| 
 
 |  23 Nov 2024
الاستقـلال واستحقاقـاتـه في السيـاق التـاريخي والسياسـي
30-09-2018
1339
 

 الاستقـلال  واستحقاقـاتـه في السيـاق التـاريخي والسياسـي

منصورطه

ألقى واقع الانقسام الوطني الإرتري ضمن خياري الاستقلال والانضمام ألقى بظلاله الكثيفة وآثاره التي امتدت على  الثورة الإرترية ونتائجها في الاستقلال المنقوص والمقلوب على حقيقته ، امتد واقع الانقسام وظل حاضرا في كل المحطات التاريخية السياسية ، حيث ظهرمبكرا في بدايات الخطى والعمل نحو الاستقلال بمشروع الانضمام ضمن الخطاب الديني الصارم للكنيسة والدور الكيدي للبريطانيين وتغذية الاثيوبين للفتنة بين الشعب الإرتري ، لتجد الفكرة موطئ قدم ثابت تعتمد عليه في ضمها لاحقا إلى دولة إثيوبيا.

 

الحركة  الاستقلالية :

كانت الحركة الاستقلالية الإرترية تسير عكس المصالح والسياسة الدولية ومصلحة بعض دول الإقليم ، ففي فترة تقرير المصير التي عمت فيها حركات مناهضة الاستعمار التي انطلقت كغيرها من حركات التحرر من مبدأ أن إرتريا دولة لها كيانها أرضا وشعبا، ولها الحق في تقرير مصيرها وإعلان وجودها، وأن الميثاق الدولي للأمم المتحدة يكفل لها هذا الحق . ولكن القضية لم تكن بهذه الصورة بل تحيط بها أبعاد أخرى تعتبر هذا الحق مرهونا بالمصالح الدولية والإقليمة لأن الدول الكبرى هي من كان لها الحق والقدرة في تفسير وإعطاء هذا الحق أو منعه . إلى جانب تمحور قطاع من الشعب مع هذه المصالح وقد أصبحت أداته في مناهضة الوجهة الاستقلالية ، وعقدت الطريق أمام الاستقلال وأبعدت كثيرا من تحقيق هذا المطلب .

فالشعب الإرتري بعمومه كان موقفه من الاستقلال ثابتا وواضحا ، لكن شقا منه كان يرى الانضمام إلى إثيوبيا تماهيا مع البعد الديني والاجتماعي ، وهذه الفئة مسنودة برؤية دينية ومسنودة بمؤامرات المستعمر البريطاني والإثيوبي . ولكن الشعب الإرتري بعمومه امتلك الإرادة القوية في إثبات هذا الحق ومنازعة من تصدى له ، وأخذت تتسع فيه الوجهة المقاومة يوما بعد يوم ، ومرحلة بعد أخرى ، وبمواصلة الكفاح السياسي الذي تشكل في مراحل متوالية مختلفة ، إلى أن انفجر الكفاح المسلح الذي اتسع نشاطه وامتد ، وانحسرت تلك الفكرة الاستعمارية وذاب قطاعها من المساندين لها في الداخل ، ولكن غالب التيار الذي يمثل كتلة الانضمام تشكلت أدواره المناهضة للاستقلال في المرحلة السياسية في تكوين الشفتة ، وهي مليشيات ارهاب طائفية ، كانت الذراع العسكري لكتلة الانضمام، والتي كان يغطي جرائمها البشعة الاستعمار لعرقلة الحركة الاستقلالية، ثم لما أنزل العلم الإرتري إيذانا بالانضمام ، وتفجرت الثورة المسلحة تشكلت قوة الكماندوس ، وهي القوة التي أسند لها المستعمر الإثيوبي مشروع إبادة الشعب وإخماد الثورة، وكان تاريخا مرعبا في ذاكرة الشعب الإرتري . ولكن الشعب المقاوم أظهرعناده وصموده وراكم تضحياته الكبيرة ، حيث كان له تأثيره المباشر على المكون الإرتري بتأكيد قناعة الاستقلال ، وضعف وانهيار مشروع الانضمام ، ولاحقا حصل لهذه الكتلة تحول في موقفها السياسي من حيث قضية الاستقلال والانضمام إلى الصف المقاوم للاستعمار، لكن برؤية أخري مبنية على احتواء الموقف المقاوم ، واحتواء الثورة والسيطرة على مسارها والعمل على التصفية المتدرجة للقوى الثورية العاملة في الساحة . وفي المقابل ثبات موقفها المعارض للثقافة والهوية الجامعة التي تعبر عن كل الشعب الإرتري وتبني وحدته ، والإصرار على الثقافة والهوية الجزئية ، والعمل بجد في كل المراحل والميادين لسيطرتها واختزال الوطن بكامله فيها . واستمر هذا السلوك وهذا المخطط إلى ما بعد الاستقلال ، حاديه وقائده في ذلك مشروع (نحن وأهدافنا) برنامج النخبة الطائفية ، الذي فيه تحديد لهذه المجموعة إلى من تنتمي وما هويتها وتوصيفها للواقع الذي تعمل فيه.

 

الانقلاب على الثورة وإفراغ الاستقلال :

لما تسارع ميزان الثورة في صعود وقوتها في اتساع ، خطى هذا التيار ونخبه خطوات عملية لتحقيق سيطرته ، حيث رتب لدخول الثورة بأعداد وتدفقات كبيرة قلبت الموازين في ميدان القوة العسكرية بالصعود السريع في جهازها العسكري والسياسي ، وقد بدأ ذلك إسياس ومجموعته التي استطاعت أن تتسلق من خلال انقسامات الثورة والممارسات السيئة للقيادة العامة في صناعة خصوم بناءً على فرز إقليمي وقبلي ، وتصفية كل من ناوأ ممارساتها وسلوكياتها . ثم تكون المشروع الطائفي والاستئصالي الثقافي ، وتبلور في نهج وخط الجبهة الشعبية مبنيا على مشروع نحن وأهدافنا ، ومتخفيا بالهوية الفكرية الظاهرة الاشتراكية الشيوعية على مذهب بكين . استفيد منها في تعبئة التنظيم وتقسيم وتصنيف المفاهيم والقيم والتكوينات السياسية والاجتماعية إلى رجعية وتقدمية ، وشكلت هذه المفاهيم والمصطلحات مواعين تم بها تصفية الثقافة الإرترية والقيم الدينية والبنية الاجتماعية ،  والتي كان لها تأثيرها الكبير في مسار الثورة ، ومثلت نقطة تحول بالغة الأهمية . وقد جاء بعدها كمقدمة لمرحلة الاستقلال تصفية  فصائل الثورة وإخراجها من الساحة العسكرية والسياسية ، وفقدت فاعليتها لتحقيق مكاسب الاستقلال . 

وبالرغم من ذلك تعتبر مرحلة الكفاح المسلح مرحلة الإجماع الوطني الإرتري على السير نحو الاستقلال ، ولم يكن بد أمام المجتمع الدولي والقوى الاستعمارية من القبول بتقرير مصيره وإعلان استقلاله . ولكن جاء الاستقلال عسيرا غاليا ، وقد حرف مساره الذي انفردت فيه قوة تحمل أجندات طائفية ، فعبثت بالاستقلال وتفاقمت معاناة الشعب الإرتري وازدادت مشقته بهذا النظام الذي جاء بعد الاستقلال . والناظر في مواقف وأدوار هذا التيار يلحظ بوضوح توجهاتهم الصريحة في معاداة الهوية والثقافة العربية والإسلامية ، بل إنكار حقها ووجودها، وهذا الموقف من الهوية والثقافة مسنود خارجيا وإقليميا .

وبعد تخطي عقبة المطالبة بالاستقلال تم التحشيد الوطني العام والسعي من أجله بالعمل المسلح ، وفي  النهاية تم الحصول عليه بعد تضحيات جسام ، وتحقق كيان إرتريا المستقل أرضا وشعبا ، وجاءت مرحلة ما بعد خروج المستعمر ومطلوبات قيام الدولة الإرترية الحرة التي تشمل شعبها وأرضها ، وتحقيق الأمن والاستقراربعودة شعبها المهجر في منافي اللجوء والاغتراب، ومعالجة أمرها من الاختطاف الثاني. وهنا بقيت قوى وطنية أخرى على الكفاح من أجل تحقيق مكتسبات الاستقلال، وإعادته من خط انحرافه وكبح جماح القوة التي عملت على خطفه وتزويره. ومارست هذه القوى دورها في كفاحها ضد الاستبداد والاضطهاد، بوسائل مختلفة ومنابر متعددة ، ورغم العوائق الكبيرة وآثار وظلال الماضي السياسي ، والانقسام في مفهوم الاستقلال والحرب الاهلية واجوائها ،إلا أنها ثبتت في مناهضتها  للنظام الذي مارس القهر والظلم بحق الشعب الإرتري ، فظل شعار الرفض والمناهضة للنظام الطاغية قائما وظاهرا.

وظلت القوى السياسية الإرترية طيلة الفترة السابقة رهينة أدائها السالب الذي يعوق عملها المناهض للنظام القمعي ، والتفاعل مع قضايا الشعب وحراكه ضد النظام ، وقد انحسر معظم حراكها وحركتها في الصراع البيني الذي ظل حاضرا فيها وبقوة خلافات المرحلة السابقة . وهو الذي أضر بالقوى السياسية ، وأفقد مشروعها القوة والحيوية والتأثير المباشر والآلية التي تمكنها من توجيه معركتها تجاه النظام ، والدوران في مسالك الاصطراع والتنافس الصدامى ومسالك التشرذم التي تضيع فيها مشاريع العمل الحقيقية ، والتي تنصب فيها الجهود وتنشغل بها الأفكار. وكما دول الإقليم الحاضنة لتلك القوى، تمثل كوابح لنشاطها وأدائها، ومثل بعضها حاضنة غير مريحة ، حيث وجد التيار المعيق الذي يضع العقبات أمام القوى السياسية الفرصة مواتية ومناسبة ليفعل ما يحلو له ، ويسير بالقضية في غير اتجاهها .

 

مفاهيم وأفكار على خطى الاستقلال ونيل مستحقاته :

•  المشكلة في إرتريا ليست في شكل ونظام الحكم ، وإن كان ذلك إحدى تجلياتها ، بل المشكلة هي في الخلاف الإثني والثقافي وبعد الهوية بين مكوني الشعب الإرتري المسيحي والمسلم ، التي تؤثر في الوجود السياسي لإرتريا ونظامها الذي يحكمها ، وهي في البعد الطائفي المناكر والمنافر في ثنائية الهوية والثقافة أدت إلى ثنائية الفهم والتصور لماهية الاستقلال والحرية وما هية وجود الدولة الإرترية ، وفقدان الثقة المتبادلة بين مكونات الشعب الإرتري في العبور نحو مستقبل يحمل صبغة مشتركة وأحلاما وآمالا تعبر عن الجميع . وتمثلت في مشكلة التعبير والتمثيل الحقيقي للهوية الوطنية التي يشكلها التنوع الاجتماعي والتكامل الثقافي والذي لا يعبر عن الإقصاء والاحتواء . المكون المسلم لا يجد هويته ولا ثقافته التي كان يأملها في صيغة الاستقلال والحرية التي ضحى وعمل من أجلها ، ولا يجد حاجاته ومطالبه السياسية من الحرية  والمواطنة والمشاركة السياسية .

•  تجلت هذه المشكلة في مرحلة العمل السياسي في المطالبة بالاستقلال وظهرت أول بذرة طائفية للعلن شقت الصف الوطني ، فكانت إحدى المرجعيات ومراكز التأثير النافذ في توجيه القضية وفهمها وتحديد سياقها . فانقسم الشعب وتحول غالب المسيحيين في موقفه ودوره تجاه الاستقلال بناء على موجهاتها التي كانت حاسمة في الموقف، في ملتقى بيت قرقيس حيث كان نقطة فارقة في تاريخ استقلال إرتريا  وحاضرا في منعطفات النضال من أجل الاستقلال، وما يزال حاضرا في مرحلة النضال من أجل تثبيت مكتسبات الاستقلال ونيل مستحقاته ، فهو حاضر في أضابير المعارضة ، ويشكل نقطة هامة في تشكيل التعقيدات التي صاحبت مسيرة نضالها ، وراكمت العوائق دون إكمال المسيرة في إزالة النظام الطاغية .

•  وللأسف فإن الكتلة الاستقلالية سواء كان في المرحلة الاولى السياسية أو المرحلة التالية بانطلاقة الثورة والعمل المسلح واجهت كثيرا من المنعطفات الصعبة في خياراتها ، ومكائد تفكيكها وشرذمتها ، وتصفيتها وتجريدها بطرائق مختلفة مع وجود عوامل داخلية استفاد منها خصومها الذين تدعمهم القوى الدولية وقوة اثيوبيا المستفيد المباشر في تحقيق سياستها وسيطرتها.

•  هذه المجموعة الحاكمة في إرتريا تحمل في جعبتها ذلك التاريخ السالب وتلك الأحجية الخاطئة ، واستخدمت كغطاء لمشروعها البرنامج والفكر الاشتراكي الذي كان يمثل الحاضن للمفاهيم الثورية في توجهاتها،  واستفادت منه كثيرا في تصفية أفكار وقيم الشعب وموروثاته بتصنيفها بمصطلح الرجعية والتي تعني المشروعية والمنطلق الفكري لمنهج تصفوي استئصالي . متخذا ذريعة التقدمية والتطهر من الرجعية لهدم كل قيم الدين بهذا المبدأ ، ولينشأ إنسان إرتري لا يمت إلى دينه وقيمه بصلة، وقد صنع هذا النموذج في الثورة وبذلت محاولات محاولات لتصديره إلى عموم الشعب .

•  اذا يكمن الحل في موقف كهذا في نظر عميق ووضع رؤية لمواجهته ، وليس بالإغفال والتغافل بحجة الحذر من إثارة الفتنة ، إن موقفا كهذا يحتاج إلى تعاضد وكفاح طويل يعتمد على بناء مرتكزات هامة منها : تغيير المفاهيم المجتمعية السالبة ، وبناء قيم ومفاهيم ومشتركات في الوطن ، مفاهيم  للهوية الجامعة ومصلحة كل الشعب الإرتري وحقوقه العامة. ولا بد من العمل للدفع نحو الموقف الإيجابي الذي يرعي مصلحة كل الشعب الإرتري ولا ينتقص من حقوق مكوناته. 

•  لا بد من إجراء حوار وطني بين النخب الواعية من مكونات الشعب الإرتري المسيحي والمسلم، حول الثقافة والهوية ومحدداتها، وحماية السلم الاجتماعي ، ومبادئ النظام السياسي والمحددات الأساسية وفيه كفالة الحرية والعدالة وحماية الحقوق العامة ، وشكل نظام الحكم بناء على الديمقراطية ، أو سن نظام لتحديد حقوق التمثيل . وحول طبيعة العلاقة مع إثيوبيا ، وتسوية المصالح بين البلدين ، والعلاقة باثيوبيا لها خصوصية لاعتبارات اجتماعية ودينية وجوار له امتداد جغرافي ، كل ذلك حاضر بقوة وله تأثيره الداخلي على إرتريا ، ويلبي هوى جزء من سكانها ، وهذا ما لا يمكن إغفاله ، ولذلك تحتاج إرتريا إلى علاقة ذات طابع خاص يلبي المصالح والعلائق الاجتماعية والدينية.

•  التأكيد على أن السلوك الإقصائي لأي مكون للمكونات الأخرى للشعب هو سلوك المغتصب ، وهو بالتجربة يؤدي إلى الفشل ، ويجعل البلاد نهبا للحروب والصراعات . وتغذية هذا السلوك هو مد وتوسيع لحبال الأزمات الطاحنة. ولذلك من المهم التأكيد على أنه لا يتحقق سلام واستقرار ، ولا تقوم دولة ذات سيادة إلا بفهم الاعتراف بهوية وثقافة الشعب التي تعبر عن كل مكوناته لا سيادة مكون واحد ، والوطن  الآمن المستقر هو الذي يجمع كل أطرافه ومكوناته بلا إقصاء ولا إلغاء ، وفي ظل التعايش والسلم الاجتماعي.

•  كما ينبغي أن يتحد الفهم بأن منطق صناعة العداء والإقصاء الطائفي ليست من مصلحة البلاد ولا الشعب بكامل مكوناته ، وأن الموقف السالب هو الذي يؤجج العدائيات ويهدم السلم الاجتماعي ويرتكز على المفاهيم  الإقصائية .  بل ما يربط  من وشائج وقربي كثير لا يمكن إغفاله ولا نسيانه، وتبنى عليه علائق السلم والتآلف والعيش .

•  مطلوب من النخب المسيحية ، مواقف وأدوار تؤسس لبناء الكيان الوطني الإرتري وتثبيت المشتركات في الهوية والثقافة والحقوق ، وضرورة التفريق بين المواقف من التجارب والأخطاء والمشكلات ، وبين الثوابت والمشتركات .

•  ثم لتعلم كل النخب أنه لا تتشكل حكومة ولا تبني دولة إلا بإرادة شعبية جامعة دون وصاية لأحد ، يجب أن يقول الشعب كلمته في تقرير مصيره ووجهته ، وفي مواجهة هذه الكتل التي تعمل على التخريب والتزييف ، والتي تنتهز الفرص لفرض أجنداتها ، وأن يكون خيار الشعب دائما في تحديد مصيره محترما ومعتبرا، وقد تسعى بعض القوى للالتفاف عليه وتحريفه لمصالحها . ولكن الإرادة الشعبية الحازمة هي من تصل إلى خيارها رغم الرفض والمنع من هنا أو هنا. وأن هذا الاتفاق ينبغي أن لا يستفيد منه التيارالمعيق والكتلة المخربة التي سرقت مكتسبات الشعب الإرتري ولوت عنق الاستقلال ليعود بباب آخر إلى حيث بدا ، بل ليقل الشعب الإرتري كلمته ويحمي مصالحه ، وليوقف هذا الخلط والتجريف الحاصل لحقوقه ومكتسباته .

 
 
aaa
زيارات إسياس المتكررة إلى إثيوبيا ومآلاتها المستقبلية
خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وشهادات المنصفين من غير المسلمين
رمضان في زمن الكورونا
بعد عام من إغلاق الحدود بين إرتريا والسودان من المستفيد ؟
ملامح الإتفاقية الإرترية الإثيوبية وتطلعات الشعب الإرتري
2024 © حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤتمر الإسلامي الإرتري | By : ShahBiz