، كانت العملية التعليمية وطرق التدريس في المرحلة الابتدائية تُمثّل أحد أهم التحديات التي واجهت  وتواجه الدولة  الوليدة  ونظام  هقدف  المستبد.

 ولمعالجة هذه  التحديات قامت الجبهة الشعبية  بنقل تجربتها  التعليمية التي  تعتمد بصورة  أساسية على  التدريس  بلغة الأم  بدلا من الاعتماد على اللغتين العربية والتجرينية  ، نقلتها الى وزارة التعليم الارترية  بعد التحرير وجعلته واقعا  لا يمكن تجاوزه أو تخطيه ، وكانت  تبرر لفرض هذه الخطوة الهدامة ، إن لغة الأم هي لغة اقرب إلى التكوين النفسي للتلميذ وأسهل فهماً لتداولها في البيت أو من يعيش في محيطه .

 والجدير ذكره  أن عملية فرض التدريس بلغة الأم  تمت بدون  دراسة  تحليلية  أو علمية تظهر رغبات  أولياء الأمور ولما يطمحون إليه في تعليم أبنائهم ، فكان من البديهي أن لا تجد هذه التجربة القبول في أوساط  الشعب الإرتري  المسلم  منه على وجه التحديد ، وبهكذا  أدت هذه السياسة الخاطئة الغير مرغوبة إلى نتائج عكسية لا بد من ذكرها في النقاط التالية : 

{ 1 }عزوف الكثير من الأسر الإرترية عن إرسال أطفالهم  إلى المدارس ، وكانت نتائجها  السالبة تكريس  الأمية  وتفشي  الجهل  في أوساط  هذه الأجيال  الصاعدة .

{2}عدم رغبة أهل اللغة المستهدف دراستها كان العائق الكبير الذي أفشل سياسة الحكومة  في تطبيق التدريس بلغة الأم ، وفرض اللغة بدون الرغبة  أثبتت التجربة فشلها فشلا  تشم  رائحتها  الغير مرضية  لدى  كثير من أفراد الشعب الإرتري ، كانت ومازالت نتائجها الخطيرة  واضحة للعيان في تراجع  نسبة  النجاح التي تصل أحيانا  إلى درجة الصفر. 

{3} انحصار تعليم لغة الأم في إطار المدرسة وعدم  استخدامها  في المجال الإداري  الحكومي التي تستخدم  فقط  لغة التجرينية  في الدوائر الخدمية والرسمية  ـ خلق فجوة عميقة  وكراهية  القوميات الأخرى  لقومية  التجرينية الحاكمة  للبلاد والعباد ، لهذا فان تطوير اللغات يجب أن يترك لأهلها  ، وأن تعمل  أجهزة  الدولة  والمؤسسات  التعليمية  بما يتفق عليه الشعب لا أن  يفرض عليه  لتمرير مخطط  التجرنة الساعي إلى تغيير وطمس الهوية الإرترية.

{4} الطالب  الذي  أكمل  المرحلة  الابتدائية  بلغة الأم إذا رغب الانخراط  في مجال  العمل  يجد  الطرق  مسدود  أمامه  لأنه  أمي  لا يحسن  القراءة  ولا يجيد الكتابة  بلغة  التجرينية  التي  تعتمدها  الحكومة  في  دوائرها  الرسمية  والخدمية  .

{5} المعلم  الذي تقع على عاتقه  المسؤولية  الكبيرة  لتعليم  الأطفال  في  المرحلة  الابتدائية  فهو  كذلك  لم يكن أقلّ سوءًا ، فقد شكّلته الحكومة من منتسبي الخدمة العسكرية مستوياتهم  التعليمية  متدنية  للغاية وليست لديهم أي خبرة في مجال التدريس والتعليم التربوي .

{6} تستخدم  السلطة الحاكمة في أسمرا الحكم  المركزي  لكل  الأقاليم  الإرترية  المتعدد  الثقافات  وبالتالي  نجد الشعب الإرتري  محصوراً  في  التعامل  الإداري  بلغة  التجرينية  وأن بقية  لغات  الأم  التي  تدرس  في المدارس  ليست  معتمدة  ولا يعترف  بها  للتداول  الإداري  .

{7} من المفترض أن يكون للحكومة مبادرة وتصور في كيفية  تطوير التعليم وتحسين مستوى العملية التعليمية  بكل  جوانبها ، ولكن الشيء المحزن أن النظام الحاكم في أسمرا بدلا من ذلك  ينفق أموال طائلة في إقامة المهرجانات والحفلات الراقصة  بشكل  سنوي  طيلة  الفترة  منذ الاستقلال في عام 1991 م .

{8} إذا نظرنا وبحثنا لمشكلات التعليم في إرتريا نجدها مشكلات قديمة متجددة وأن يكون لهذه المشكلة العويصة  جذورا مُتأصلة  في ظل الدولة  الوطنية  أمر غير مقبول  خاصة  بعد مرور ربع  قرن على نيل الاستقلال ، لأن هذه  الفترة  كانت  كافية  لمعالجة  مشكلات التعليم في إرتريا بكامل أقاليمها وبمختلف  مكونات الشعب المتعدد  في الأعراق والثقافات   .

لكل تلك العوامل وغيرها أصبح الإقبال على التعليم  في المستوى الابتدائي  متدنيا  جدا  وبصورة مريعة  انعكست آثاره  السالبة  على بقية المراحل  التعليمية  الأخرى  ، ففي الوقت الذي كانت نسبة الإقبال على التعليم في تزايد  مطلع التسعينيات عقب الاستقلال مباشرة أصبح في الوقت الراهن الإقبال على التعليم  في تناقص  مستمر وبنسب كبيرة تنذر بمستقبل قاتم  للبلاد .

الخاتمة :

تناولت في هذه  الورقة  الموجزة  طرق التدريس  في المستوى الابتدائي الذي رسمته وتنتهجه الحكومة الإرترية طيلة السنوات التي  مضت {1991 وحتى 2016 م }  وما ذكرته هو نتاج ما عايشته وشاهدته بحكم عملي  كمدرس في المرحلة الابتدائية بإقليم  جنوب البحر الأحمر { إقليم دنكاليا سابقا } ومشارك أيضاً مع مجموعة من الأكاديميين الإرتريين لتطوير منهج اللغة العربية في المدارس التي تدرس اللغة العربية ، كان ذلك بتكليف  من  وزارة  التعليم  الإرترية  في  الفترة من { 1996 وحتى  2000 م } وما قلته في هذه الورقة هو رأي وتحليل شخصي للواقع الأليم الذي يعيشه شعبنا الإرتري المغلوب على أمره  ، وللأمانة  العلمية  استعنت  واستفدت  كثيرا من بعض المقالات التي  وردت في المواقع الإلكترونية الإرترية  تناولت  بشكل موسع  لموضوع  التعليم في إرتريا وكذلك  مركز دراسات القرن الأفريقي  وهو مركز متخصص في  شئون دول القرن الأفريقي فأنصح لكل المهتمين والباحثين المعنيين لدراسة  هذه القضية  التعليمية الحساسة  الرجوع  إلى هذا المركز .

 
 
aaa
زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية
خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وشهادات المنصفين من غير المسلمين
رمضان في زمن الكورونا
بعد عام من إغلاق الحدود بين إرتريا والسودان من المستفيد ؟
ملامح الإتفاقية الإرترية الإثيوبية وتطلعات الشعب الإرتري
2024 © حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤتمر الإسلامي الإرتري | By : ShahBiz